أشهر أحداث القرن العشرين -1-: مأساة باخرة مورو كاستل

هذا المقال لا يحتاج مُقدمة وشرحا ، العنوان واضح ، لكن التفاصيل المؤلمة التي ستُكتَب قد تحمل ذكريات أليمة لأحد أجدادنا . و من هنا سنبدأ برحلة ضمن أشهر أحداث القرن العشرين ، و الجزء الأول مع ما حَدَث مع باخرة الركاب مورو كاستل في العام ١٩٣٤ م.
باخرة مورو كاستل
فخرُ الخطوط البحرية لشركة ( World line of America ) ، سفينة بوزن ١١٥٢٠ طن . أحدث الأثاث ووسائل الرفاهية وبل أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا آنذاك . وبالرغم من أن عُمُرَ السفينة ما يقارب الأربعين عاماً ، إلا أنها بحق كانت مصدر فخر لملاكها أو لمسافريها الأثرياء . السفينة التي خُصصت لنقل الركاب من و إلى ( نيويورك – هافانا ) ، قرر في وقت ما ، أن تُخصص للرحلات الشعبية المخصصة للاستجمام ذات الهواء الطلق ، و لمحبي المياه و الشمس و نسمات الليالي الصيفية . وكانت مجهزة بكل شيء كما يقال ( من الإبرة حتى الفُرن ) ومن أفضل النوعيات والماركات العالمية.

في الليلة التي سبقت وصول باخرة مورو كاستل إلى نيويورك كان الجو كالمعتاد ، بل و أكثر من المعتاد من الصخب و الجنون و السهر . وكان من المتوقع وقت الإرفاء في رصيف نيويورك الثامنة صباحاً . وفي تلك الليلة من يوم الجمعة ٧ من أيلول عام ١٩٣٤ ، لم تكن مختلفة عن سابقاتها من الليالي الأخيرة للسفينة .
إقرأ أيضا: اندرو كيو ومجزرة باث
كان المسافرون يحتسون المشروبات في مقصوراتهم ، قبل حلول موعد العشاء في الصالة الفخمة للسفينة . وبدأت أعدادهم بالوصول في صفوف متراصة ، و على الطاولة الخاصة بالقبطان ، كان هناك عدة شخصيات معروفة بانتظاره لتناول العشاء سوية ، و لكن الوقت تأخر و لم يصل بعد . و بدأ الجميع بالتململ و التفكير ببدء العشاء بدون القبطان ، و لكن السؤال : أين كان القبطان ( روبرت ويلموت ) طيلة هذه الفترة ؟
و خلال هذا التساؤل جاء أحد البحارة ليعلن اعتذار القبطان عن القدوم بسبب انشغاله بأمر طارئ ، والحقيقة أن القبطان الإنكليزي كان قد عُثِر عليه متوفياً جراء سكتة قلبية من قبل نائبه الضابط ( ويليام وورمز ) . وبالرغم من محاولة الطاقم إخفاء الحقيقة ، إلا أن الهمسات بدأت تتناقل في أرجاء باخرة مورو كاستل مما عكر الجو العام و دعى بالركاب و الفرقة الموسيقية بالانسحاب و تَسلّم الضابط ( وورمز ) مهامة الجديدة للمرة الأولى في حياته المهنية .
الجو كان عادياً ، بعض الامطار الخفيفة تساقطت على سطح السفينة .. انعكاس أنوار ( باخرة مورو كاستل ) على المياه ، الركاب في مقصوراتهم .. كل هذا دفع بالضابط وورمز بالاستراحة في مقعده بعد أن اطمأن للوضع العام و خلال ساعات ست ، ستنتهي مسؤوليته بإيصال السفينة نحو بر الأمان في نيويورك .
إقرأ أيضا: مذبحة مدينة نصر : مجزرة هزّت مصر بأكملها .
بداية النهاية
فجأة ، وصل خبر صاعق ، النار تلتهم كُل شيء في مكتبة السفينة و تمتد نحو باقي الأجزاء ، و ابتداءً من تلك اللحظات أمكن التأكد بأن السفينة أُدنيت من حكم الإعدام .
و بينما يقرع جرس الإنذار ، ظهر دخان كثيف و لوياً لوياً غطى السفينة ، و بدأت ألسنة اللهب و الرماد الحارق بالتساقط على جسر الباخرة ، و لأن الطاقم غير مؤهل و معتاد على رحلات السفينة المريحة ، فلم يقدر أحدٌ منهم فعل شيء ، بل على العكس أول الفارين كان طاقم السفينة نحو قوارب النجاة الستة و التي تتسع ل٤٠٠ راكب فقط ، و التي وُجّهَت نحو ميناء نيوجيرسي ، أما بالنسبة للضباط و الطاقم ذوي الخبرة فما حدث كان كابوساً بكل ما تعنيه الكلمة .

انطلق لسان عظيم من اللهب من ناحية الحائط و ابتلعهما معاً . و عند الظهيرة كانت إشارة الحياة الوحيدة قادمة من مقدمة السفينة من الضابط ( وورمز ) و بعض البحارة . و تقدم خفر السواحل قدر الإمكان من السفينة لإنقاذ ما تبقى . إلا أن وورمز رفض الأوامر و بقي حصراً أن سفينته ما زالت عائمة ، و لن يتركها إلا إذا تم قطرها و هذا ما كان من المستحيل ، فقد رُميَ على المورو مرساة حديدية لتحديد مسارها بعيداً عن باقي السفن ، و كان لابد من قطع كابل المرساة حتى يتم قطرها .
و بمنشار يدوي ، و لمدة خمس ساعات و صراع مع الزمن ، تمكن رجلان من رجال وورمز من قطع الكابل الذي يبلغ قطره ٧ سم ، و رمي إليهم بكابل لقطر السفينة و لكنه انقطع جراء عاصفة هبت فجأة ، و هُنا و تحت التهديد أرغم وورمز على ترك سفينته و النزول مع رجاله إلى قوارب خفر السواحل.
إقرأ أيضا: مجزرة إستديو الإنمي في اليابان
بعد قطع الكوابل تقرر ترك المورو كاستل لمصيرها تحترق . وبدأت السفينة بالجنوح حتى قدرت الزاوية ب ٥٣° . وأخيرا جنحت كليةً قبالة حديقة ( أزوبوري ) و هي محطة شعبية شهيرة . و كان قد أعلن نبأ الكارثة عبر الإذاعة و انتشر الخبر بالصحف بسرعة ، و بلغ عدد الجمهور المحتشد في الشاطئ بنحو ٢٥٠٠٠٠ شخص .

التحقيقات
فُتح تحقيق لدى القاضي الفيدرالي و وجهت لوورمز التهم التالية:
١ – عدم كفاءته باستيعاب الأمور.
٢ – عدم كفاءته في إيقاظ المسافرين لتوزيع أحزمة النجاة عليهم.
٣ – عدم كفاءته في تنظيم طاقمه لإجلاء المسافرين بقوارب النجارة.
٤ – عدم كفاءته في مواجهة الحريق.
٥ – عدم كفاءته في إرسال نداء الاستغاثة بالسرعة المطلوبة.
٦ – أُدين بتركه للسفينة تسير بسرعتها القصوى في مواجهة الريح مما ساعد على انتشار ألسنة اللهب.
و بعد مدة من الزمن ، قُطِرَتْ السفينة إلى ميناء بالتيمور لتباع هناك كخردة حديدية مقابل ٣٤٠٠٠ دولار .. بينما تكلف إنشائها ٥ ملايين دولار . ودخل أسمها كأشد الأخطاء البشرية رهبة ومن أكثر المآسي الأكثر شناعة التي جرت على سطح المياه .

و قدر عدد الضحايا من أصل ٣١٨ مسافراً ، نجى ٩٠ راكباً و ٤٤ من طاقم السفينة من أصل ٢٣١ بحاراً .
ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .