قتلة و مجرمون

مايكل مالوي : الرجل الذي رفض الموت.

مقال اليوم يتحدث عن مايكل مالوي ، رجل رفض مراراً الموت بطريقة ما . بقدرة لا يعلمها إلا الله ، بل وحينما تمكنوا من قتله ، افتضح قاتليه بسرعة وبدون إطالة التحقيق .

حينما تتصفح عزيزي القارئ عن الجرائم ، فستعرف انَّ المجرمين غالباً ما يقتلون ضحاياهم بسرعة . ودائماً ما يتم الإمساك بهم بسبب خطأ صغير ارتكبوه .

ولكن لماذا قد يجن جنون مجموعة من المجرمين لدرجة ارتكاب حماقة اجرامية واضحة وضوح الشمس !

هذا ما ستعرفه من خلال هذا المقال .

blank
أزمة الكساد الكبير ، توقفت الحياة الاقتصادية وتم تسريح آلاف العمال و الموظفين . كان مايكل مالوي من ضمنهم .

في عام 1932 بولاية نيويورك كانت أزمة الكساد الكبير قد حلت . وكانت معظم العوائل الأمريكية بلا عمل ولا منازل ولا رغبة بالحياة.
لقد كانت أزمة حقيقية في أمريكا . وكان الناس مستعدين لأن يعملوا بأي شيء في سبيل جلب المال . حتى في النصب و الاحتيال . وكانت تلك الفترة هي بداية ازدهار عمل العصابات والمافيا .

إقرأ أيضاً :أغنية مميتة .. تقتل سامعيها !

في نيويورك ، عصابة صغيرة كانت تدير حانة سرّية غير مرخّصة ، وعلى تلك الحانة كان هناك رجل يتردد عليها دائماً . كان رجلاً عجوزاً إيرلندياً . يبلغ من العمر 60 عاماً ، وقد كان رجل إطفاء سابق ، أما اليوم فهو مجرد كهل مدمن كحول .

عُرف هذا الرجل بإسم “مايكل مالوي ” ، وقد كان مهاجراً من ريف مدينة ” دونجل ” بإيرلندا وعمل كرجل إطفاء حتى العام 1930 حينما تم فصله من عمله .
لا أحد يعلم سبب الفصل ، قد يكون نتيجة تصرف سيئ . الا ان الاعتقاد السائد انه فصل لتقليل ميزانيات مؤسسات الدولة في ذلك الوقت . وقد خسر عشرات الألوف من الموظفين عملهم لنفس السبب .

blank
كان مايكل مالوي مجرد كهل ستيني مدمن على شرب الكحول ، لكن أمره غريب جداً…

كان مايكل يأتي للحانة يومياً ويشرب ، وكان يتم طرده بشكل يومي لأنه لم يكن يدفع الحساب ولأنه وبعد أن يشرب حتى الثمالة كان ينام على الأرض متبولا على نفسه وكانوا يضطرون لحمله وطرده. . كما أنه كان يضايق الزبائن خاصة النساء منهم . ولأنه كان رجلاً متشرداً ، ولم يكن لديه منزل ، بالتالي لم يكن يستحم الا نادراً . وبالطبع هذا يؤدي لمنزل قذر ورائحة نتنة أيضاً

إقرأ أيضاً :حانة كينجز المسكونة: ما حكاية الجثة في المدخنة؟

في النهاية سئم رئيس العصابة المسؤولة عن الحانة ” توني مارينو ” منه ومن تصرفاته ، وأثناء اجتماعه مع فردين من العصابة وهم ” دانيال كرايسبيرغ ” و ” فرانيس باسكوا ” كانوا قد قرروا التخلص منه .

اقترح حينها فرانيس فكرة جهنمية ، كانت الفكرة ان يقوموا بوضع بوليصة تأمين على حياة مايكل ، ثم يسمحون له بشرب ما يشاء من الخمر حتى يموت.
وبهذه الطريقة سيكونون قد تخلصوا منه وقد ربحوا المال في الوقت ذاته .
و انضم أيضاً نادل الحانة ” جوزيف مورفي ” حينها إلى خطة العصابة وقرر ان يشارك معهم .

blank
جوزيف مورفي ، قرر الانخراط في عملية قتل مايكل مالوي المسكين .

وتنفيذاً للخطّة ، ذهب فرانسيس حينها إلى 3 شركات تأمين ووضع في كل واحدة منها بوليصة تأمين بأسم نادل الحانة جوزيف مورفي ، حيث أن مورفي قدم نفسه على أنه أخ مايكل ووضع البوليصة بإسمه.
كانت قيمة الثلاث بوليصات التأمين عبارة عن 3576 دولار أمريكي، وهي تعادل في يومنا هذا اكثر من 74 الف دولار أمريكي .

وبالطبع لم يكن احدٌ ليشك بشيء . لقد كان مايكل عجوزاً بعمر 60 عام وكان سكيراً . ومن الطبيعي لأي سكير ان يموت نتيجة التسمم الكحولي، لقد كانت مسألة وقت لا اكثر قبل أن يستلموا أموالهم .

استكمالاً لما بدأوه ، أتوا بعدها إلى مايكل واخبروه أنَّ الحانة مفتوحة له . وأنَّه يستطيع أن يشرب ما يشاء دون أي حساب.

إقرأ أيضاً :جرائم “كين” و “باربي”

ربما ظن مايكل حينها انه مات وأصبح بالجنة، فقد كان ما سمعه أسعد خبر يستطيع تذكره في حياته . وقد شعر انه طفل في متجر حلوى يملكه والده. فبدأ بالشرب ، كأساً بعد كأس . كانت الكمية التي يشربها كافية لقتل عدة اشخاص ، لكنه كان بعد أن يشرب يخرج من الحانة بكل بساطة .

استمر الأمر بديدن متكرر لعدّة أيام . وقد كان مايكل يختار الكحول الغالية والمكلفة وقد بدأت العصابة تخسر ارباحها . فقرروا القيام بخطة بديلة وهي تقديم الميثانول أو الكحول الطبي له .

blank
الميثانول الطبي او كحول الخشب .. مادة سامة بكل المقاييس

وإن كنت لا تعرف عزيزي القارئ فإن الكحول الطبي قوي المفعول للغاية ، فهو مكون من كحول نقية بنسبة 99.99٪ واذا ما شرب الإنسان القليل منها فسيفقد البصر سريعاً . فيما شرب كأسين من ذلك الكحول قادر على قتل الإنسان مباشرة.

بطبيعة الحال ، فإن أحداً لن يشك في الأمر ، فلا يمكن حتى لأفضل الأطباء بالعالم تحديد نوع الكحول الذي شربه الشخص وتفريق الكحول الطبي من الكحول العادي .

إقرأ أيضاً :ادريان ديوارت .. جندي بسبع ارواح

وبالفعل ، تم تقديم الميثانول لمايكل و شرب ذلك الاخير منه جرعة كافية لقتل عدة اشخاص . دون أن يفقد البصر أو أن تظهر عليه أيّة أعراض . بل وحتى بدون أن يلاحظ تغيّر الطعم عليه . واستمر الوضع على حاله لمدة يومين ! . كان مايكل قد شرب خلالها من الكحول الطبي جرعة قاتلة لستّة اشخاص وربما سبعة ، ولا يزال بحالة سليمة ! .

وبخطّة بديلة لخطّتهم البديلة . فقد قرورا تسميمه ، لكنَّ استخدامهم لُسم كيميائي عليه مباشرة امر خطر ، وبلا شك سيتم اكتشاف أمرهم .
فاحضروا له محاراً فاسداً . وأيضاً إن كنت لا تعلم عزيزي القارئ فإن المحار الفاسد يؤدي لتسمم غذائي فظيع ، وبهذا لن يلحظ أو يسأل أحد .
لأنه ومجدداً .. فإن هذا الرجل سكير ، وقد يكون أكل محاراً من القمامة وحسب .

blank
الحانة الغير شرعية والتي كان مايكل مالوي يصارع الموت فيها .

تناول مايكل وجبة المحار الفاسد ، الا انه بعد أن اكله لم يصَب بأي شيء . وخرج من الحانة وعاد باليوم التالي بشكل طبيعي .
قررت العصابة حينها أن تطعمه شيئاً اخراً . فاحضروا له سندويش سردين فاسد مع مسامير دقيقة صدئة قد اخذوها من السجادة ، وبعد أن فرغ من وجبة السردين بالمسامير ، طلب منهم واحدا أخر ! .

“انت طباخ ممتاز وطعامك لذيذ ، اقترح عليك أن تفتح مطعماً “
بهذه الجملة انهى مايكل السندويش الثاني مخاطباً قال لنادل الحانة ، ثم ذهب في حال سبيله ! .

إقرأ أيضاً :الخضر و السامري وحكاية الرجل الذي لا يموت!

طفح الكيل ، و سئمت العصابة منه . حينها قرروا أن يجدوا طريقة أخرى لقتله .

ولأن صدفة خير من ألف ميعاد ، فقد اغمي على مايكل بينما كان يشرب في الحانة . وعندها قرروا انتهاز الفرصة .. فأخذوه بالسيارة ونزعوا عنه قميصه ، ثم صبّوا عليه الماء ورموه بالثلج . وانتظروا حتى تجمد الماء على صدره ووجهه.

ومجدداً .. لن يثير موته بهذه الطريقة الشكوك، فلعله قد التقى ببائعة هوى وقرر ممارسة الجنس معها في الثلج وأغمي عليه ونام هناك حتى اختنق بالثلج ، لا أحد يستطيع تحديد ما يفعله سكير .
لكن وبعد أن عادت العصابة في النهار التالي وجدوه بالحانة يشرب !

أغمي عليه مجدداً بعد عدة ايام ، نتيجة الشرب ، وإن نجى مرة فلن ينجو مرتين . فأخذوه ليلاً بالسيارة وقاموا برميه بالشارع ودهسوه مرتين على سرعة 73 كيلومتر بالساعة . ثم هربوا متأملين ان تدهسه سيارة أخرى ثم تكشتفه فيتمكنون من الحصول على المال.

مرة أُخرى .. لن يشكٍّ أحدٌ بشيء ، مجرد سكير قد قطع الشارع ثملاً في الظلام الحالك ثم صدمته سيارة ومات.
و بعد أن تركوه لم يأتي للحانة في صباح اليوم التالي ولا الذي يليه .

بدأت نشوة الانتصار تسري بين أفراد العصابة ، فقد مرَّ خمسة أيام من الإنتظار لم يظهر فيها مايكل السكير . لذلك بدؤوا بالتواصل مع المستشفيات ومشارح الجثث ليعرفوا أين جثته ، و ليتمكنوا من إبلاغ شركات التأمين واخذ المال . لكن العجيب انهم لم يعثروا عليه في أي مستشفى أو مشرحة .

وماهي إلا ساعات حتى أتى إلى الحانة وبدأ بالشرب !

blank
باق افراد العصابة : دانيال و فرانسيس والدكتور مانزيلا

كانت صدمة العصابة هائلة . لدرجة أنهم ركّزوا جيداً بملامحه ، ظناً منهم انه ليس مايكل . لكنه كان كذلك .
لقد نجى بطريقة ما لا يعلمها إلا الله من دهس السيارة مرتين وربما اكثر ! . عدا عن أنّه لا أحد يعلم كم سيارة دهسته حينها في الظلام الحالك !

خشيت العصابة من أن يكون مايكل قد أبلغ عمّا جرى . فسألوه ، لكنّه لم يكن يتذكر أي شيء ، كل ما تذكره أنه استيقظ ليجد نفسه في منتصف الشارع ويجد آثار عجلات السيارات مرسومة على جسده !

إقرأ أيضاً : تارار .. الرجل الذي لا يشبع

لقد شرب هذا الرجل كمية ضخمة من الكحول تكفي لقتل عدة أشخاص ولم يمت . لقد شرب كمية ضخمة من الميثانول تكفي لقتل عشرات الأشخاص ولم يمت . لقد اكل لحوم البحر الفاسدة ومجموعة من المسامير الصدئة ولم يمت . لقد وضِع في الثلوج عارياً ومبللاً بالماء ولم يمت . وقد تعرض للدهس بالسيارات ولم يمت! . فعلاً إنّها لمشكلة !

بدأت بوليصة التأمين تنتهي، وقد أنفقت العصابة على الكحول التي يشربها مبالغ ضخمة في وقت كانت الكحول ممنوعة وكان يتم تهريبها وشرائها بالخفاء . وخشيت العصابة حينها أن تخرج بخسارة . ففقدت اعصابها وفكرت في خطة تضمن قتله بنسبة 100٪

بعد عدة أيام اغمي عليه -كما العادة- نتيجة الإفراط بالشرب . فما كان منهم إلا أن اخذوه لمستودع الحانة ثم وضعوا منشفة مبتلة على وجهه ووضعوا أنبوب غاز تحت المنشفة. وبعد ساعة تقريباً توقف اخيراً عن التنفس وفارق الحياة . ليذهب حينها مورفي إلى شركات التأمين ويطالب بالمال .
حينما تم تشريح الجثة ومعرفة أن الرجل قد مات نتيجة الاختناق ، بدأت شركة التأمين بطرح عدة أسئلة عليه ، لكن مورفي لم يجب عليها وتوتر .
شكت شركة التأمين به فأبلغت الشرطة وتم اعتقاله تحت ذمة التحقيق .

كانت أخر محاولة هي ما كشفت العصابة، فكان من الطبيعي على رجل سكير ان يلقى حتفه نتيجة الشرب، أو أن يلقى حتفه نتيجة البرد بالثلوج، أو أن يلقى حتفه نتيجة صدمة سيارة، اما ان يلقى حتفه نتيجة الإختناق بالغاز فهو امر غير وارد وغير طبيعي.

blank
في الاعلى الغرفة التي مات مايكل مالوي فيها ، وفي الاسفل صورة له قبل تشريح جثته

أعترفت العصابة بالنهاية بما جرى وقد تم اتهامهم بالقتل مع سبق الإصرار وبالإحتيال.
كما انهم كشفوا عن وجود شريك اخر بالجريمة وكان يدعى الدكتور ” مانزيلا ” وقد ساعدهم وقدم لهم النصائح الطبية في سبيل قتله . وحيث انه لم يشارك في الجريمة قد حكم عليه بالسجن ودفع غرامة قدرها 10 آلاف دولار أمريكي.

اما الأربع أفراد حكم عليهم جميعا بالإعدام بالكرسي الكهربائي وقد تنفذ الحكم بالخامس من يوليو بالعام 1934.

إقرأ أيضاً :الطب الاسود 731: اطباء وعلماء مجرمون

لقد كانت جريمة قتل مايكل إحدى أغرب الجرائم وأكثرها شفقة، فقد يكون سكيرا وقد يكون فظ القلب لكنه مع ذلك لم يستحق ما جرى له.

كما أنه كان رجلا غريباً، فلا يوجد أحد على هذا الكوكب يستطيع اجتراع نفس كمية الكحول التي شربها دون أن يموت او يتدمر كبده او على الأقل يصاب بالتسمم الكحولي .

ما رأيك عزيزي القارئ والقارئة بقصة مايكل؟
وكيف استطاع برأيك ان يتحمل كل هذه الأمور دون أن يموت؟

هل أعجبك المقال ؟ ، صوّت لكاتبه في مسابقة كاتب الشهر في كابوس من خلال التعليقات .

ملاحظة :جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس ، لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي او المرئي للمقال المنشور دون اذن مكتوب من ادارة الموقع ، وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
smithsonianmagWikipedialinkedinaventurasnahistoria

آريو

-كاتب من سوريا - الكاتب الأفضل في كابوس لشهر اغسطس 2022
guest
49 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى