ألغاز علميةكشكول

الثقب الأسود : هل يبتلع كوكبنا؟

كون عظيم، واسع لا نهاية له، آلاف النجوم والمجرّات، كواكب تخطّت الملايين ومثلها لم يُكتشف بعد. وسط كل هذا يوجد كوكب من ماء وصخور، كقطرة وسط محيط واسع، تحيط به الأخطار من كل حدب وصوب وتندلع بعضها في داخله. تلك شمس حارقة قد تحرق الكلّ عن بكرة أبيه، وهذا نيزك ضخم يهدّد بالانفجار وسط أرضنا. لكن لا هذا ولا ذاك بخطورة ما سنتطرّق له اليوم. خطر يهدّد بابتلاع كوكبنا وحصره داخل فجوة مجرّدة عن الزّمان والمكان. تتراشق داخلها النّيازك، ولربّما البراكين والحمم ولا أحد يدري ماذا أيضا! لا أخطر من أن يبتلعك المجهول، ويقذف بك وسط بطنه دون رحمة. وهذا بالضبط ما سنتحدّث عنه اليوم؛ نعم يا سادة، إنه الثقب الأسود!

شدّوا العزيمة، اربطوا حزام الأمان و دعوني آخذكم في رحلة خارج هذا الكوكب الصغير لنطفوا في الفضاء.. ونقترب من هذا الخطر المجهول، ونلقي نظرة عن كثب. ماهو؟ ماذا يكون؟ كيف ومتى وأين وُجد؟ والأهم، هل قد يلقي بنا يوما داخله ويسحبنا نحو هوّة بلا قعر ولا نهاية؟!

الثقب الأسود
الثقب الأسود : خطر يهدد بابتلاع كوكبنا!
إقرأ أيضا : الثقب الأسود .. وحش درب التبانة المخفي !!

علميا فإن الثثقب الأسود هو مكان أو فجوة في الفضاء الخارجي.. تسيطر عليها قوّة جاذبية عُظمى وتسحب إليها كل ما حولها وتبتلعها دون رحمة فلا يُرى بعدها أبدا. إن ما يؤدي لكلّ هذا هو نجم واحد! نجم ينير سماء كوكبنا، ويلمع كالماس المصقول، يذوي هذا الّنجم الجميل ويُحتضر جماله.. يَفقد قواه ويسقط مركز ثقله لينهار الجسم بأكمله في انفجار ضخم. تلك الطّاقة الضّخمة النّاجمة عن الإنفجار تسبّب ما يشبه فجوة صغيرة جدّاً، حتى أنّها قد تصل لحجم ذرّة! لكن كتلتها وجاذبيتها قويّة للغاية، تنبثق من لا مكان وتسحب كل شيء نحوها.

توجد عدّة أنواع من الثّقوب السّوداء، كما تختلف كتلتها وكذا حجمها. أكبرها على الإطلاق يسمّى ب(الثّقوب الفائقة) ويُعتقد أنها وجدت منذ بداية الكون. كما صرّح العلماء أن لكل مجرّة ضخمة ثُقبا فائقا في منتصفها وتبلغ كتلته أكثر من مليون شمسا مجتمعة. وبالتّأكيد يوجد واحد في مجرّة درب التّبانة، يُدعى ب(الرامي أ) وتبلغ كتلتة أربعة ملايين شمس مجتمعة! لك أن تتخيّل عزيزي القارئ مدى ضخامة كتلته مقارنة بحجمه الذي يكون صغيرا جدا.

ثاني نوع من هذه الثّقوب يسمى ( الثّقب النّجمي) وتقارن كتلته بعشرين ضعفا من كتلة الشمس.


blank
ثقب أسود نجمي
إقرأ أيضا : أسرار مقلقة حول وكالات الفضاء

المثير في الأمر أن هذه الثّقوب المخيفة -والتي لا يمكن رتقها بإبرة وخيط كباقي ثقوب العالم- غير مرئية للعين المجرّدة ولا يقدر العلماء على رصدها إلاّ من خلال الأقمار الصناعية ودراسة حركة دوران النجوم. ولعلك تتساءل لماذا سميّت بالسّوداء إذا؟

هذه الثّقوب وبسبب جاذبيتها الضخمة لا تسمح لأي شي بالخروج منها مهما كانت سرعته. وعندما نذكر السرعة فلا أسرع من الضوء! غير أن هذا الأخير أيضا عندما ينفذ داخلها لا يعود أبدا؛ ذلك لأنّ هذه الأجسام الغريبة لا تعكس الضّوء بل تمتصه لداخلها فحسب، وكل ما هو خالٍ من الضّوء، يصبح مظلما، حالك، وأسود، ومن هنا جاء الإسم.

دعونا نغوص قليلا في عمق التاريخ، تحديدا إلى القرن الثّامن عشر، حيث وُضعت أوّل لبنة في فرضية الثّقوب السّوداء. كان أوّل من اكتشفها هو الفيلسوف الإنجليزي «جون ميشيل» فقد توّصل إلى أنّ مُعظم النّجوم قد تكون غير مرئية.. وذلك بسبب امتصاصها الضّوء الذي يصدر منها وذلك راجع لجاذبيتها الكبيرة. وسميّت هذه الفرضية ب( فرضية النّجم الأسود)، مع كامل الأسف توفي هذا الفيلسوف قبل أن يتمكن من اثبات فرضيته سنة ألف وسبعمئة وثلاثة وتسعين. ومضت بعدها عدة سنوات طوال قبل أن يُنفض الغبار عن هذه النظرية وتبثّ فيها الحياة من جديد.

نال الفيزيائي الألماني« كارل شفارتزشيلد» هذا الشّرف، حيث توّصل خلال بحثه عن النّجوم إلى معادلة تثبت وجود أجسام قادرة على ابتلاع أجسام أخرى توجد في محيط جاذبيتها، وسميّ هذا الافتراض، أو الجسم ب( نصف قطر شفارتزشيلد).

blank
الألماني شارل شفارتز شيلد
إقرأ أيضا :10 مخاطر من الفضاء قد تودي بالحضارة إلى الفناء

دعونا نغوص في بعض التفاصيل؛ عندما يفقد النجم وقوده، وطاقة حياته يبدأ في الانهيار وتعمل الجاذبية الناجمة عن ذلك على ابتلاع كل ما يحيط بها، وكلمّا كان النّجم المُحتضر ذا كتلة ضخمة جدّا، كلما زاد نطاق جاذبيته فتتشكّل في الأخير كرة صغيرة الحجم، بكتلة تفوق بملايين المرّات كتلة الشّمس، وبقوّة بوسعها ابتلاع كواكب لا حصر لها. سنة ألف وتسعمئة وسبعة وستّين أَطلق الفلكي «جون ويلر» على هذه المناطق المرعبة لقبها( الثّقوب السّوداء) فباتت تعرف به.

بعد أن تمّ دعم افتراض الثقوب السوداء بالدّلائل اللّازمة أصبح فرضية أولى كثير من العلماء في وقتهم كلّ العناية لدراستها، وحين تمّ اكتشاف أوّل ثُقب أسود حقيقي، أمست النظرية حقيقة مُطلقة لا يجرؤ أحد على تكذيبها. كان ذلك سنة ألف وتسعمئة وواحد وسبعين، حين استطاع كل من الفلكي «لويس ويبتسر» و«باول موردن»، برفقة طالب يدعى «توماس بولتون» من رصد مصدر كثيف للأشعّة السينيّة، يقع في مدار حول النّجم الأزرق ويبعد بأكثر من ستّة آلاف سنة ضوئية. أُطلق على هذا الثقب اسم «cygnus X-1» وَعُدّ أوّل ثُقب أسود تمّ اكتشافه في التاريخ.

فيما بعد وضع العلماءُ مفهومًا افتراضيًّا حول جسمٍ بحرارة الصفر المطلق، بحالة توازن ثيرموديناميكي، يمتصّ كل الأشعّة الكهرومغناطيسية السّاقطة على سطحه ولا يعكس أيًّا منها عرف ب: الجسم الأسود. وللحفاظ على توازنه الثيرموديناميكي يطلق هذا الجسمُ إشعاعًا حراريًّا يعتمدُ على حرارته فقط يُعرف بـ«إشعاع الجسم الأسود». على الرغم من أن الجسم الأسود جسمٌ افتراضيّ، إلا أن جميع الأجسام تطلق إشعاع الجسم الأسود، لكن ما يميّز الجسم الأسود عن جميع الأجسام الأخرى هو درجة حرارته وامتصاصه لجميع الأشعّة الكهرومغناطيسيّة. إذن، هل يُعدُّ الثقب الأسود جسمًا أسودَ؟.

الثقب الأسود
هل الثقب الأسود جسم أسود؟
إقرأ أيضا : من تكون تلك المرأة الهولوغرامية المجهولة ؟

في عام 1974 قدّم الفيزيائي النّظري «ستيفن هوكينغ» اقتراحه حول إشعاع الجسم الأسود، قائلًا أن جُسيمات صغيرة كالفوتون والنيوترون، قد تنبعث من أفق الحدث (The event horizon)؛ وهو محيط الثقب الأسود، أو حدوده. وبيّن هوكينغ أن الحرارة الفعّالة للثّقب الأسود تتناسب عكسيًّا مع كتلته، ويتناسب تدفّق الطّاقة منه عكسيًّا مع مربع الكتلة، لكن ينطلق إشعاع هوكينغ من خارج أفق الحدث لا من داخله، أمّا ما يحصل داخل الثّقب الأسود فهو أمرٌ نجهله تمامًا؟. إنّ ما يميّز الثقب الأسود شدّة انحناء المكان فيه، ما يجعلنا غير قادرين على إيجاد أي رابطٍ بين داخله وخارجه، نحن لا ندرك حتّى إذا كان من الممكن أن نقول «داخل الثقب الأسود!» و لا نعرف إن كان هذا الثقب جسما له قاع!، لكنّه مع ذلك يتّصرف كجسمٍ أسودٍ متوازنٍ ثيرموديناميكيًّا، ويُطلق إشعاعًا حراريًّا أيضًا، وقد يتبيّن لنا مستقبلًا أن الثقب الأسود هو إثباتٌ واقعيٌّ للجسم الأسود الافتراضي.

نعود الآن إلى السّؤال الأهّم؛ هل يشكّل الثّقب الأسود خطرا على كوكب الأرض؟ وهل يتهدّدنا خطر الابتلاع!

صرّح العلماء، في هذا الشّأن أن الثقب لا يتجوّل في المجرّات بحثا عن نجوم لكي يلتهمها! ولا يتواجد كوكب الأرض ضمن نطاق جاذبية ثقب معيّن كي يتّم سحبه إليه، لكن في حالة وُجد يوما ، فإنّ العلماء لا يَرون خطرا في ذلك، لأن الثّقب الأسود يتمتّع بجاذبية تضاهي جاذبية الشّمس ممّا سيدفع الكواكب للدّوران حوله بدل الانجذاب نحوه، وهذا يعني أن كوكب الأرض بدوره سيدور حول هذا الثّقب لكنّه لن يُبتلع من طرفه.

إلى هنا تكون رحلتنا قد انتهت، أتمنى لكم يوما طيبا، دمتم بخير.

المزيد من المواضيع المرعبة والمثيرة؟ أنقر هنا
المصدر
عربي بوستموضوعويكيبيدياناسا بالعربي

رنا رشاد

المغرب
guest
2 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى