أدب الرعب والعام

الخاتم الأسود

بقلم : نور إبراهيم – قنا ـــ مصر

دياب محمود الرفاعي.. شاب أبيض البشرة.. طويل القامة.. وسيم الملامح.. طالب متفوق منذ نعومة أظافره.. الأول على دفعته كل عام.. محبوب من كل أساتذته.. كل الطلبة تتمنى أن تكون مثله.. إلا ثُلة من الفشلة الحاقدين تتمنى الهلاك له..

كان كل شئ يسير على ما يُرام في حياته.. حتى حلَّ يوم إعلان نتيجة الثانوية العامة.. فالكل كان يتوقع أن يكون دياب من العشرة الأوائل على الجمهورية.. أو على الأقل يحصل على مجموع عالي يؤهلّه للالتحاق بكلية الطب التي يحلم بها منذ طفولته.. ولكن النتيجة خيَّبت ظُنون المُحبين.. وشَفَت غليل الحاقدين!

90.6%.. كان ذلك مجموع دياب.. وهو مجموع مُخيَّب لآماله ولآمال كل مُحبينه.. دخل دياب في نوبة اكتئاب شديدة.. يغلق غرفته ويمكث فيها طوال اليوم ويبكي حتى يغلبه النُعاس.. حاول والده أن يواسيه ويخفف عنه.. ولكن دياب كان مستمرًا في الاكتئاب والبكاء.. لم يتوقف الأب عن مواساة ابنه.. وكذلك الأم لم تتوقف أيضًا عن مواساة ابنها والتهوين عليه.. ونصح الأب ابنه بأن يلتحق بكلية العلوم قسم كيمياء.. وأخبره بأنه سيكون من المتفوقين في هذه الكلية ولا سيّما أنه من عُشاق الكيمياء.. ولكن كل محاولات المواساة والتخفيف لم تُجدي بأي منفعة.. وتدهورت حالة دياب.. وأصبح يمتنع عن الطعام لفترات طويلة.. حتى ضَعُف جسده وتدهورت صحته.. عرضه والده على أكثر من طبيب.. ولكن حالته مازالت مستمرة في التدهور.. وما زال دياب عاشقًا للصمت والعزلة والبكاء.. بل وحاول دياب أن يُلقي نفسه من سطح المنزل ولكن والده أنقذه في اللحظة الأخيرة.. شك الأب في حالة والده.. فربما يكون قد تعرض لمَّس شيطاني.. فعرضه على أحد المُعالجين الروحانيين ويُدعى خليل الرشيدي.. وذهب دياب مع والده بعد محاولات كثيرة من الرفض باءت كلها بالفشل.. فالوالد رجلًا قرويًا بسيطًا يؤمن إيمانًا قويًا بالماورائيات.. وهذه تفاصيل اللقاء مع خليل..

دخلوا بيت خليل.. وكان بيتًا قديمًا مكوَّن من طابقين.. ورَّحب بهم خليل.. وكان يرتدي جلبابًا أبيضًا.. وطاقية بيضاء..

الوالد: إزيك يا شيخ خليل

خليل: أهلًا بيك يا أبودياب.. إزيك يا دياب يا بني

دياب: أهلًا بيك يا شيخ خليل

الوالد: طبعًا أنت عارف إحنا جايين ليه؟

خليل: عارف كل حاجة.. خُلاصة الكلام يا أبودياب.. ابنك اتعرض لمس شيطاني من كُتر البُكا في الأوضة لوحده.. وأنا عندي الحل..

أخرج خليل من جيبه خاتم أسود اللون وقرأ بعض الآيات القرآنية بصوت مسموع.. ثم أغمض عينيه وتمتم بكلمات غير مفهومة.. وأعطى الخاتم لدياب.. والذي أمسكه بيد مرتعشة

خليل: إلبس الخاتم يا دياب.. وإوعى تخلعه من إيدك.. علشان فيه خُدام من الجن المسلم هيحموك من أي أذى..

ابتسم الوالد وقال: شكرًا يا شيخ خليل.. عاوز كام بقى؟!

خليل: ألف جنيه!

تظاهر الوالد بالابتسامة وأخرج النقود من من محفظته وأعطاها لخليل بعد أن أمطره بوابل من السُباب واللعنات في مُخيلته..

دياب: أنا لا يمكن ألبس الخاتم دا يا بابا.. أنا مرعوب منه.. وبعدين الراجل اللي اسمه خليل دا أنا خُفت منه.. شكله غريب كدا وأنا مش مِرتاح له.

الوالد: يا بني دا راجل كويس ومبروك.. والمنطقة كلها بتروح له.. وأبوه كان زيه برده.. وإن شاء الله هتتحل مشكلتك لمّا تلبس الخاتم.. علشان خاطري إلبسه.. جرّب يا بني ومش هتخسر حاجة

وضع دياب الخاتم الأسود في إصبعه.. وشعر براحة نفسية شديدة لم يشعر بها من قبل.. وذهب في سُبات عميق..


رأى كابوسًا غريبًا في تلك الليلة.. رأى كائنات غريبة تشبه القرود تُحدّثه ولكنه لم يسمع كلامهم.. وفجأة اقتربوا منه وحاولوا أن يلمسوه.. واستيقظ مفزوعًا.. وصرخ صرخة قوية لمّا رأى جرح غريب في رقبته.. زلزلت الصرخة أرجاء البيت.. وهروّل والده نحوه..

الوالد: إيه حصل يا دياب؟

دياب: شُفت كابوس مُرعب يا بابا.. كائنات غريبة بتكلمني وأنا مش سامعها.. وحاولوا يلمسوني وصحيت مفزوع.. واللي زوَّد رعبي إني صحيت شُفت جرح غريب في رقبتي.. حتى بُص كدا!

اندهش الوالد لمّا رأى الجرح الغريب في رقبة ابنه.. جرح دائري خفيف في أسفل الرقبة!

تظاهر الوالد بالابتسامة وقال لابنه: نام دلوقتي يا دياب.. ولو اتكرر الموضوع دا هاخدك ونروح تاني للشيخ خليل!

وتكرر الكابوس المُرعب في الليلة التالية واستيقظ دياب مفزوعًا.. وأحس بألم في ذراعه الأيسر ودقق فيه فوجد في أسفله جرحًا دائريًا غريبًا وصرخ صرخة قوية زلزلت البيت.. هرول الأب مفزوعًا وخلفه الأم.

الأب: إيه حصل يا دياب؟

دياب: نفس حلم الليلة اللي فاتت.. ونفس الجرح بس في دراعي الشمال.. شوف كدا

وزادت دهشة الأب لما رأى الجرح الجديد!

هروَّلت الأم نحو ابنها وسألته عن ما حدث فأخبرها بكل ما حدث.. ورأت الجرح الغريب وقالت بلهجة حادة: كله من الشيخ خليل الزفت ده.. دا شكله دجال والله

الأب: نام دلوقتي وبكرة الصبح هنروح للشيخ خليل

دياب: أنا مرعوب ومش قادر أنام تاني.. لازم نروحله دلوقتي

الأب: مش هينفع يا بني.. أكيد الشيخ نايم دلوقتي..

دياب: كلمّه في التليفون وقول له محتاجينك ضروري

نجح الأب في الاتصال بالشيخ خليل بعد العديد من محاولات الاتصال.. وأخبره بأنه سيزوره لأمر طارئ

خليل: خير يا أبو دياب

الأب مشيرًا لابنه: احكي كل اللي حصل معاك يا دياب

قصّ دياب على مسامع خليل كل ما حدث معه بعد أن ارتدى الخاتم..

ضحك خليل وقال: الخُدام بيهزروا معاك.. بس طالما هزارهم بيضايقك هخليهم يبطّلوه.. هات الخاتم

خلع دياب الخاتم وأعطاه لخليل.. التقط خليل الخاتم وأغمض عينيه وتمتم بكلام غير مفهوم ثم أعطى الخاتم لدياب وقال له: كدا مش هيهزروا معاك تاني.. وأعطى الوالد لخليل خمسمائة جنيه وأخذها على مضض!

وخرج دياب وأفكار غريبة تُداعب مُخيلته!

وغط دياب في نومٍ عميق بعد أن أنهكه التفكير في تلك الليلة.. ورأى كابوسًا مُرعبًا!

رأى نفسه يركض والكائنات الغريبة تركض خلفه وتقول له: مش هنسيبك يا دياب.. استيقظ مفزوعًا وزاد فزعه لمّا رأى أصابع قدمه اليمنى تنزف بغزارة.. صرخ صرخة قوية جدًا زلزلت أرجاء المنزل وأيقظت الأب والأم

هروَّل الأب نحوه وخلفه الأم..

فتح الأب فاه من الدهشة وصرخت الأم من هول المنظر.. حاول الأب أن يتمالك أعصابه وحاول تهدئة الأم.. وغاب عن البيت دقائق وعاد وبصحبته طبيب يسكن بجواره.. ضمد الطبيب الجراح وغط دياب في النوم.. وبعد أن استيقظ دياب سأله الأب عن ما حدث معه في الليلة الماضية وكانت الأم تجلس بجواره.. فقص دياب على مسامعه كل ما حدث.

وفجأة قالت الأم وبلهجة حادة: أنا شاكة من الأول في الزفت اللي اسمه الشيخ خليل دا وحذرتكم منه.. لكن انتوا ما سمعتوش كلامي.. الراجل دا دجال والله وهيضيّع ابني.. وأنا لازم ألاقي حل للعك اللي حصل دا كله..

الأب بنبرة حزينة: الراجل دا شكله دجال فعلًا وأنا غلطت لما أخدت الواد ورُحت له.. لازم نصلّح الغلطة دي قبل الواد ما يضيع مننا..

دياب بكل هدوء: والله عندك حق في كلمة يا ماما.. والراجل دا مكنتش مِرتاح له من الأول بس بابا اللي صمّم.. والحالة اللي أنا فيها دي خطر.. إيه الحل؟!

الأم: الحل عندي يا بني.. خالك شريف عارف واحد بيعالج بالقرآن قُريب من هنا.. كانوا زمايل دراسة.. والراجل دا بيعالج بالقرآن بجد.. وخالك دايمًا بيشكُر فيه

الأب: طيب كلمي شريف وخدي منه رقم الشيخ

اتصلت الأم بشقيقها شريف وأعطاها رقم الشيخ “عامر سلطان” بعد أن أخبرته بأن إحدى صديقاتها توَّد الذهاب إليه..

اتصل الوالد بالشيخ عامر وحدد معه موعد اللقاء

دخل الثلاثة بيت الشيخ عامر ورّحب بهم.. رجل أسمر البشرة قصير القامة علامات التقوى والورع تبدو جليَّة على محياه.

الأب: أنا محمود الرفاعي.. من طرف شريف شرقاوي أخو المدام..

الشيخ عامر: أهلًا بيك.. شريف دا أخ وصديق عزيز

الأم: شريف دايمًا بيشكُر فيك يا شيخ عامر

الشيخ عامر: شريف دا من أعز أصدقائي.. ابقي سلميلي عليه

أشارت الأم إلى ابنها وقالت: دا دياب ابني.. حصلت معاه حاجات غريبة جدًا الفترة اللي فاتت.. احكي للشيخ عامر كل اللي حصل معاك بالتفصيل يا دياب

قص دياب على مسامع الشيخ عامر كل ما حدث معه منذ أن أن ارتدى ذلك الخاتم الملعون.. استمع إليه الشيخ عامر باهتمام شديد.. وقال بعد نظرات طويلة صوَّبها

نحو دياب: اخلع الخاتم دا يا دياب

خلع دياب الخاتم وأعطاه للشيخ عامر.. أخذ الشيخ عامر الخاتم وقرأ عليه بعض آيات القرآن الكريم ثم أشعل فيه النيران.. وأكمل الشيخ عامر كلامه قائلًا:

اللي انتوا روحتوا له دا مش شيخ.. دا ساحر.. عارفين يعني إيه ساحر؟!.. يعني واحد كافر بالله وبيعبد الجن.. دياب مكنش فيه مس ولا أي حاجة.. دي حالة اكتئاب عادية.. لكن خوف الأب وتفكيره القروي البسيط خلاه افتكر إنه ممسوس.. وراح للساحر ده.. واللي سلَّط الجن على دياب عن طريق الخاتم.. عارفين سلَّط الجن ليه على دياب؟!.. علشان يلِّم فلوس منكم.. كل شوية تروحوا عنده وياخد منكم فلوس.. احمدوا ربنا إنكم عرفتوا الساحر دا على حقيقته.. واحمدوا ربنا على نجاة ابنكم من أذى الجن.. يا دياب يا بني لازم تواظب على صلاتك وتقرأ سورة البقرة كل يوم.. وهترجع أحسن من الأول إن شاء الله..

وعاد الثلاثة إلى البيت وهم في قمة السعادة.. لقد احترق الخاتم الأسود.

guest
9 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى