أدب الرعب والعام

تلك الأيام

بقلم : مصطفى 2018 – الجزائر


للتواصل : [email protected]

رغم اني مازلت على سريري و لم ابذل اي مجهود الا اني مزدحم بالتفاصيل و الذكريات و معركة قلبي و عقلي التي لا تنتهي ….احاول التفكير بعمق حتى اخترقني صوت قادم من اسفل الشارع …صوت جهوري سمعه جميع سكان الحي يقول لقد ضبطوه متلبسا بجرمه في شقة بحي (…) لكن لا تنسى هذا سر اياك ان تطلع به احد …! ليرد عليه محدثه بصوت اعلى سرك في بئر يا اب عوض… !
نهضت من فراشي و القيت تحية الصباح على والدتي …انسانة عظيمة هي خاصة و هي تتزين بالكحل و تفوح منها رائحة الحبهان …بعد تناول افطار بسيط اتجهت الى الخارج و لم انسى ان اطلب من امي ان تدعو لي بالتوفيق لينهمر علي فورا سيل من الدعوات …
داما ما ابدأ يومي بقراءة الجريدة لذا اتجهت الى صديقي عم بسيوني بائع الصحف و طبعا تخلل عملية الشراء نقاش عميق بيننا كالعادة منه سبب خسارة الزمالك و غلاء سعر الطماطم …في الحافلة الى الكلية فتحت الجريدة و بدات القراءة و شاركني في هذا النشاط المحبب بكل اخلاص و جد الشخص الجالس الى جانبي و الذي لا اعرفه بالمناسبة و لم يخجل طبعا ان يطلب مني عدم قلب الصفحة بضع مرات كونه لم ينهي الفقرة التي يقراها …كما ترون نحن شعب عفوي بطبعنا قد نتقبل الشخص الوقح او الصاخب لكنا لا نتسامح مع المهذب و نظن به الظنون ….غارق في خواطري حتى ارتطمت الحافلة باحد المطبات العشوائية و طار نصف الركاب مترا في الهواء …يبدو ان انشاء المطبات حق دستوري مكفول لكل مواطن…


وصلت الى الكلية و تابعت المحاضرات بنصف اهتمام فذكائي الخارق لا يكاد يتحمل هذه المهزلة التي يدرسونها لنا و لن اكذب ان قلت اني موهبتي الوحيدة هي اني انجح دون ان ادرس …المهم بعد انتهاء دوامي و في طريقي الى الخروج تقدمت مني فتاة مهذبة لتسالني عن شيئ ما و بينما انا احاول ان اجيبها جذبني شخص ما بقوة كادت تطيح بي ارضا لافاجأ بانها خطيبتي منال التي تدرس معي بنفس الكلية و بحاستها الانثوية المرهفة توهمت اني اخونها و اتبادل الحب و الهيام مع هذه الاخرى …
صحت بصوت حاولت ان اجعله صارما و قويا :
ـــ انها طالبة جديدة تسألني عن مكان دورة المياه !
لكن خطيبتي جذبتني بقوة اكبر من الاولى و جرتني كطفل صغير من امام الطالبة الجديدة التي امتقع وجهها و لم تصدق ما ترى .
لا اظن ان خطيبتي منال تهيم بي لهذه الدرجة انما هي فقط تعاني من حالة تقمص الحب كما تظهر في التليفزيون والسينما … عندما يخطب الشاب الفتاة يكتشف فجأة أنه يحبها بجنون … من مكانٍ ما تخرج القصائد الشعرية الرديئة والدباديب والأغاني العاطفية، ويقفان معًا يشاهدان الغروب … قد يكون كلاهما يقنع نفسه أنه يحب الآخر بعنف ، و ان كنتم تريدون رأيي فانا من الذ اعداء حالات تقمص الحب.
استعادت خطيبتي وقارها و تنحنحت :
ــ ما ان اغفل عنك لثواني الا و اجدك تلتصق باحداهن كالغراء ….
ثم بدأت تلقي علي تلميحات طالما صدعت بها الفتيات رؤوس كثير من الشبان قبلي على شاكلة
ــ نحن مخطوبان منذ زمن و لم تظهر اي بوادر عن …انت تعلم ماذا …و كلام الناس ….و ….
قاطعتها بصرامة :
ــ قولي ما تريدين مباشرة .. ولنكن واضحين : التلميحات الخفيفة لا تجدي .. التلميحات القوية لا تجدي .. التلميحات الواضحة كالشمس لا تجدي! .. قولي ما تريدين ببساطة !
ــ قالت : ادعني للغذاء و سنتكلم.


جلسنا في المطعم و اكتفيت بكاس قهوة بينما منال كانت شهيتها مفتوحة للآخر …قالت بفم مملوء بالطعام
ــ آه يا حبيبي المعذب اعلم انك لن تذق الطعام حتى نصبح معا للابد لكن لجسدك عليك حق…كل حتى تجد المزيد من القوة على الحب….
لا عليك يا حبيبتي …ساكتفي بمشاهدة براعتك في الاكل…لا تشربي الحساء من الطبق مباشرة …كيف تخطفين السلطة بالشوكة هكذا …مهارتك في تهشيم الدجاج بضربة قاضية مرعبة ….اشربي الماء فسيوفر المكان لمزيد من الطعام ….كلي …يا حبيبتي كلي فقصة حبنا ستدون في اساطير ملحمية يتناقلها الاجيال و ستقرض عنها قصائد شعرية تضاهي شعر امرؤ القيس
…هل اطلب لك الحلوى …تقولين فاعل الخير لا يستشير حسنا اسألك هل عشت في بيت اهلك لثلاثة و عشرون سنة لا بد ان والد شخص عظيم …هل فكرت في الاشتراك في مسابقات الاكل من قبل … على كل حال ساذهب لاجراء مكالمة في الخارج و ساعود …فكما تعلمين على كل حال فانا من هواة الاكسجين و لا اطيق ثاني اكسيد الكربون.


فررت من المكان لا ألوي على شيئ لا بد لي من القليل من النوم لاستعادة تركيزي …بعد نوم عميق صحوت غارقا في العرق …جلست في الصالة لتناول الشاي حتى عاد والدي حاملا بطيخة بيد و جريدة باليد الاخرى و القى علينا التحية بصوت عميق تلفه المهابة و الرزانة …هو موظف خمسيني ذو كرش يعرف اصلاح كل شيئ تالف في البيت …يجلس كل مساء في صدر الصالة ليدير منها البيت و يصدر الاوامر جبل عظيم من المسؤولية فعلا …اخبرني انني سارافقه لفرح عوض بعد المغرب و عوض هو ابن جارنا الذي بدات يومي بمعرفة سر ابيه ان كنتم تذكرون ….
ارتديت احلى ما املك و سرحت ما تبقى على رأسي من شعيرات و اتجهت رأسا رفقة ابي الى الحفل رغم عدم ارتياحي في هكذا مناسبات فالنشاط الوحيد الذي امارسه في الافراح هو متابعة تفاعل الناس مع بعضهم …المهم تبادلنا المجاملات و باركنا للعريس و جلست اين انتهى بي المجلس …قلت في نفسي …نحن شعب محافظ في كل مكان الا في الافراح فترى احدى قريباتك كشفت شعرها و ارتدت لباس لا داعي لوصفه احتراما للفتيات المهذبات بينما اذا صادفتها في مكان آخر ترتدي لباس اكثر احتشاما من لباس الفرح و لا تظهر الا شعيرات من راسها لفرت منك فرار الغزال من الاسد حياء منك طبعا …اي منطق هذا …و ازيدكم من الشعر بيتا عن مجالس الرجال …ترى جماعة اتخذت طاولة جلسوا حولها يتظاهرون بالمرح و الاهتمام ببعض …اما الحقيقة فكل واحد منهم غير مهتم بكلام الآخر بل ينتظر دوره في الكلام ليعدد مثالبه و يذكر محاسنه …
يتكلمون بخير عن بعضهم مدعين الطهارة و الشفافية و لا يذكرون بالشر الا الآخرين و اكاد اقسم انهم بعد تفرقهم سياكل كل منهم لحم الآخر لانه سيتحول فجأة الى واحد من الآخرين ….كل إنسان يقضي حياته في الفخر بأنه لم يقترف ذنبًا ، فالحقيقة هي أن نطاق حياته بعيد عن أي فرصة لأقتراف الذنوب .. فإذا ما أتيحت له الفرصة .. حسن .. أنتِ تعرف من أين يأتي اللصوص والمختلسون والقتلة ! إنهم من بيننا .. إنهم نحن !
فكرت في الفرار من كل شيئ الى المجهول لكني عدلت عن رأيي الحالم و قلت لنفسي انني ساتناول شطيرتي سجق و كوب شاي بالنعناع ثم انام و غدا سأنسى الأمر برمته…و تمضي تلك الايام

مصطفى 2018

- الجزائر - للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
28 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى