تجارب ومواقف غريبة

جدتي والجن

السلام عليكم أحبتي في الله ، أنا صاحب القصة المنشورة قبل فترة تحت عنوان هل كان حقا جنيا؟ . واليوم سأقص عليكم إحدى القصص التي عايشت أحداثها بنفسي عندما كنت صغيرا . والبداية كانت قبل أكثر من عشرين سنة ، كان عمري حينئذ  عشرة سنوات . كانت جدتي غريبة الأطوار إلى حد كبير ، فأهل القرية وجميع معارفنا وأقاربنا يتجنبون زيارتنا بسببها .

وكانت تحبذ الجلوس لوحدها تقريبا جل وقتها في غرفتها إلا نادرا . وكانت تقبض معاشا لابأس به تستخدمه لشراء مستلزمات الطبخ خصوصا . ستستغربون حقا لمن تطبخ؟! ، وستعرفون ذلك في سياق قصتنا إن شاء الله .

كانت جدتي تقوم من نومها باكرا قبل أي أحد آخر ، والذي يمر بغرفتها سيسمعها بالتأكيد تجادل وتصرخ و تنهر وتأمر وكأن أحدا ما معها . لكن الحقيقة أن لا أحد معها من البشر على الأقل! . ثم تهدأ من ثورة غضبها وتبدأ بترتيل أغاني ثورية أو أغاني الرحابة المشهورة عندنا في الجزائر . ونعلم حينئذ أنها بدأت بتحضير الطعام في ذلك القدر الكبير .. والذي غالبا ما يكون عيش أو شخشوخة أو بربوشة( كسكسي) ، وتحضر كميات هائلة! .

إقرأ أيضا : قصص منزل جدتي 2

قد يستغرب الكثيرون لذلك ، وبعد أن تعد جدتي ذلك الطعام تخلد للنوم مجددا ولا تستيقظ حتى العصر . لتبدأ في تجهيز ذلك الطعام حتى يصل وقت صلاة العشاء . حينها فقط يبدأ التشويق الحقيقي ،  تجدنا أنا وابن عمي نتتظر على عتبة بيت جدتي ، لأننا نعلم أنها ستحتاج إلينا فقد ألفنا الأمر . فنحمل نحن كل مالذ وطاب من الطعام ونسير خلفها بخطوات متثاقلة في الظلام الدامس إلى شجرة سدر كبيرة كانت تبعد عن البيت بمئة متر أو أكثر .

وحين نصل إلى منطقة معينة ، تأمرنا جدتي بالتوقف لتكمل هي مهمتها ، وتبدأ في نقل ذلك الطعام إلى تحت الشجرة أو بالقرب منها .. ونحن ننتظر حتى تكمل مهمتها لنعود أدراجنا ونحن نستمع إلى أصوات الرقص و الملاعق تصدح في الأرجاء .

لم يعد الأمر مريبا ولا مخيفا لنا رغم صغر سننا ، فقد اعتدنا على تلك الأصوات . حاولنا مرارا أن نستفسر منها عن السبب غير أنها لم تكن تجيبنا على الإطلاق .

كانت هذه عادتنا تقريبا مدة أربعة إلى خمسة سنوات ،
حتى توفيت جدتي بعد ذلك . بعد وفاتها بدأت المصائب تحل على ضيعتنا الصغيرة ، فالإخوة أصبحوا أعداء فجأة ، والمشاكل والشجارات والأمراض بدأت تنتشر بيننا مدة عام تقريبا ، ولم نعرف سببا لذلك .

وحدث أن جاءت إحدى العرافات ( ڨزانة ) لتطلب إقراضها مالا أو ماشابه . وعرفت أن ثمة خطبا ما في المكان ، فبدأت في السؤال والاستفسار والأهل يجيبونها . ثم غادرت مسرعة إلى بيتها ، وعادت بعد يومين لتقول لنا أن جدتكم المتوفاة قد أخذ الجن عليها عهدا أن تطعمهم كل ليلة مقابل أن لا يمسوا عائلتها بسوء .

إقرأ أيضا : منزل جدتي العجوز

وبحسب العرافة أن قبيلة من الجن المارد كان يسكن بالقرب منا . وأن الأرض التي نحن عليها ملك لهم ، وأننا اعتدينا عليهم وأن ما نعانيه حاليا هو سبب توقف جدتنا عن إطعامهم . وهم الآن يريدون منا الرحيل عن أرضهم أو أن يأخذوا علينا العهد مثل ما فعلوا مع جدتنا من قبل .

سخر الجميع من كلامها ، بل نعتوها بأبشع الأوصاف ، وطردوها وحذروها من القدوم مجددا والتحدث بمثل هذه الهرطقات الفارغة . ومضت الأيام وازدادت المصائب والمشاكل حتى لم نجد حلا ، وبدلا من تصديق كلام تلك العرافة ، قررنا ترك الأرض للجن والفرار من لعنة تلك البقعة .

وبالفعل بعد رحيلنا تحسنت أحوالنا تدريجيا ، حتى كبرنا و عرفنا أن جدتي ببساطتها وجهلها ساهمت في إنقاذنا من براثن الجن .

رحمها الله وغفر لها و لجميع موتى المسلمين .

التجربة بقلم : عبد النور – الجزائر

guest
13 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى