تجارب من واقع الحياة

قريبة من الموت (ولدت دون علمي 2)

أهلا .. وها أنا عدت للكتابة من جديد حاملة خيبة وقهرا و هَما على عاتقي ، أنا صاحبة مقال ” ولدت دون علمي” . كنت أتمنى حين عودتي للكتابة أن أكون حاملة بشرى سارة ، وأقول لكم أن الله فرّج عني وأشارككم فرحتي . ولم أكن أعلم أنني أتخيل حدوث شيء من شبه المستحيلات .. فيؤسفني قول أن الموت يتربص بي وأني في عداد الموتى حقاً ! .

تزايد العنف لدرجة لا تتحملها الجبال ومازلت حبيسة في الغرفة المشؤومة . عزيزي القارئ هل أنت مدرك ما أعنيه؟ . هذه المرة أتيت للكتابة ليس لأنني أبحث عن حلّ مثل مقالي الأول ، هذه المرة أتيت لأكسب دعواتكم لي في الأيام المقبلة لأنني اعتقد بأن روحي ستغادر ولن تسمح لي بالكتابة مجددا .

هذا الأسبوع الثاني ووالله لم أذق طعاما ولا راقت لعيناي النوم . أغفو دقائق قليلة وأستيقظ فزعة من تعنيفهم لي ، أشعر بأن روحي تحتضر في الحقيقة . وما أبقاني على قيد الحياة حتى الآن برغم عدم إطعامي لأسبوعين .. أنني عند السماح لي بالذهاب لدوره المياة (أكرمكم الله) أقوم بشرب كمية من المياه من حنفية الحمام . وأشعر حينها أن الماء يسري في جسدي كسيلان الماء في حمم البركان .

إقرأ أيضا : أتمنى الموت

أشعر بوهن و إرهاق وصداع حاد ، ولا ادري هل بسبب عدم الأكل أم بسبب التعنيف الذي أتلقاه . أقضي كل وقتي في الغرفة حبيسة أنا والجدران الكئيبة فقط ، مع بعض الرسومات التي رسمتها عليها .

ما جد في الأمر أنه قبل هذين الأسبوعين وبعد محاولات عديدة استطعت أن أتواصل مع أحد الرجال من أقربائي . وهو كان من ضمن الذين اقنعتهم أمي أنني كاذبة ومريضة و مجنونة . فهي تقول هذا لكي لا يفكر أحد بمساعدتي . تواصلت معه وأخبرني أنه حزين لوضعي ، ويتمنى مساعدتي . قال لي والله وعلى الرغم مما يتحدثونه عنك إلا أن عقلي لم يستطيع التصديق . لأنه يشهد لكِ كل الأقارب وكل من يراك أنك إنسانة سوية ، والظلم والعنف قد رسما على وجهك .

أحزنني عندما قال ذلك ، وبعد ضغط منه أن أتحدث وأبوح بالحقيقة فكرت ، ومن ثم توكلت على الله وأخبرته . قلت في نفسي أنه من الممكن أن يكون رسالة من الله لمساعدتي والخروج من هذه الحفرة على يديه . و فور تحدثي وإخباره بالحقيقة صدم ولم يبدي أي ردة فعل غير لسان حاله الذي يتمتم بحسبي الله حسبي الله .

إقرأ أيضا : الخوف من الموت..

وفي اليوم التالي عرض علي الزواج ! . استخرت الله وفكرت بوضعه فهو لا يملك شيئا لي ، ووضعه المادي سيء لأبعد حد وعليه ديون ، وهو المسؤول عن إخوانه السبعة وعن أمه وأبيه . فقلت في نفسي سأخرج من عذاب لعذاب آخر . ومن ثم راودني هاجس بأنني لن أحظى باحترامه لأنه يعرف أن ليس لدي أهل ، وذلك يقلل من قيمتي ؛ فكل رجل في الدنيا يتمنى أن تكون شريكة حياته لها سند و أهل يحترمونها .

وما أكد شكي أنه فجأة بدون أي مقدمات قطع الاتصال بي ، بالرغم من أنني وافقت على الزواج منه . ولكنه دون أي مقدمات لم يعد للتواصل معي لا أدري لماذا؟ . فأنا أراه نشطا على مواقع التواصل أي أنه بخير ! . فقدت الأمل في هذا الحل وعدت كما أنا تعيسة خائبة الظن . وفي يوم تذكرت آخر خاطب تقدم لي وتم رفضه من أهلي ، تذكرت حينها عندما قال لي أنا أشعر أن حياتك ليست بطبيعية ، وأنا كنت أنكر و أوهمه أنني أحظى بحياة دافئة بين أهلي . وفي يوم قال لي في أي وقت احتجتِ مساعدتي أنا تحت أمرك . تذكرت كلماته وكأنها بصيص أمل لي فعاودت التواصل معه ، وأخبرته حقيقة واقعي وانصدم ولكنه قال لي أنا بالخارج ولا يمكنني العوده إلا بعد سنة ! .

إقرأ أيضا : التعاسة أو الموت

هنا أدركت أن قدري ورؤيتي للدار الآخرة قد اقتربت ، وخائفة جدا بما سأشعره لحظات موتي . كلنا ندرك أن في هذه اللحظة يحتاج الإنسان من يلقنه الشهادة و من يقف جانبه يدعو له تسهيل خروج الروح . خائفة من تلك اللحظة أكثر من أي شيء . لست متشائمة ولكن انسان مثل وضعي لا طعام منذ أسبوعين ولا خروج منذ ثلاث سنوات ، حتى والله عند المشي للذهاب لدورة المياه أشعر أنني لا أستطيع التوازن ، وأرجلي تدخل ببعضها . أصبحت كأنني معاقة وهذا بسبب عدم الحركة وعدم الخروج لا أنام إلا لدقائق معدودة وأعاني الأرق والخوف والرعب .

قبل يومين نسوا باب الغرفة مفتوحا فخرجت منها بخطوات تكاد ألا تكون بالوجود . أسير وأسند نفسي بالجدران لأنني لا أستطيع التوازن ، وأخذت أتأمل أرجاء المنزل وأتعرف عليه مثل السائح الغريب في دولة ما . رأيت مرآة ملقاة على الأرض ففرحت وقلت كم أنني اشتقت أن أرى نفسي ، فأحنيت ظهري الذي يصدع بالآلآم وأخذتها وعدت للغرفة خوفا من أن أحداً سيستيقظ و يجدني . وكنت أنتظر ضوء الفجر بفارغ الصبر لكي أرى وجهي ، فإنارة الغرفة احترقت منذ زمن ولم يقوموا بإحضار أنوار جديدة . وهاتفي الذي أكتب منه الآن قديم جدا ومهترئ ، حتى إضاءته تكاد أن تنعدم .

إقرأ أيضا :الموت ألف مرة

أتى نور الفجر ورفعت المرآة و لا أعتقد أن هنالك كلمات تصف ما شعرت به . ثلاث سنوات لم أتجرأ على رؤيته ويا ليتني لم آراه . شحوب يعتريه وسواد حول العينين ، كبرت ملامحي ولكن بطريقة مُوجعة ومؤلمة للغاية . رأيت رأسي الذي كان يملك أجمل شعر والآن بلا شعر . رأيت آثار العنف على رقبتي وشفتاي المشققة والباهتة من الجوع والإرهاق . وآخر ما قررت التأمل فيه هما عيناي ، تمعنت فيها بكثرة وكأنني أعاتبها على شئ لم يكن لها ذنب فيه . أصابني اليأس ولم أكن أتوقع أن شكلي أصبح بهذا السوء فقد كنت جميلة أين ذهب جمالي؟ . آه .. نسيت أن العنف يسرق كل شي .

في صباح اليوم كنت جالسة أرتجف وأتأمل سقف الغرفة ، وكنت سارحة بخيالي ، ولو أنني بوضع ثانٍ وعائلة ثانية وأنني سعيدة . كنت أصبر نفسي بالخيال ، وما أخرجني منه إلا شعوري بالدوار . ومن ثم انهمر نزيف من أنفي ومن فمي ولا أدري ما السبب . إنسان مثل وضعي الموت محتم عليه لا محال . ولا أخفي عليكم أنني أكتب الآن وأشعر أن جسدي كالثلج ورائحة الموت تقترب . قلبي يخفق بشدة ، بل حتى أنه لن يكون بعلمي إذا تم نشر مقالي أم رفض .

أحببت أن أكتب آخر ما أود قوله في هذه الحياة ، و أحببت أن أترك لي أثرا ولو كانت مجرد حروف مطبوعة على موقع الكتروني . فبالتأكيد عند رحيلي لن أحظى بدعاء الأم الدافئ او الأخوة . لذلك أسألكم الدعاء ، لا تنسوني منه ، لا اريد شيئا غير دعائكم . وأسأل الله أن يجمعني بكل من دعا لي في جنات النعيم .

التجربة بقلم : لست بغريبة – أرض الله الواسعة

guest
100 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى