أدب الرعب والعام

ومن الكتب ما قتل!

بقلم : نور إبراهيم – قنا – مصر

دخل.د. حمادة الشواح مدرس القانون الجنائي مدرج كلية الحقوق.. ولا يستطيع أحد أن يتجاهل محاضرت د. الشواح.. فهي محاضرات في قمة المتعة ويجب أن يكون الطلبة في قمة الانضباط أيضًا.. فكل الآذان لابد أن تكون صاغية.. صاغية جدًا.. فالشواح يتمتع بحاسة سمع حادة تلتقط أي صوت.. ويتمتع بنظر قوي يمّيز كل من في المدرج بشهادة كل طلابه رغم النظارة التي تأكل نصف وجهه!

“اصحى يا مسعود هنروح في داهية.. يا بني اصحى الدكتور بينادي عليك”
كانت تلك الكلمات من علي النجار لزميله مسعود هاشم الذي يغط في سُبات عميق في آخر المدرج.. صفعه زميله على رأسه عدة مرات لكي يستيقظ فاستيقظ كالمجنون وضج المدرج بالضحك
د. الشواح: “صح النوم يا بيه”

– “معلش يا دكتور.. منمتش طول الليل”

– “ولما منمتش إيه اللي جايبك الجامعة يا أستاذ.. ودي مش أول مرة تعملها.. اتفضل برا “

– معل…

– “ولا كلمة.. اتفضل على بيتكم”

وخرج مسعود وهو في قمة الإحراج.. تمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه في هذه اللحظة.. تبًا لهذا الدكتور اللعين!

في كافتيريا الجامعة جلس مسعود مع صديقه الوحيد علي النجار.. ودعني أصف لك مسعود.. هو شاب أسمر ذو ملامح حادة.. يميل إلى القِصر أكثر من الطول.. وله كرش ضخم يظهر بشكل ملفت ودائمًا ما يسبب له الإحراج.. وكم نصحه رفاقه بأن يذهب إلى “الجيم” لمعالجة هذا الداء الخطير.. أما علي فهو دنجوان الكلية.. تتهافت عليه الفتيات من كل حدب وصوب.. فهو شاب أبيض.. طويل.. شديد الوسامة.. يصرف كل أمواله على لبسه.. فلابد أن يرتدي أحدث الماركات!

– “يا مسعود يا بني مينفعش اللي بتعمله ده.. يعني بتنام في كل المحاضرات.. ومزعل كل الدكاترة منك.. ما تشد حيلك شوية عشان تعدي في سنتك السودة دي”

– “والله أنا زهقت يا علي.. أنا مش هفضل كل شوية أعيد في أم السنة دي.. أنا لازم ألاقي حل”

– “مفيش حل غير إنك تذاكر يا بني.. لازم تذاكر يا حبيبي.. وابعد عن لبني”

– “يا بني (لبنى) دي روحي وأنا خلاص نويت أخطبها.. أنا لازم أنجح بأي طريقة علشان أخلص بقى من هم الكلية ده وأخطبها”

– “طيب وإيه الحل بقى يا فيلسوف”

ابتسم مسعود ابتسامة خبيثة وقال: “بعدين هقولك”

في اليوم التالي كان مسعود يتجول في سور الأزبكية.. وقف أمام كشك كتب قديم في سور الأزبكية يقف فيه رجل عجوز.. خط الزمان على وجهه الكثير من التجاعيد..

مسعود: “إزيك يا حاج”

العجوز: “أهلًا يا بني”

مسعود: “عاوز أحسن كتاب سحر عندك”

نظر الرجل لمسعود نظرة مريبة وقال له: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. امشى يا بني من هنا.. أنا مش ببيع الحاجات دي”

تعجب مسعود من رد فعل الرجل العجوز وانصرف باحثًا في مكان آخر
بحث مسعود في كل مكان في سور الأزبكية ولم يجد ضالته إلا في كشك قديم يقف فيه شاب في مثل سنه
دفع مسعود مائة جنيه مقابل كتاب ثمين.. بل والنسخة الأصلية النادرة من ذلك الكتاب

كتاب شمس المعارف الكبرى للبوني!

– “شمس المعارف!!.. أنت هتودي نفسك في داهية يا مسعود”
خرجت هذه الكلمات كالأعيرة النارية من فم علي

– “تصدق أنا غلطان إني صارحتك بالموضوع ده”

– “يا بني كل اللي قرأوا الكتاب ده ما سلموش من أذاه.. استهدى بالله كده ورجعه”

– “ده هو اللي هيخليني أنجح وأخلص من أم الكلية يا علي.. هسيبك دلوقتي يا علي.. مع السلامة”

وخرج مسعود من منزل صديقه عازمًا على إلقاء نفسه في مهالك شمس المعارف!

دعني أصف لك المشهد الآن ..

مسعود يقف عاريًا في غرفته المظلمة.. يتمتم بكلمات غير مفهومة بعد أن رسم دوائر ومربعات غريبة في أرض الغرفة.. إنها طقوس تحضير الجان عن طريق الطلسم.. مسعود يستمر في إلقاء كلماته الغير مفهومة وجسده يرتعش.. وفجأة زادت رعشته وظهر أمامه كائن غريب جدًا.. عيونه حمراء.. كأنها جمرتي نار تغليان في ظلام الليل.. قصير طوله لا يتعدى المتر.. ووجهه ملئ بالشعر كأنه قرد.. أغشى على مسعود من شدة غرابة هذا الكائن.. صفع الكائن مسعود على وجهه وأفاق مذعورًا
تحدث الكائن الغريب بصوت مخيف.. يشبه فحيح الأفعى

– ماذا تريد أيها البشري الأحمق.. لقد جعلت سيد عشيرتي يهددني ويهدد أهل بيتي بالقتل.. فأتيتك رغم أنفي

ـ أريد أن أنجح في كليتي.. كل سنة أرسب بسبب إهمالي

نظر الكائن إلى مسعود نظرة مريبة.. وقال غاضبًا :
 – ألهذا السبب التافه أحضرتتي أيها البشري الأحمق!

– وهل هذا السبب تافه في رأيك؟!

– نعم تافه.. بل شديد التفاهة.. وسأجعلك تندم على ما فعلت
قال الكائن هذه الكلمات بصوت مرتفع

وفجأة أمسك الكائن مسعود من رقبته ورفعه إلى أقصى ارتفاع في الشقة.. تجمدت الدماء في عروق مسعود.. ولم يستطع أن ينبس ببنت شفة.. ذرفت عيناه الكثير من الدموع.. لقد أدرك أنه هالك لا محالة!

وفجأة صاح الكائن بصوت مرعب: سألقيك من شرفة بيتك أيها الأحمق.. عمرك هو ضريبة فعلتك الشنعاء.. رحلة جميلة إلى جهنم..

أصاب الهلع محمود.. وزادت رجفته.. وبالفعل ألقاه الكائن الغريب من شرفة المنزل.. أفلت مسعود من يد الكائن.. سقط مسعود عاريًا من الطابق الرابع.. تاركًا حوله بركة من الدماء!

في اليوم التالي
جريدة الأهرام صفحة الحوادث:

تم العثور على شاب عاري غارقًا في دمائه في شبرا الخيمة.. ويُرجح أنه انتحر.. لعدم وجود أي شبهة جنائية!

guest
9 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى