ويني روث جود: قاتلة صناديق الأمتعة

كانت ويني روث جود تقف في محطة القطار.. وفي يديها التذكرة التي دفع ثمنها جاك. ترتدي البذلة البنية التي سيتعرف عليها الرجل من خلالها فقط بعد اثنتي عشرة ساعة عندما يصل القطار إلى مدينة لوس أنجلوس. كانت تحمل صندوقي أمتعة، وقد أوقفوها في المحطة بسبب وزن أحدهما حيث بلغ وزنه 175رطلاً. نظر لها الرجل باستغراب من حجم الصندوق، فنظرت إليه مع ابتسامة خفيفة تعلو وجهها وقالت أنها تحتوي على كتب زوجها الطبية. قالت هذا وهي تشعر أن قلبها قد سقط على الأرض بجوار حذائها وبدأت ترتجف.. لا، لن تعبر وتنجو من ذلك.

نظر لها العامل في المحطة وقال:

_ وزنه ثقيل جدا عليك دفع أربعة دولارات وخمسين سنتا مقابل وزنه الزائد.

قص شيكا مرقما قام بلصقه على الصندوق وأخذ الأمتعة بعيدا.

وهنا شعرت أن أسوأ مخاوفها تتلاشى بعيدا.. وذهبت لتلحق بالقطار وهي شاردة الذهن لا تفكر سوى بصناديق الأمتعة وتنظر من حين لآخر إلى يديها المصابة بطلق ناري. قليلاً بعد وسوف ينتهي كل شيء ربما ستتبقى الكوابيس ولكنها لا شيء مقارنة بما سيحدث لها لو أمسكوا بها.

القطار يصل

عندما وصل القطار كانت أول من يركض باتجاه الباب تبحث عن الفرصة الأخيرة للنجاة.. والمتمثلة في السيد (ويلسون جاك) إنها لا تعرفه ولكن جاك أخبرها أن تثق به، وقد فعلت.

وقفت تلتفت هنا وهناك وقد وضعت معطف الفرو على يديها حتى يستطيع السيد ويلسون مشاهدة البذلة البنية. وظلت تحدق بالناس ولكن ولا واحدا منهم توقف ليتعرف عليها. هنا شعرت بالخوف يملؤ قلبها فركضت باتجاه كشك الهاتف لتتصل بجاك هالوران.

ردت مدبرة بيته بطريقة عدائية وجافة وقالت لها أن السيد جاك غير موجود ولا يمكن الوصول إليه لبعض الوقت.. فقد انطلق في رحلة للصيد فقامت روث بوضع السماعة ببطء فقد عرفت للتو أنه خدعها.

ويني روث جود

ولدت ويني روث جود في ٢٩ يناير سنة ١٩٠٥ في ولاية إنديانا لأب واعظ بالكنيسة وأم ربة منزل. وقد عرف عنها أنها كثيرة المشاكل والكذب بالرغم أن أسرتها كانت هادئة وتتمتع بسمعة طيبة.

عندما بلغت السابعة عشر حصلت على عمل كمقدمة طعام في المشفى المحلي، وهناك التقت بزوجها المستقبلي الدكتور ويليام سي جود، الذي كان من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى. كان هذا الأخير مدمنا على الخمور ولا يستطيع الاستمرار بوظيفة، ولكن بسبب نقص الأطباء تم تعيينه في المشفى على مضض وقد كان يكبر روث بستة وعشرين عاماً.. ثم حصل على فرصة عمل كطبيب فأخذ زوجته وسافر ولكنه طرد لاحقا بسبب غيابه وإدمانه مما جعله غير قادر على الإنفاق على المنزل.. ناهيك عن غضبه الدائم.

إقرأ أيضا: ستايسي كاستور : أنثى العنكبوت القاتلة

ازداد الأمر سوءا حينما قررت روث أن تنجب طفلا وقد عرف زوجها بالأمر فأجبرها على الإجهاض لأنه لن يستطيع الإنفاق عليه.. مما جعلها تدخل في اكتئاب حاد حتى حملت للمرة الثانية، فأخذت أغراضها وهربت ولكنها أجهضت مجددا مما جعلها تجر نفسها وتعود مجددا إلى الدكتور ويليام.

وهذه المرة حاولت إصلاح زوجها بأن تحثه على ترك الإدمان والحصول على عمل ولكنها فشلت. حتى أنه قام ببيع سيارتها لشراء المخدرات مما جعله يصاب بانهيار عصبي.. فذهب هو إلى المصحة للعلاج وذهبت هي للعثور على وظيفة للإنفاق على نفسها وعليه.

الوظيفة

حصلت روث على وظيفتها الأولى كمربية أطفال لدى عائلة لي فورد الثرية. وهناك.. التقت بمحور الأحداث في قصتنا، وهو السيد جاك هالوران وهو رجل ثري للغاية يشاع عنه أنه وسيم ولديه حس دعابة وحب كبير للصيد. كما أنه يمتلك حصة كبيرة من مصنع أخشاب.. ويبلغ من العمر أربعة وأربعين عاماً.

كان معروفا عنه علاقاته النسائية المتعددة وأنه يحب إقامة الحفلات.. أو أن تتم دعوته إليها. كان جاك صديق لعائلة فورد ولكنه حالما لاحظ وجود روث أصبح يتردد عليهم بكثرة. وقد لاحظت عائلة فورد ذلك وأظهرت استيائها مما جعله يقنع روث أن تلتقي به خارجاً.

وقعت ويني روث جود إذن بحبه، وبدأت تقارن بين معاملته الجيدة لها والإساءة التي تلقتها خلال فترة زواجها من الدكتور ويليام. وهنا ارتفعت كفة الميزان لصالح جاك.. حتى أنه جعلها تترك العمل عند عائلة فورد الثرية وتحصل على وظيفة سكرتيرة في عيادة الدكتور غرونو الخاصة وهو صديق له.

وهناك.. تعرفت على اثنين من زميلاتها في العمل. الأولى هي غنيس آن ليروي وهي امرأة ذات شعر اسود وجسد ممتلئ.. مطلقة مرتين وتبلغ ٣٢ عاما أما الثانية فهي هيدفيغ سامويلسون(سامي) وهي شابة تبلغ من العمر ٢٤ عاماً كانت تعمل مدرسة حتى أصابها مرض السل الرئوي فذهبت إلى مصحة للشفاء وعندما خرجت لم تعد للتدريس.. وحصلت على وظيفة في العيادة. كانت سامي شابة جميلة ذات غمازتين في الوجه وتشارك آن ليروي السكن ودفع الإيجار.

إقرأ أيضا: قاتلة الآيس كريم: امرأة من ثلج

عندما توطدت العلاقات عرضت روث على الفتاتين أن تنتقل للعيش معهما ومشاركة الإيجار ووافقت الاثنتان. وعندما فعلت ذلك بدأ جاك هالوران في زيارتهم وجلب أصدقائه المتزوجين معه. كان الرجال يقدمون المال و الهدايا مقابل استضافة النساء لهم وتقديم المشروبات الكحولية ولعب البريدج. أما الفتيات فقد بدأت المشاكل بينهن.. فسامي وأن ليروي لايحببن فكرة تقاسم روث الهدايا والمال معهن. فقد بدت روث غريبة بالنسبة لهن.

أما روث.. فقد كانت تغار من اهتمام جاك هالوران بالفتاتين وخصوصاً سامي.. لأنها كانت جميلة وصغيرة بالسن وشخصيتها جذابة. لذلك كان هناك شجار دائم مما جعل روث تحزم حقائبها وتغادر. وفي تلك الفترة خرج زوج روث من المصحة فذهبت للعيش معه. وبقي جاك يتردد على سامي وآن ليروي.

وليت قصتنا تنتهي هنا.. ولكن هذا لن يحدث..

بعد خروج الدكتور ويليام من المصحة عاد لإدمان الكحول.. وقد حاولت زوجته أن تطلب من أصدقاء زوجها أن لايدعوه إلى الحفلات لكن لا حياة لمن تنادي فقد ترك وظيفته وأصبح يشرب بكثرة. وفي النهاية عثر على وظيفة بكاليفورنيا فذهب إلى هناك وترك زوجته خلفه وعادت هي إلى مستنقع جاك.

رحلة الصيد المشؤومة

في خريف عام ١٩٣١ قرر جاك أن ينطلق في رحلة للصيد. ولكن كانت هناك مشكلة صغيرة تقف في وجهه وهي أنه لا يعرف أي شيء عن المنطقة التي يريد أن يصطاد بها.. فاقترحت عليه ويني روث جود أن تعرفه بممرضة كانت تعمل معهم تعيش هناك تدعي لوسي مور، فوافق جاك.. وقد كانت لوسي تلك امرأة شقراء غاية في الجمال.

بعد أن التقى جاك بها في مقهى وكانت روث معه قرر جاك ولسوء الحظ أن يمر بسيارته ويلقي التحية على سامي وأن ليروي. وعندما شاهدت الفتاتان لوسي مور أصبحتا في غاية الغضب، ولكنهن حاولن إخفاء ذلك بابتسامة مصطنعة.

صدقتهن روث للاسف وظنت أنهن توقفن عن كرهها. لذلك عندما طلبن منها أن تأتي للعب البريدج في اليوم التالي وافقت على الفور. وقد كانت هناك سيدة أخرى موجودة معهم للعب البريدج ولكنها غادرت المكان باكراً.

عندما همت روث للمغادرة أقنعتها سامي وآن ليروي أن تبقى عندهما حتى الصباح لأن الوقت تأخر.. وأحضرت لها آن ليروي قميصاً للنوم ثم صنعتا أكوابا من الحليب الدافئ. ولم يكن الهدف من كل هذا الود شيء سوى استجوابها بشأن وجود الممرضة لوسي مور مع جاك.

قالت روث أنها من قام بتقديم لوسي لجاك. عندها قامت سامي وأن ليروي باتهام روث بأنها تعمدت أن تفعل ذلك لتنتقم من جاك هالوران ومنهما لأن الممرضة لوسي كانت تحوم حولها اشاعة غير مؤكدة أنها مصابة بمرض الزهري وهو مرض يشبه نقص المناعة المكتسبة في وقتنا الحالي.. ولكنها ردت بأن جاك غير مهتم بلوسي عاطفياً وأنه فقط يريد أن يعرف المنطقة التي سوف يصطاد بها.

آن ليروي أخبرتها أنها سوف تخبر جاك أنها تعمدت أن تعرفه على لوسي لتنقل له المرض وعندما وجدت المرأتان أن روث تجلس غير مبالية بما تقولان.. بدأتا في زيادة حدة الشجار.. وقالتا أنها ساقطة و سيخبران زوجها عن علاقتها بجاك.

إقرأ أيضا: كلمنتاين بارنابت: قاتلة سحر الفودو

هنا قررت روث أن ترد على تهديدهم بالمثل. وقالت أنها ستخبر كل من بالعيادة بأنهما مثليات وأنها غادرت شقتهم بسبب وجود علاقة بينهما وأن آن ليروي عندما كانت تتشاجر في العيادة قامت بتحطيم أحد معدات أشعه اكس باهظة الثمن. ويبدو أن كل طرف قرر أن يتوعد بتدمير الآخر مالياً واجتماعيا ومعنويا..

مشاجرة تنتهي بكارثة

في أثناء ذلك، نهضت روث لوضع كوب الحليب في حوض المطبخ. وعندما كانت واقفة هناك سمعت صوت أحد خلفها.. استدارت فوجدت سامي تقف خلفها وتمسك مسدسا تصوبه نحوها، فدفعتها للخلف وركضت لتمسك بالسكين. وهنا تصارعت الاثنتان.. روث كانت تحاول أن تنتزع منها السلاح وهي تلوح بالسكين، وسامي كانت تحاول أن تطلق النار عليها وفي هذه الأثناء نجحت الأخيرة في إطلاق النار على يد روث.

وكرد فعل على ذلك قامت روث بكل قوتها بطعن سامي بالسكين في إحدى كتفيها.. وقد ظنت أن الشجار انتهى ولكنها تفاجأت أن سامي تزحف باتجاه المسدس وأن ليروي التي كانت تأخذ موقف المتفرج طوال الشجار حاولت هي أيضا الوصول إليه.

وصلت كل من سامي وروث إلى المسدس معا، وبدأتا في محاولة شد السلاح من بعضهما البعض حتى ضغطت أحدهما على الزناد فأصابت الرصاصة صدر سامي وسقطت إلى الخلف.

وفي تلك الأثناء قامت آن ليروي بحمل طاولة كي الملابس وضرب روث على رأسها وهي تصرخ بهسيتريا في جثة سامي الهامدة: أطلقي النار عليها!!

أما روث التي كان رأسها ينزف فقد صرخت في وجه أن ليروي لتتوقف، ولكن دون فائدة.. فانتزعت السلاح من قبضة سامي الميتة وأطلقت النار على آن ليروي. وأخيرا وجدت نفسها محاطة بجثتين وتجلس وسط بركة من الدماء.

قامت ويني روث جود مفزوعة بارتداء ملابسها وركضت إلى بيتها، وعندما فتحت الباب وجدت جاك هالوران يجلس مخمورا في انتظارها فأخبرته بما حدث ولكنه لم يصدقها فأخذته إلى بيت سامي وآن ليروي ليشاهد الجثث وهي ترتجف من هول الصدمة وتريد أن تغادر تلك الشقة التي كانت قد تركتها للتو.. وقررت أنها ستذهب إلى الشرطة.

إقرأ أيضا: الطفلة الدموية: حكاية أصغر سفاحة في بريطانيا

وهنا تدخل جاك وحاول تهدئتها وقال إنه سيهتم بكل شيء. وبدأ الإثنان بتنظيف المنزل ولكنها لم تستطع أن تستمر في مسح الأرض من الدماء مما جعل جاك هالوران يقوم بالمهمة كلها وقام بأخذها إلى بيته وعاد هو ليكمل الباقي في منزل الضحايا.

وفي اليوم التالي، ذهبت روث الي العمل كي لا تثير الشكوك.. وفي المساء أخبرها جاك هالوران أن لديه خطة جيدة وهي أن تشحن الصندوقين إلى لوس أنجلوس.. لأنه إذا دفنت الجثث هنا قد يتم اكتشافها والتعرف عليهما وعندها ستحوم الشبهات حولهما. ولكن إذا أخذته بعيدا فلن يربط أحد بينهما وبين الجثث غير أن روث لديها أخ يدرس في الجامعة سيتزوج، ولن تثير الاهتمام بالسفر إلى هناك.

في البداية حاولت روث السفر بالسفينة، ولكن عمال الشحن رفضوا أن يحملوا الأمتعة بسبب وزنها الثقيل وتركوها ورحلوا مما جعلها تلجأ إلى القطار.. فقامت متحاملة على نفسها بجلب صندوق إضافي لتضع فيه إحدى الجثث لتخفيف ثقل الصندوق الآخر واتصلت بعمال الشحن..

عندما وصل القطار لوجهته لفتت حقائب روث أنظار مفتش البضائع جورج بروكر لأن الحقائب كانت تفوح منها رائحة كريهة وتنزل سوائل منها يحوم حولها الذباب.. مما جعله يظن أن روث مهربة لحم غزلان وذلك بسبب ندرته في السوق فطلبوا منها المفتاح فقالت أنها لا تملكه وأنه مع زوجها.

في ذلك الوقت كان شقيقها الذي أتى لاستقبالها يقف خلفها، فأخذته من يده وقالت أنها سوف تذهب لجلب المفتاح وغادرت ولم تنظر خلفها ولم تعد مجددا.

بعد مرور الكثير من الوقت قام المفتش بفتح أحد الصناديق، فوجد بعض الأقمشة في البدء، وعندما بدأ بتفريغه اصطدم بمجموعة من الأشلاء… فأصابه الهلع واتصل بالشرطة.. لتكتشف الأخيرة جثة أغنيس “آن” ليروي بالكامل في واحدة، وجثة هيدفيج “سامي” سامويلسون المقطعة في الأخرى.

طاردت الشرطة ويني روث جود لمدة عشرة أيام بعد أن قبضت على شقيقها الذي قال أنها اقترضت منه بعض المال ورحلت ولم تخبره عن وجهتها. وبعدها تم العثور عليها أخيرا في دار جنازات.. وقد بدت جائعة، مذعورة وخائفة.

محاكمة ويني روث جود

انتشرت صور لها في تلك الحال ونالت تعاطف الناس.. ولكن ليس تعاطف المحكمة. وقد أظهر التشريح أن الجثث تم تقطيعها باحترافية شديدة لاتستطيع روث بذراعها المصابة أن تقوم بها.

الادعاء كذب ويني روث جود، وقال أنها أطلقت النار على يديها وقتلت سامي وآن ليروي وهما يغطان في النوم. وبسبب أنه تم العبث بمسرح الجريمة لم يستطع محامي روث إثبات عكس ذلك وبدا أن محاولة إلقاء كل التهمة على روث فقط كانت بسبب نفوذ جاك هالوران، ومحاولة التغطية المستمرة عليه هو وكل الرجال ذوي النفوذ المتزوجين الذين كانوا يزورون الفتيات الثلاثة في شقتهم.

حصلت روث على حكم بالإعدام ثم تم تخفيف الحكم بعد أن حاول محاميها أن يجنبها إياه.. وذلك عن طريق ادعاء أنها مريضة عقليا، وقد نجح في ذلك.

تم تحويل روث إلى مشفى الأمراض العقلية في ولاية أريزونا، وهربت منه أكثر من ست مرات.. وظلت طليقة لست سنوات قبل أن يقبض عليها ثم يطلق سراحها بشروط منه سنة ١٩٧١ وتنتقل إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو حيث عاشت تحت الإسم المستعار ماريان لين. ولكنها عادت إلى فينيكس في أريزونا في معظم العقد الأخير من حياتها.. وماتت بهدوء سنة ١٩٩٨ في عمر الثالثة والتسعين.

أما جاك هالوران فقد اتهمته روث كمساعد لها في الجريمة، ولكن الأدلة كانت غير كافية.. لذلك لم يحاكم.. لكن تم طرده مصنع الأخشاب، ولم يتضرر كثيرا من الناحية المادية، لكنه اختفى عن الأضواء حتى مات.