طوائف و معتقدات

عالم البرزخ : أين تذهب أرواحنا بعد الموت ؟

بقلم : شهاب صبري – مصر
للتواصل : [email protected]

عالم البرزخ شيء غيبي لا يمكن الإطلاع عليه
عالم البرزخ شيء غيبي لا يمكن الإطلاع عليه

هذه الحياة التي نعيشها ليست حياة أبدية فلكل أجل كتاب، لابد من النهاية الحتمية مهما طال العمر، وهذه النهاية هي ( الموت ) الموت هو خروج الروح من الجسد كما نعرف، حيث يفقد الجسد قيمته بالكامل عند خروج الروح منه، بل ويفقد سلطانه وماله وكل ما شغله عن ذكر الله وكل شيء .. حرفيا كل شيء، حتى أسمه! نعم، سيقولون عند دفنه ” أين الأمانه “.. وليس أين فلان !، وبذلك لن يأخذ سوى عمله الصالح فقط، وبعد الدفن يتحول الجسد تدريجيا لرماد لم يعد له أي قيمة، أما بالنسبة للروح فتنتقل من الدنيا إلى عالم البرزخ وليس للجنة أو النار مباشرة كما يعتقد البعض ، وعلى سبيل المثال فتخيل أنك واقف أمام نهر وتريد العبور فحتما ولابد أن تمر من خلال النهر لأنه يعتبر حاجز بين الجانب الذي تقف فيه وبين الجانب الآخر، فإذا أردت أن تذهب للجانب الأخر فلابد من المرور بالحاجز أولا

سأحدثكم اليوم أعزائي القراء عن عالم البرزخ ( مرحلة ما بعد الموت )

مبدئيا كما ورد في الأحاديث أن الإنسان إذا مات ودفن يأتيه الملكين يسألانه: ما ربك ؟ .. ما دينك ؟ .. من رسولك ؟ .. فمن وفقه الله في الجواب كان في نعيم، ومن لم يوفق كان في عذاب ( عذاب القبر ) .. وفي الحقيقة عالم البرزخ شيء غيبي لا يمكن الإطلاع عليه وبالتالي لا مجال لإدراكه بالرأي أو بالعقل البشري وإنما يؤخذ من الكتاب والسنة

blank
البرزخ هو الحاجر بين شيئين

كلمة برزخ في اللغة تعني الحاجز بين الشيئين، أشار إليه العلماء بأنه مرحلة ما بعد الموت أي المرحلة التي بين الدنيا والأخره في إنتظار قيام الساعة والحساب الأعظم، وأطلق عليه العلم الحديث إسم ( العالم الأثيري ) حيث الفراغ الهائل في الكون! .. هناك فراغ داخل الأجسام الصلبة وداخل الذرة نفسها والأرواح تعيش حرة طليقة في الفراغ المهول في الكون بل وتستطيع إختراق الحوائط بكل بساطة. الأرواح تنتقل في عالم البرزخ بسرعة مهولة قدرها العلماء أنها تعادل 50 ضعف سرعة الضوء تقريبا، يعني إذا ضربنا سرعة الضوء أي ( 300,000 ) * 50 فالناتج هو 15 مليون كيلومتر في الثانية ( هذه سرعة الأرواح – والله أعلم – ) ويمكننا القول بأنه بُعد آخر غير الأبعاد التي نعرفها، فيمكن للروح أن تذهب أينما تشاء وقتما تشاء، لا وجود لقوانين الزمان والمكان والجاذبية فكل شيء متاح ..

– إذن كيف تكون الحياة في عالم البرزخ ؟ ..

الأرواح في عالم البرزخ تكون سعيدة أو حزينة وذلك لأنها تتنبأ بمكانها يوم القيامة – حسب أعمالها في الدنيا – والله سبحانه وتعالى يصف حياة الصالحين ويقول : (فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦوَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، والأرواح تعيش حرة في البرزخ بين السماء والأرض دون الأرتباط بالقبر والجسد. لكن المذهل أن قبل الإسلام كان بعض الناس يضعون في القبر الطعام والأنوار إعتقادا منهم أن روح الميت مرتبطة بالقبر وتسعدها هذه المظاهر! لكن الحقيقة أنه لا توجد صلة بين روح الميت والقبر

الأرواح تسمع كلام الأحياء وتتأثر بدعواتهم الصالحة وتزورهم أينما كانوا دون أن يراهم أو يلاحظون بوجودهم، ولعل الأعمال الصالحة هي التي تنفع الميت في عالم البرزخ أي العلم النافع .. الصدقة الجارية .. الولد الصالح .. غرز شجر مثمر .. وغيرها من الأعمال الصالحة التي ترفع درجات الميت عند الله تعالى ، وكذلك ما يفعله له الأحياء من دعاء وقراءة القرآن على روحه و رصد صدقة جارية له، وما إلى ذلك .. إذن فالبرزخ بشكل عام هو مكان بين السماء والأرض أو بين الدنيا والأخرة تتجمع فيه الأرواح لحين القيامة والحساب

blank
هل البرزخ مخيف ؟ .. وهل تختلط فيه الأرواح ؟

– لكن هل البرزخ مخيف ؟ .. وهل تختلط فيه الأرواح ؟ .. وهل هناك ثواب وعقاب ؟ .. وكيف يكون مستقرها ؟ ..

بناءا على ما ورد أن الأرواح في عالم البرزخ تكون مختلفة من حيث المراتب، حيث هناك أرواح في حواصل الطير تسرح في الجنة وأرواح في عليين أي المرتبة العليا وأرواح محبوسة عند باب الجنة وأرواح تبقى في الأرض وأرواح في نهر من الدم تلقى بالحجارة وأرواح عن يمين آدم وعن يساره وأرواح تحبس في القبر ( غالبا بسبب الدين ) وأرواح مقرها عند باب الجنة وأرواح في قناديل وأرواح تأوي تحت العرش وأرواح محبوسة في الأرض لا ترفع إلى الملأ الأعلى وأرواح محبوسة في تنور من نار يسبحون في نهر من الدم ..

وما نعرفه – والله أعلم – أن أرواح الأنبياء والشهداء يكونوا في أعلى المنازل على الإطلاق

أرواح الأنبياء: تكون في أعلى المنازل في الرفيق الأعلى كما قال الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم لحظة الإحتضار ( الرفيق الأعلى ) ويكونوا مختلفين من حيث المراتب أيضا

أرواح الشهداء: فهم أحياء عند ربهم يرزقون، كما قال الله سبحانه وتعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)

أما أرواح العصاه فالذي غفل عن الصلاة المفروضة يشدخ راسه بالصخرة، والزناة يعذبون في ثقب يشبه التنور فيه نار من تحته .. وما إلى ذلك من صنوف العذاب لكل معصية على حدة

لكن في الواقع ومن أجل الأمانة العلمية فمستقر الأرواح تعتبر من الأمور المختلف فيها

قال سليمان الفارسي: أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت وأرواح الكافرين في سجين ( النار )

قال الإمام أحمد: أرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكافرين في النار

قال مالك: الروح تذهب حيث شاءت

قال قائلون: أرواح المؤمنين عند الله في الجنة بشرط عدم وجود كبيرة من الكبائر أو دين يمنعهم

قال أبو عبد الله بن منده وطائفة من الصحابة والتابعين: أرواح المؤمنين عند الله

قالت طائفة: الأرواح على أفنية قبورها

قالت طائفة: هم بفناء الجنة على بابها يأتيهم من رزقها ونعيمها

قالت طائفة: أرواح المؤمنين ببئر زمزم وأرواح الكفار ببئر بهروت

قالت طائفة: أرواح المؤمنين على يمين سيدنا آدم وأرواح الكافرين على يساره

قالت طائفة: مستقر الأرواح حيث كانت قبل خلق أجسادهم

معظمنا يتفق على وجود مرحلة ما بعد الموت ( البرزخ ) والبعث واليوم الأخر والحساب الأعظم .. لكن بعض من الناس لا يؤمنون بذلك ، أي يعتقدون أنه بمجرد موت الإنسان وفناءه ينتهي كل شيء – حرفيا –

– إذن هل هناك أدلة قاطعة ومنطقية تدعم وجود مرحلة ما بعد الموت والبعث واليوم الأخر بعيدا عن الكتاب والسُنة والمصادر ؟؟ .. في الواقع نعم ، ركزوا معي

الدليل الأول: النوم ( الموت الأصغر )

blank
النوم شكل من اشكال الموت

كيف النوم دليل على البعث؟! .. كما تطرقت في أحد مقالاتي السابقة عن الأحلام والذي يعتبر لغز من ألغاز جسم الإنسان، هناك الكثير من النظريات لكنها ليست دقيقة. أقول والله أعلم أن من الأهداف الجميلة جدا عن النوم أن نرى البعث أو عالم البرزخ. عندما يستيقظ البعض منا من النوم يقول دعاء الإستيقاظ وهو ” الحمد لله الذي أحيــــانا بعدما أماتنا “.. كنا أموات وأحيانا الله، إذن كل يوم نرى البعث واليوم الأخر

بالإضافة إلى أن أحيانا يحلم البعض منا أنه يطير في السماء ويذهب أينما يشاء وقتما يشاء دون أي قوانين وكأنه في عالم البرزخ فعليا ..

الدليل الثاني: الروح ( سر الحياة )

مثلما نتفق جميعا أن بداية الإنسان كانت ( نطفة ) ليس فيها روح، ونهايته هي ( جثة ) أيضا ليس فيها روح، إذن ما الذي جعل الإنسان مميز ؟ .. سر الحياة أي الروح ، المسألة ليست في اللحم والعظام والعضلات والخلايا إنما السر الحقيقي في الروح، فالذي أعطاك الروح من العدم ومن ثم سيأخذها منك في يوم ما فهو قادر على أن يعطيها لك مرة أخرى، أين المشكلة في ذلك ؟ .. ما المشكلة من الإعادة ؟ .. هل المشكلة في اللحم والدم ؟ .. أبدا .. الإنسان كان نطفة ليس فيه لحم ولا أعضاء ، مجرد نطفة لا تختلف عن الرماد كثيرا ، إذن هناك سر الحياة أي الروح

وبما أن هناك روح ولكل شيء مستقر فالأرواح أيضا لها مستقر أطلق عليه إسم ( عالم البرزخ )

الدليل الثالث: دورة الحياة والموت

blank
الحياة والموت

جميعنا نرى الموت والحياة في كل عام – يعني نراه كل يوم في النوم وكل عام أيضا – في نهاية فصل الصيف أي في الخريف تيبس الأشجار وتقع أوراقها وتصبح أغصان يابسة ميتة وكذلك بعض الذهور والنباتات ( لدرجة أنني أشعر في بعض الأوقات أن بعض النباتات قد ماتت فعليا ويستحيل تذهر مرة أخرى!) لكن من ثم فصل الشتاء والربيع تبدأ الأشجار تُذهر والأغصان تخرج أوراق خضراء وتعود للحياة وكذلك بعض النباتات الأخرى .. كانت ميته ثم عادت للحياة .. فأي دليل بعد هذا ؟؟؟ ..

الدليل الرابع: العدل ( لكنه دليل نفسي ليس كالأدلة السابقة )

هناك جرائم مروعة ومحزنة بشدة مثل التي نقرأها في موقع كابوس، لا تستطيع أي محكمة على وجه الأرض أن تحكم فيها!، على سبيل المثال نجد قاتل قد قتل عشرات بل وربما مئات الأشخاص البرئية بغير حق، فلو أنك قاضي ما هو العقاب المناسب لهذا القاتل ؟ .. حتما ستجيب أن العقاب هو السجن المؤبد أو الإعدام، لكن هذا ليس عدل !! هو قتل مئات الأشخاص وعندما نحكم عليه بالإعدام فبذلك نكون قد قتلنا شخص واحد فقط فبالطبع هذا ليس عدل، إذن لااابـــد من أن تكون هناك محكمة إلاهية في الآخرة لتحكم بالعدل، لأن الله سبحانه وتعالى هو العدل المطلق، وإلا أصبحت حياتنا غابة بلا معنى

والله أعلمـ

***

في نهاية المقال تسمح لي أن أخبرك بشيء قد يبدو غريبا ؟ .. أعجب ما في الأمر ليس في حياتنا، ولا موتنا، ولا ما بعد موتنا .. العجيب حقا هو وجودنا من العدم ، قبل 100 سنة أين كنت ؟ .. وبعد 100 سنة أين ستكون ؟ .. في كل شيء له آية تدل على أنه لا إله إلا الله، لكن من يعقل ويتدبر ؟ .. وبالنسبة لعالم البرزخ والبعث فحتما ستراه وتعرف حقيقته يوما عزيزي القارئ ..

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)

– ياترى ما هو إعتقادك عن عالم البرزخ ؟ ..

– وهل تتفق أم تختلف على وجوده ؟ .. وإن كنت تختلف فلماذا وما الدليل المنطقي على ذلك ؟ ..

– وهل كان المقال مفيدا ؟ ..

ملاحظة :

هناك فرق بين عالم البرزخ وظاهرة البرزخ والأثنين ذكروا في القرآن الكريم

عالم البرزخ: هو المكان الذي بين الدنيا والأخره أي مرحلة ما بعد الموت حيث تمكث الأرواح فيه إلى يوم البعث، والذي تحدثت عنه في مقالنا اليوم، وذكره الحق تبارك وتعالى في القرآن الكريم حيث قال (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ)

أما ظاهرة البرزخ: فهي ظاهرة غنية عن التعريف طبعا، فالبرزخ هو ذاك الفاصل الذي يمنع إختلاط المياه العذبة مع المياه المالحة، وذكره الحق تبارك وتعالى في القرآن الكريم أيضا حيث قال (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ)، لكن لحظة ،لماذا لا تختلط المياه عند البرزخ ؟؟! هذا سيكون موضوع مقالي القادم إن شاء الله ..

مصادر :

– Solid objects are mostly empty space
– مستقر الأرواح بعد الموت رقم الفتوى: 401569 – إسلام ويب
– أين مكان روح الميّت بعد سؤال الملكين ؟ – الإسلام سؤال وجواب
– مواقع الكترونية عربية

تاريخ النشر : 2021-01-17

guest
125 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى