أدب الرعب والعام

ذكريات راندي

بقلم : Nawar.S

ذكريات راندي
الآن أنا جالس على الشرفة و كالعادة ممسكاً بيدي كوب قهوة

مرحباً أصدقائي .. هل أنتم في مزاج هادئ لتسمعوا قصتي التي حدثت معي منذ سنة مضت ؟ كان يوم أربعاء في تمام الساعة 6:06 صباحاً في تاريخ 6/ 6 / 2016

الآن أنا جالس على الشرفة و كالعادة ممسكاً بيدي كوب قهوة أراقب الناس وهم ذاهبون إلى أعمالهم بسعادة ، ولكن إذا نظرت إليهم جيداً فسوف ترى البؤس والجحيم الذين يملآن وجوههم ، و لكنهم يخفون مشاكلهم وهمومهم بابتسامة خفيفة تكاد تراها ..

أوه إنه السيد بيتر يمشي بسرعة باتجاه الشارع العام ويدعو الله ألا يكون قد تأخر على الباص لأنه إذا تأخر سوف يضطر لركوب سيارة أجرة ، وهذا سوف يكلفه الكثير من المال .
وها هو السيد ويلسون كعادته يتفحص سيارته إن كانت مازالت سليمة ، هي ليست سيارته بالحقيقة و لكن كل يوم يستأجر سيارة ويذهب بها إلى وظيفته وينفق راتبه كله على ملابسه والعطورات وكل هذا للفت الانتباه لا أكثر ، إن شخصيته نرجسية على ما أعتقد ، وعندما ينفق راتبه يبدأ باستلاف المال من هنا وهناك ، وخاصة من العم بيبرس صاحب الكشك المجاور ، ها هو يلقي تحية على ويلسون ويذكره بالنقود ويذهب لفتح كشكه .. 
غريب لمَ لم تذهب السيدة أماندا إلى وظيفتها بعد ؟ ربما مريضة .

آه عفواً نسيت .. لقد تحدثت عن جيراني كثيراً ولم أعرفكم عن نفسي .. أدعى راندي وعمري 26 ، ليس لدي وظيفة ، لقد توفي والداي وتركا لي ثروة لا بأس بها ولكني انفقتها كلها على المشروبات والسجائر ، أعدم معدتي بالقهوة كل يوم ، ودائم السهر ، ليس لدي علاقات اجتماعية ، من يحتاج لهؤلاء البشر المنافقين الذين يضعون أقنعة على وجوههم ! أفضل البقاء داخل منزلي .

أذكر عندما كنت صغير كنت أخاف الأشباح ، وكثيراً من المرات أجبرت أمي على البقاء معي حتى أنام بسلام ، و حتى يكسر لي أبي تلك العادة غادرا المنرل بالمساء وتركاني بمفردي ، كنت نائماً آنذاك .. 
عندما استيقظت لم أجدهما ، كاد قلبي أن يقتلع من مكانه ، هرولت إلى الطابق السفلي وأقفلت الباب ، ومن دون سابق إنذار انقطع التيار .. انتابني الرجفان الشديد و ذهبت بسرعة وأحضرت كيساً من الشموع ، أشعلت كل ما بداخله وبدأت الغرفة تتوهج ، وما إن بدأت حالتي بالتحسن حتى لاحظت الستارة تحترق ، لم أستطع إطفاءها ، كنت أخاف أن أذهب إلى المطبخ لأجلب الماء ، وبدأت النار بالتوسع تلتهم ولا تشبع وأنا عاجز عن فعل شيء أراقبها ..

حاولت أن أخرج من الباب لكن لم يفتح ، بدأت بالصراخ أملاً أن يسمع الجيران صراخي ، وبالفعل أتى صديق أبي تيد وكسر الباب وأنقذني وأطفأ النار ، لقد كان مغمى علي ، وعندما عاد والداي فوجئا بالمصيبة فصفعني أبي بيده الكبيرة على وجهي ، كاد أن يقتلع رأسي الصغير وقال أنت أحمق ، كدت أن تموت وتحرق المنزل .

في الواقع لم أكن أعرف إن كان أبي غاضب لأني كدت أموت أم لأني أحرقت بعضاً من الممتلكات القيمة ! فقلت له بصوت يكاد أن يسمع : 
– أنا آسف و لكني أخاف الأشباح ..
فنظر لي نظرة غاضبة وقال :
– اسمع جيداً ، لا تخف من شيء يدعى أشباح ، بل خف من شيء يدعى إنسان .. كل الشر والخبث والحقد موجود في قلبه ، إن تلك المخلوقات الهشة التي تخشاها أحياناً تقف عاجزة مصدومة من شناعة ما يفعله البشري .

بالفعل هذا الكلام جعلني أتغلب على خوفي من الأشباح ، ولكن ولد عندي خوف جديد وهو الخوف من الناس ، أصبحت منطوياً حذراً من كل العلاقات المحيطة بي .
حسناً .. أنا آسف حقاً ، كنت أريد أن أخبركم قصتي التي حصلت معي ولكن أنا ثرثار بطبيعتي ، لا أتكلم مع الناس فأعوض هذا بالكتابة .

حسناً سوف أشعل سيجارتي وأتكلم عنها .. احم احم تباً هذا النوع سيئ من السجائر ، يجب أن أغيره .. أذكر موقفاً قد حصل معي كلما أذكره ينتابني الخوف ثم يأتي خلفه شعور السعادة .

ذات مرة نفدت علبة السجائر لدي ولم يكن لدي المال فنزلت إلى المتجر أملاً من أن يقرضني صاحب المتجر علبة سجائر وأدفع ثمنها لاحقاً ، وأنا في طريقي قابلت صديقاً لي من أيام الطفولة يدعى كيفن ومعه شخصان ربما أصدقائه ، كيفن كان وغد يسخر مني والكل يعجبه هذا ، لا اعلم لمَ ! ولقد كان يجبرني على كتابة وظائفه ويأخذ طعامي و يتنمر علي ويضربني ، الحقيقة كنت محط سخرية لأصدقائي والجميع كان يتنمر علي لهذا السبب أكره المدرسة وذكرياتها ونار الحقد والانتقام مازالت في قلبي عالقة .

نظر إلي وقال :
– أوه انظروا إنه راندي .. الفتاة التي لا تخرج من المنزل .
وضحكات رفاقه تطن في اذني ، حاولت أن أستجمع قوتي وأظهر له أنني لم أعد أخاف منه ، ولكني للأسف قلت بتلعثم وخوف :
– ابتعد عني يا كيفن ، ما الذي تريده مني ؟ أنا لم أعد أخاف منك ، ذكريات الطفولة قد ولت .

ولكن للأسف محاولة اظهار الصوت القوي الأجش باءت بالفشل
فقال :
– حقاً ! إذاً لماذا تتلعثم بالحديث معي ؟ أجبني ، هل أكل الهر لسانك ؟ 
ورمى عليّ الصودا التي كان يشربها وبدأ بالضحك هو ورفاقه والتكلم بسخرية عني ولا يسكت أبداً ، وأنا واقف مصدوم ولكن لقد مضى كل هذا الوقت ومازال الأمر يتكرر الآن ، وبدأت أرجع بذكرياتي إلى الوراء ، أعيد طفولتي البائسة
وأنا أضع يداي على أذناي وأقول .. كفى كفى ، لقد دخلت بحالة من الاضطراب ، نظرت إلى المتجر الذي أقف أمامه ، كان متجراً للخرداوات فأمسكت مفك براغي طويل وبدأت بغرزه وأقول : 

– لم أعد أخافك يا أحمق ..

ثم انتقلت على رفاقه اللعينين أمثاله فنظرت إلى صاحب الخرداوات رأيته يتصل بالشرطة فأسرعت وقتلته أيضاً ، أصبحت مجرماً ! آه ليتني لو لم أنزل لأشتري علبة السجائر اللعينة ، ثم لم تمر ثواني حتى بدأ الناس بالتجمع حول مسرح الجريمة وأنا عالق بداخل المتجر ، وفي تلك اللحظة أتت الشرطة أيضاً وأنا أبكي وأقول :

– لم اكن أقصد ، هم السبب هم السبب ..

نظرت إلى أحد حيطان المتجر لأجد في أسفله سرداباً ، لقد كان هذا مخرجي الوحيد ، استخدمت بسرعة أداة الجريمة مفك البراغي وفتحت الغطاء ونزلت إلى الأسفل لأتفاجأ بمياه ممزوجة بدماءٍ وجثث ، فأغلقت عيناي وبدأت بالصراخ ثم فتحتهم لأجد نفسي على الرصيف ملقى على الأرض ، وصاحب الخرداوات يسكب على وجهي الماء ويقول لي استيقظ ..  قلت له ماذا حدث ؟ قال لقد كنت تمشي ثم أغمي عليك فجأة .

قلت له شكراً ثم نهضت من على الأرض وبدأت بإبعاد الغبار والأوساخ عن ثيابي وأنا أشكر الله بأني لم ألتقي كيفن ، كان مجرد حلم   ولكن هذا الحلم كان فعلاً غريب ، وما إن تحركت خطوتين حتى وجدت كيفن قادم مع نفس الأشخاص الذين رأيتهم بالحلم ، انتابني الذعر ، ترى هل رأيت ما سيحدث في الواقع ؟!

فدخلت بسرعة إلى صاحب متجر الخرداوات وبدأت أفتح معه نقاش و أضيع الوقت حتى يمر كيفن ورفاقه ، وأنا أكلمه نظرت إلى أسفل الجدار بالفعل وجدت نفس السرداب ، فقلت له :
– ما هذا ؟
فقال :
– لا شيء ، إنه مجرد سرداب قديم مغلق لا تأبه بأمره .
ولكن انتابني شعور غريب حيال الأمر ، هل يا ترى حقاً بداخل السرداب جثث وضحايا مثل ما رأيت في الحلم ؟ ترى هل هذا الشخص سفاح خطير ؟ إنه مجرد حلم ، ولكن بسبب خيالي الخصب والتفكير الدائم بهذا السرداب وفضولي في المساء تسللت إلى متجره واستطعت الدخول ، واتجهت نحو السرداب وفتحته بصعوبة لتهب منه روائح عفنة ، تنفست الصعداء وتشجعت ونزلت إلى الأسفل لأتفاجأ وأرتجف من هول ما رأيت ..

نعم إنه نفس الحلم .. بادرت بالخروج وأنا على وشك التقيؤ ولم أنم طول الليل وأنا خائف ومصدوم ، وفي الصباح اتصلت بالشرطة لتأتي وتفتش وتعتقل الرجل ، لقد كان سفاحاً خطيراً هارباً من قبضة العدالة ، يستدرج الناس ويسرق ما يملكون من نقود وبعدها يقطع جثثهم ، وفي الصباح يأتي إلى المتجر بكيس أسود ويرمي الجثث بداخل السرداب .

ومن بعد تلك الحادثة أصبحت بطلاً بنظر أهل الحي وأطفالهم الذين كانوا يسخرون مني ، أصبحت قدوتهم ، وأخذت مبلغاً من النقود مكافأةً لا بأس بها ، ولكن مثل كل مرة أنفقتها ..

تباً لي .. كنت أريد التحدث معكم عن قصتي ولكن اللعنة لقد نسيتها ، ما أذكره منها أنها حدثت منذ سنة مضت ، أنا مشوش أصبحت أنسى كثيراً هذه الأيام ، عندما أذكرها أعدكم بأنني سأتحدث عنها .. أوه القهوة ، لقد نسيتها ، اللعنة لقد فارت .
 

تاريخ النشر : 2017-05-09

guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى