أدب الرعب والعام

طيف .. لي من اسمي نصيب

بقلم : مريم – مصر
للتواصل : [email protected]

طيف .. لي من اسمي نصيب
صعدت إلى غرفتي مع آمنة وفي قلبي قلق وهاجس مخيف

أنا طيف .. فتاة من بين ملايين الفتيات.. لكنني كنت أختلف عن بعضهن بفروقات مؤلمة .. فقد ولدت بين مجتمع جاهل بدائي لا يعرف مكانة للمرأة ولا حقوقاً ، ولا يعرف سوى الواجبات .
عشت بينهم إلى هذه اللحظة 17 عاماً .. عذراً ليس إلى هذه اللحظة بالفعل .. فأنا الآن غير متواجدة بينهم .. لا ليس كما تظن فأنا لم أقم بالهرب أو الانتحار أو فعل أي من تلك الحماقات التي تسمعها في القصص الدرامية والأفلام الحزينة .. أظن بأنك متشوق لمعرفة قصتي !

**

كما أخبرتك من قبل لقد كنت أعيش في مجتمع يمجد الرجل ويزيده فوق حقوقه ، بينما يجعل المرأة كسلعة تباع وتشترى ، كنت فتاة بين أم وأب وشقيقين وأخت واحدة .. في هذا المجتمع القاسي والغريب كنت بوصفي فتاة لا أجد سوى الإهانة والصراخ والضرب والأوامر ! فنحن الفتيات في تلك القرية إن لم نتزوج قبل الثلاثين فإن مصيرنا يكون الموت دفناً تحت التراب.. أرى ملامح الاستغراب تكسو وجهك .. لعلمك فقد كان شيئاً طبيعياً في القرية .

حتى المطلقة فإن مصيرها لا يختلف كثيراً عن الفتاة التي فاتها قطار الزواج البائس .. وهذا وللأسف ما حدث لأختي الكبرى جميلة عندما نشأت الخلافات بينها وبين زوجها لمحاولتها أخذ بعض المال منه لشراء حاجيات المنزل بنفسها ، لكن زوجها عندما علم بذلك استشاط غضباً وظن بأنه سيفرض سيطرته عليها بضربه لها ، لكن أختي لم ترض بهذه الإهانة فتمردت عليه (بحسب قوله) وقابلت إساءته بإساءة مثلها ، فقرر زوجها أن يطلقها ، فهو على حسب قوله لا يستطيع العيش مع امرأة سليطة لا تحترم زوجها .. في ذلك اليوم عادت أختي إلى المنزل حزينة ، وأخبرت والدتي بشأن طلاقها ، لم تنطق أمي بكلمة أو تحادثها ذلك اليوم وكأنما كانت تعلم ذلك .

نمت ذلك اليوم وأنا غير مكترثة بعض الشيء سوى من بعض الحزن النابع من رؤيتي لدموع أختي الحزينة .. لكنني لم أعلم أنني سأستيقظ في الصباح لأكتشف أن أختي لم يعد لها وجود في حياتي .

**

في إحدى الأيام وعندما كنت في الخامسة عشر من عمري ، تعرفت على فتاة تكبرني بـ 3 سنوات ، عندما جاءت والدتها لزيارة والدتي وكانت تلك الفتاة معها وتدعى آمنة ، كانت أمي ووالدة آمنة يجلسان في الصالة ويبدو أنهما على معرفة ببعضهما جيداً ، أعطيت إشارة لأمي بأني سأصعد للأعلى مع آمنة حتى لا نزعجهما ..
تعرفت على آمنة وأصبحت صداقتي معها قوية ومتينة الرابط ، وفي أحد الأيام التي زارتنا فيها آمنة ووالدتها قمت بمصارحتها عما في داخلي فسألتها إن كانت متقبلة حقاً للعيش في هذه القرية التي تستغل فيها المرأة بشكل واضح وتعامل على أنها بهيمة لا كأنها بشرية لها حقوقها وواجباتها .. لأتفاجأ بأن آمنة حقاً لديها نفس وجهة نظري وأفكاري ، وعندما علمت ما يدور في خلدي صارحتني بما في داخلها من مشاعر مكبوتة تخشى أن يعلم بها المجتمع .. 

في ذلك اليوم قررنا نحن الاثنتان أننا سنتمرد على هذا المجتمع وسنجمع الفتيات اللواتي يعانين الظلم والاضطهاد لنخرج في ساحة القرية ونعلن معارضتنا للأسلوب الذي نعامل به نحن الفتيات … كان قراراً طائشاً حقاً .

**

مرت الكثير من الشهور وأنا أرى أمي تدخل إلى غرفتي وتخرج دون أن تتحدث معي أو تنظر إلي .. حتى والدي كان بنفس تصرفاتها ، وزيارة أم آمنة قد انقطعت مدة طويلة للغاية ، لكنها ما لبثت أن جاءت في ذلك اليوم ومعها آمنة كالعادة لكنني رأيت حينها ابتسامة غريبة تعلو وجه آمنة .. بدون شعور مني توجهت إلى آمنة وضممتها بقوة وأنا في غاية السعادة ، سألتها عن أحوالها ، وقبل أن أصعد للأعلى لاحظت شيئاً غريباً ، فحتى والدة آمنة لا تتحدث معها مطلقاً .. 

صعدت إلى غرفتي مع آمنة وفي قلبي قلق وهاجس مخيف .. وعندما دخلت وأغلقت الباب بادرت بسؤال آمنة بانفعال وخوف :
ـ آمنة بالله عليك ما الذي يحدث ؟ لماذا لا تتحدث والدتك معك وكأنه لا وجود لك ، حتى والدتي وأسرتي بالكامل فلا أحد منهم يتحدث معي أو يناديني حتى .. هناك الكثير من الأشياء تحدث حولي أشعر بأني سأجن .

ضحكت آمنة بانفعال عصبي .. ثم هدأت قليلاً وقالت بطريقة غامضة ومخيفة في الوقت ذاته :
ـ طيف ماذا ألم بك ؟ هل نسيتي ! عندما وضعت أنا وأنت خطتنا الغبية للتمرد ، حينها كانت والدتي ووالدتك بجوار الباب ينصتون إلى حديثنا بالكامل وقد علمتا بكل حرف مما نخطط له ، وحينها استغاثتا برجال القرية مولولتان و قد ملأتا الدنيا صراخاً .. هل نسيتي عندما سُحِبنا من المنزل جراً حيث كانت خشبة الحرق تنتظرنا .. هل تذكرين كلماتهم اللعينة وهي تخرج من أفواههم تهديداً لكل من تسول لها نفسه بالتمرد على مجتمعها .

نظرت إلى آمنة وأنا أضحك ضحكات مكتومة وقلت وأنا أتمتم :
ـ حان الوقت لحرق هذه القرية البغيضة بمن فيها .

***

إلى من قرأ قصتي الشخصية ومذكراتي الخاصة بما فيهما من آلام .. أخشى أنه بعد معرفتك لسري الصغير ، أنك ستلاقي مصيراً يشبه مصيري .. انتظرني فحسب .

انتهت
 

تاريخ النشر : 2018-01-01

مريم

مصر
guest
37 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى