أدب الرعب والعام

غُـربـة قـمـر

بقلم : وفاء سليمان – الجزائر

غُـربـة قـمـر
كانت عينا العجوز الزرقاوين تتطلعان غارقتين في التيه والضياع

 – كلي ، ليته سم.

وأخذتِ المرأة تحشو فم العجوز المستلقية على فراشها بالأكل و هي تدمدم بين أسنانها:

– ليأخذكِ الله يا عجوز السوء ، لماذا لا تموتين و تريحيننا ، إن وجودك كعدمه ، ألا تكفي حالة العوز التي نعيشها ؟ إني أطعم أربعة أفواه جائعة ، أليس من الحكمة أن تتركي الحياة لتخففي عنا ، لقد أخذتِ نصيبك منها ، آن الوقت لتتقاعدي ، أنتِ عاجزة ، مجرد عالة ، لماذا تتشبثين بها بالله عليكِ ؟.

و استمرت تطعم الميتة الحية بعنف وهي ترغي وتزبد و تكيل سيلاً من السباب والشتائم لها و للحياة ، و تلعن شقاءها وحظها العاثر واليوم الذي ارتضت أن تتزوج فيه فقيراً بائساً سرعان ما مات و تركها لتعيل أيتاماً وعجوزاً عاجزة ، و تكابد الأهوال بمفردها.

في تلك الأثناء كانت عينا العجوز الزرقاوين تتطلعان إلى المصباح في سقف الغرفة ، غارقتين في حالة من التيه والضياع ، وفمها يتحرك ببطء تتصارع فيه بقايا أسنانها مع حبات الأرز المسلوق القاسية ، لكنها و بالرغم من نحولها والتصاق جلدها على عظمها ، غير أن بشرتها البيضاء المشوبة بالحمرة وخصلات شعرها الفضية الحريرية المسترسلة من تحت غطاء رأسها الأبيض يشيان بأنها كانت امرأة على قدر من الجمال.

في زاوية أخرى للغرفة المتهالكة التي تآكلت جدرانها واسودت بفعل الرطوبة استلقى ثلاثة أطفال متلاصقين ببعضهم على مفارش بالية  منكمشين على أنفسهم  يحاولون درء قرصات البرد اللاّذعة بحرارة أجسادهم الشبه عارية ، يتملكهم خوف شديد من أن يصبحوا هدف والدتهم التالي ، ولكن النعاس سرعان ما أخذهم فغرقوا في أحلامهم ، أطفأت المرأة مصباح الغرفة ثم آوت إلى فراشها بعد أن أفرغت عن قلبها هموماً وأحقاداً ما تلبثُ أن تُشحن مع طلوع فجر اليوم الموالي.

من الشقّ الذي تحت باب الغرفة انساب خيط رفيع من الضوء اخترق به ظلمتها الداكنة ، مم ميّز لمعان عينانِ زرقاوين تحركت صاحبتهما قليلاً كي تستطيع أن تُدخل يدها المرتعشة داخل حشوة وسادتها المهترئة ، وتجذب كيساً صغيراً من الكتان الرث ، قربته من أنفها وتشممت عبق رائحته ثم تحسسته بأناملها الرفيعة ، كما هي عادتها كل ليلة ، بعدها وضعته على موضع قلبها الذي كان يؤلمها أشد الألم ، فانفجرت من عينيها ينابيع حارة من الدموع و راحت تنشجُ نشيجاً صامتاً وطويلاً ، أدارت جسمها بصعوبة لتستلقي على جانبها الآخر، أبصرت القمر بدراً مكتملا بهالته الفضية يطل من زجاج النافذة الصغيرة ، فمدت يدها المهزوزة في الفراغ و كأنها تحاول أن يمسك بها ليحتضنها بدفئه ، لكن قبضتها لم تتلقف سوى الهواء ، سكنت للحظات و ظلت تحدق فيها إليه ، و تهمهم بكلمات مبهمة تناجيه منفرداً بخباياها ، من يبصرها بحالها تلك سيخال أن بها شيئاً من الجنون ، ولن يعلم أنها تنام داخل جرح وحدها تعرف آلامه ، وأن بقلبها العليل تتلاطم أمواج هائلة من الشقاء غرقت في قاعِ بحرها منذ عقود مضت.

* * *

-1-

بسذاجة صبية لم تتخطى الثانية عشرة من العمر ، لبيتُ دعوة والدي لي بمشاركته جلسة السمر التي يتشاركها أغلب الأحيان مع رفيقه أبا عدنان داخل الحجرة المحرّمة التي لا تطأها قدم مخلوق إلا بإذنه ، كنتُ واحدة من ضمن أربع أخوات وأخاً صغيراً لم يبلغ الحلم بعد ، لذا اعتبرت دعوته تشريفاً وتمييزاً لي عنهن بصفتي الأصغر بينهن.

منزلنا دار متواضعة كباقي دور القرية ، تقع في الريف النائي البعيد عن المدينة المتحضرة ، تلك البقعة العظيمة المنشطرة عن الجنّة ، هكذا روي لي وقتها مع المئات من القصص والعجائب الأخرى ، كان أبي فلاحاً بسيطاً ينتفع طيلة العام بمردوده المتواضع من الأرض الصغيرة التي كان يفلحها و يضمن به لقمتنا و كساءنا ، وذلك يعد قمة الترف بالنسبةِ لفلاح.

كانت جارتنا أم عدنان تأتي لأمي كل فترة بقطع من القماش الملون المزركش ، و بعضاً من أدوات الزينة اللّماعة والمرايا المصقولة التي تدهشنا و تذهب بأبصارنا ، فتحضها على ابتياعها قائلة بلهجة العارفة:

– إنها بركةٌ يا نورة ، أحضرها أخي صادق من المدينة ،احتفظي بها ستحتاجينها مستقبلاً ، لديكِ أربعة يا نورة ، أربعة !، إنها مصيبة ، تعلمين أن همّ البنات للممات ، و لن تطمئني عليهن حتى يجدن أبن الحلال الذي يسترهن ، لذا يجب أن تفكري منذ الآن بجهاز مشرف يليق بهن ، ويرفع من قدرهنّ أمام أزواجهن.

ثم تضيف:

زوجت اثنتين من بناتي وجهزتهما بجهاز كهذا ، وهما تنعمان الآن بعيشة هانئة ، اشتري مستقبل بناتكِ ببضعة قروش يا نورة، فلن تكلفك شيئاً.

وهكذا ترضخ أمي تحت وطأة (همّ البنات) وتدخل إلى غرفتها ثم تخرج وتمدها بالقروش التي إذخرتها غفلةً عن والدي.

و لم أكن أعتقد يوما أنني سأكون أولى الظّافرات بـ(متاع الجنّة) ذاك ، ففي تلك الليلة البائسة التي جدلت لي فيها والدتي وهي تكفكف دموعها شعري الأسود الناعم تحت أنظار أخواتي ، وألبستني ثوباً جديداً ثم أرسلتني للغرفة المحرمة التي تصاعدت منها روائح غريبة مصدرها سجائر و قوارير يُمسك بها والدي وصديقه المنتشيان بفرحة لم آلفها على وجه والدي الدائم العبوس ، في تلك الليلة أدركت أنني سأُزف قريباً إلى العم أبي عدنان زوجة ثانية بعمر أحفاده وضُرّة للعمة أم عدنان !.

* * *

رفضت ، امتنعت ، صرخت و بكيت ، ولم تنفع دموعي وتوسلاتي شيئاً أمام جبروت والدي الذي أقسم على أمي باغلظ الأيمان إن هي لم تخضعني فستوصم بعار الطلاق ما بقي من حياتها.

و جاء يوم النحر حين حضر الشيخ ونفر من رجال القرية إلى دارنا ، و جلجل صوت والدي يطلب الموافقة ليسمعها للشيخ ، كنت على وشك الإغماء لولا أن هزتني والدتي هزاً عنيفاً ، بلسان يلهج حاله بالدعاء علي ، ودموع تتساقط شلالات من عينيها الفزعتين وبكلمة “موافقة” التي نطقتها غصباً وقسراً انسقت كذبيحة لبيت أبي عدنان بعد أيام معدودات ، سَفح دمي واستباح جسدي و لوّث طُهري  و دمغ وشم الحقد بقلبي.

* * *

انفردت بنفسي واعتزلت جميع أهلِ البيت ، و رحت أقضي نهاري بالنوم الذي حرّمه عليّ أبو عدنان ليلاً ، إما بسبب نزواته القذرة كقذارة وجهه القبيح ، وإما بسبب شخيره العالي الشبيه بصوت خوار البقر في قريتنا ، ولم أكن أجد بعض الراحة إلا في الساعة التي تسبق آذان الفجر ، فأنسحب بهدوء إلى غرفة النظافة كما تسميها العمة أم عدنان ، وأسكب على رأسي وبدني سطلاً من الماء البارد ، يُشعرني ولو مؤقتاً أني تطهرت من دنسه.

لم أكن على علاقة ودية مع العمة أم عدنان و بناتها ، كنتُ أرى نظرات الكراهية والعداء بأعينهن ، وكأني اقترفت جرماً وارتكبت إثماً و قدمت راضيةً قانعةً لأشاركهم جسد وجيب هرم ، يُعد بغل حقلنا العجوز أكثر حيوية منه ، كما لم تكن نفسي قد طابت تجاه عائلتي فقطعت وصالهم وتجنبت لقاء أمي أثناء زياراتها القصيرة لي التي تنتهي حالَما أمتنع عن رؤيتها ، فأراها من نافذة حجرتي الصغيرة محنية رأسها تجر أذيال الخيبة ، ولم يكن لقلبي الصغير الذي صار حجراً أن يلين تجاهها ، فكل عواطفي ومشاعري استفرغتها في لحظات الغثيان التي تمر عليّ أثناء وجودي فريسةً بين أنياب أبي عدنان.

كان زادي يومياً بضع لقيمات أسد بها رمقي وأصلب بها طولي ، وأوازن بها تفكيري علّه يتفتق عن حيلة ما تخلصني من غُراب البين ، و مع مرور الأشهر الأولى لمصيبتي و توالي الأيام الثقال على صدري صرت أفقد شهيتي للطعام فأعرضت عنه ، و اكتفيت ببعض الثمار الحامضة.

زاد شحوبي و نحولي ، غارت عيناي وبانت عظامي ، فاستغرب أبو عدنان تلك التغييرات التي طرأت علي وأزعجته ، كان سيرسل في طلب داية القرية ، لكن أم عدنان و بملامح ماكرة أقنعته أن الأمر لا يعدو كونه ضعفاً ناتجاً عن قلة أكلي ، وأنها من ستتكفل بالأمر.

جاءتني و رشقتني بنظرات تشوبها الشكوك وسألت:

-هل غابت عنكِ يا قمر ؟.

فهمتُ مقصدها فأومأت إيجاباً.

ردت ببرود:

– من الجائز أن تكوني حبلى.

وقع الخبر على نفسي كالصاعقة ، فلم أجدني إلا وأنا أرتمي عليها راجية إياها أن تساعدني.

– لا أريد ، لا أريده يا عمة ، إني أكره أن أحمل شيئاً منه في أحشائي ، وجوده سيعلقني بوالده للأبد.

لأول مرة منذ شاركتها زوجها و بيتها أرى الرأفة بعيني أم عدنان ، فمسحت على رأسي بحنو وهي تقول :

– ما تقولينه لا يجوز شرعاً يا أبنتي.

– و هل يجوز ما أنا فيه ؟ ، إن لم أتخلص منه أقسم أن أقتل نفسي ، إني لا أطيق جسدي فكيف لي أن أحتمل قطعة منه ترافقني طيلة حياتي ؟.

– هل تكرهينه لهذه الدرجة ؟.

– و لو وجدت سماً لقتلته.

-سأحضر لكِ بعض الزاد لتأكلي ، و بعدها سنفكر بحل ما.

 

في دُجى الليل البهيم ، تسللت العمة لمخدعي ، إذ أن سيئ الذكر لم يكن قد عاد بعد من إحدى سهراته الماجنة ، دست في يدي شيئاً ملفوفاً بخرقة سوداء وهمست لي قبل أن يتلاشى ظلّها:

-انقعيها في الماء المغلي واشربيه.

* * *

فوق عربة قديمة تجرها بهيمتان جلست ، تملئني سعادة غامرة بالخلاص ، كانت صفوف الأشجار الخضراء المثمرة و المتراصة على جانبي الطريق تضفي على الجو صفاءً ونقاءً ، رحت أستنشق الهواء النقي ملء أنفاسي ، أرقب السماء الصافية وأرهف السمع لألحان الطبيعة الشجية المتناغمة بين تغريد العصافير وحفيف أوراق الشجر.

في غمرة النشوة التي كانت تعتريني ، زادت سرعة العربة بطريقة مجنونة ، فراحت أركانها المتداعية تهتز و تتطاوح على طريق صخري وعر ، أظلمت السماء واختفت الأشجار ، وعلى صوت نعيق الغربان و دغدغت أنفي رائحة عفنة ، دب الرعب في نفسي وشعرتُ بثقل أسفل ثوبي ، نقلتُ بصري إليه فإذا به مخضب بالدماء ، انفلتت مني صرخات مكتومة ، صرخت وصرخت دون جدوى ، كنت لا أسمع صوتي ، و لم تمر لحظات إلا وهوت العربة في قاع منحدر عميق.

و بعدها أطبقت العتمة.

– قمر ، قمر.

فتحتُ عيناي الثقيلتان ببطء ، فأبصرتُ عيني أمي الدامعتين.

– هل أنتِ بخير يا عزيزتي ؟ ، كدت أموت قلقاً عليكِ.

جبت بنظري من حولي ، كانت أم عدنان والدّاية جالستان بقربي ، و كان هو واقفاً على مسافة مني ينظر إلي بعينان تقدحان شرراً.

* * *

ألمّ بي بعد تلكَ الليلة بؤس ما بعده بؤس ، فبعد أن وعي أبو عدنان أنني لن أرضخ له ما دام يعلو في صدري النفس ، و لن ينال مني ولداً يترقبه ليحيل أسم عدنان إلى واقع و لو أحضر لي نجوم السماء بين يديه ، صار يترصد حركاتي ليل نهاراً آملاً أن يلتقط لي زلة أو عثرة ، وساعتها ينقض عليّ كما تنقض الأسود على فرائسها ، فتنهش لحمها وتحيلها عظاماً رميماً ، وهكذا كان يفعل ، لا يقوم من فوقي إلا وقد أدمى جسمي وأزرقَ جلدي وألقى الهوان في نفسي ، وكان كل ما أشتد وقع ضرباته نمت شجرة أحقادي تجاهه أكثر فأكثر ، وأيقنتُ أني عازمة على ما نويت ولو كلفني أنفاسي.

لم أشي بضرتي ، وما كنت لأفعلها وهي التي مدت يد العون لي ، و بغض النظر عن مآربها ، تقربت منها وصرت أبادلها الأحاديث وأذعن لأوامرها بإخلاص فيما يخص أعمال الدار ، أخدم بناتها وأصبر على أذاهن ، وأتظاهر بالانصياع والطاعة لأبي عدنان حتى يفك حبل رقابته الذي طوقه حول عنقي.

قدم صباح اليوم الذي تهيأت له طويلاً ، بعد رحيل مصدر تعاستي و تأكدي من غيبته في الحقل ، التففت في ملاءتي وجهزت صرة خفيفة من متاعي ، وخبأت تحت طياتِ ثيابي كيساً صغيراً من المال الذي كنتُ أذخره سراً ، رقبت العربة وهي تتوقف أمام باب الدار ، و نزل الخال صادق منها ، ثم توجه لحجرة المؤونة ليناقش أخته في أمور التجارة ، حثثت الخطى نحو العربة واندسست بين الصناديق الفارغة وشوالات الصوف الكثيرة ، وقد يسّر نحول جسمي وقصر قامتي تواري بينها ، تكورت على نفسي وكتمت صوت أنفاسي ورددت أدعية تحفظني في طريقي ، بعد زمن يسير أحسست بالعربة تهتز فأدركت أن الرحلة قد بدأت ، اختلست نظرة أخيرة لواجهة الدار فبصرت العمة أم عدنان تقف أمامها ، تبادلت معي نظرات متواطئة وهي تلوح تجاهي بيدها مودعة إيّاي ، وكان ذلك آخر عهد لي بها.

* * *

طالت بنا المسافة وبلغ مني الإعياء كل مبلغ ، ولسوء حظي فإنه لفرطِ روعي كنت قد نسيت أن آتي ببعض الطعام ، أخذني الدوار فاستندت على شوال ثقيل من الصوف، وسبحت في بحر نومة خفيفة تراءت لي فيها رؤيا تلك الليلة من جديد ، فإذا بي أقوم فزعاً وقد ازدادت ضربات قلبي ، لاحظت تغيّر رائحة الهواء من حولي ، ففتحت عيناي التي اتسعت دهشة عندما أبصرت ما لم تُبصر به أعين فلاحي قريتنا من قبل.

شعرت بسرعة العربة تخف رويداً رويداً ، فأدركت أن الخال صادق قد وصل إلى مقصده ، لذا فإنني وما إن كادت العربة تتوقف حتى قفزت منها بخفة وأسرعت للبحث عن شجر أو حجر أتوارى خلفه ، فخاب مسعاي في ذلك الوقت ، لم أكن أدرك ماهية الأشياء التي تقع عليها عيناي ، دُور عظيمة تتناطح وتتطاول حتى أنها تكاد تلمس السماء ، صناديق كبيرة و صاخبة من المعدن تسير على طرق منبسطة ومستوية ، ورجال ونساء يرتدون مالا عهدي به من ثياب ويضربون في الأرض جيئة و ذهاباً ، واصلت الركض واخترقت الحشود البشرية حتى إذا ما ابتعدت عن العربة و كلّت قدماي تسمرت واقفة مكاني ، فقد صمّت الأصوات العالية والضجيج الصاخب أذناي ، فراح رأسي يقرع كالطبل ، دارت بي الأرض والسماء فضغطت على جبيني بكلتا يداي وأفلتت صرّتي ، رأيت لحظتها صندوقاً معدنياً مسرعاً قادماً نحوي ، تجمدت أطرافي و بقيت ثابتةً مكاني كالصنم ، ولم تمر لحظات حتى أحسست بنفسي أنزلق في قعرِ نفس المنحدر الذي أراه في أحلامي و يسود الظلام.

* * *

-2-

أفقت على يد تهزني بأناة ، امتثلت أمامي فتاة حسناء ترتدي الأبيض من الثياب ، وعلى سِحنتها ابتسامة بشوشة ، حاولت أن أقوم من نومي لأتبين ما أنا فيه ، فانتابني ألم شديد مزّق ضلوعي ، أطلقت انه عميقة وهويت راقدة مرة أخرى.

– لا تتحركي ، قالتها الفتاة وهي تتحرك لتحضر لي كوب ماء وأضافت بلهجة رقيقة:

– حمداً لله على سلامتك ، هل تذكرين شيئاً ؟.

هززت رأسي نافية ثم تجرعت ما في الكوب لمَا ألمّ بي من عطش ولم أكن قد ارتويت ، فأشرت لها بالمزيد ، قالت وهي تصب الماء في الكوب ثانية:

– كنتِ في غيبوبة كاملة ليومين ، صدمتكِ سيارةٌ فجيء بكِ إلى هنا ، رأسك غير متضرر كثيراً لكن هناك بعض الكسور بجسمكِ ، ستتماثلين للشفاء مع مرور الوقت.

لم أفهم شيئاً مما قالت ، شربت الكوب الثاني ، حين سألت وهي تكيل لهيئتي نظرات متفحصة:

– هل أنتِ من الريف؟.

زادت دقات قلبي ، و راحت الذكريات تنهمر على رأسي ، كنت سأفند الأمر ، ولكني لم أجد بداً من إجابتها بإيماءة خفيفة ، فهيئتي كانت قد فضحتني.

-ألا تنطقين ؟.

كان لساني قد أنعقد و لم أجرؤ على النطق ، فأمام تلك الكلمات الرقيقة العذبة التي كانت تنساب من فم الفتاة ، استحييت أن أطلق العنان لمنطِقي الريفي الخشن فالتزمت الصمت وتذرعت بالخرس ، و ما كان أفيد ذلك في درء الكثير من الأسئلة التي تهاطلت عليّ من كل حدب وصوب.

* * *

استأنستُ بمقامي في المكان و بدأت أفهم شيئاً فشيئاً لهجة أهل المدن و تسمياتهم ، فذلك الصندوق الذي ضربني سيّارة ، وهذا المكان مستشفى ، والفتاة التي تعمل على تطبيبي ممرضة وغيرها الكثير ، كنت أستمع لثرثرة النسوة الثلاث اللواتي يشاركنني الغرفة بشغف وأكتشف عوالم أخرى أكبر من حدود قريتي الصغيرة ، لكنهن لم يتركنني وشأني ، فسألن عن قصتي واستفسرن عن أصلي وعن سر غياب من يُعنى بي من أهلي رغم صغر سني ، وتحت إلحاحهن نسجت كذبة واختلقت قصة ، فأشرت لهن بما مفاده أني يتيمة مات عني الوالدان ، فتنكّر لي الأهل وجافاني الخلاّن ، فضاقت بي قريتي إذ لا معين ولا نصير ، فالتمست طريق الرزق في جُنح الظلام ، وجئت بحثاً عن أهل لي من قرابة بعيدة علني أجد ملاذي عندهم ، رثين لحالي وأكبرن شجاعتي ، فصرن يغدقن عليّ مم يأتيهن من مأكل ومشرب ، ويسرين عني هموماً ما كان لهن أن يعلمن بواطنها.

لفتت نظري من بينهن أمرأة أربعينية نحيلة الوجه  ذابلة الملامح ، عرفت فيما بعد أنها أرملة تعاني من داء عضال سرى في بدنها وجرى منه مجرى الدم ، فلم ينفعها حكيم ولا دواء ، وكان كل ما اشتد عليها الألم تأتي فتمضي أياماً بلا جدوى ، وما تلبث أن تعود لدارها ، فخطر لي أن أستجدي عونها ، وأن تقبلني خادمةً عندها مقابل لقمتي و نومتي ، تحينت لحظة أن أستفرد بها فنطقت ما استطعت بطيب الكلام ، وأخبرتها ببواعث صمتي ، إذ أن اللسان عدو الإنسان ، فأشفقتُ على غيري من فُجِّ حديثي و ثرثرتي ، أبديت لها أن رفقتي خفيفة ظريفة و أني أجيد أعمال الطبيخِ والتنظيف وكذا حلب الأبقار وعلف الحمير ، فأطلقت رغم ضعفها ضحكة مجلجلة ، وأسرّت لي باسمة أنه ما من دواب في المدينة ، ثم برفق ولين أثنت على حسني وطيب معشري وقبلتني خادمة عندها.

كانت دارها صغيرة و جميلة ، أثاثها كثير و فرشها وثير ، أخبرتني أنها تعيش منفردة بعد وفاة زوجها الذي أورثها دكاناً تجبي رزقها من أجارِه ، ولها من الأهل أخوان يزورانها بين الشهر للآخر ، أمرتني أولاً بالاغتسال ثم أعطتني بعضاً من الثياب ، قالت : أنه أجدى بي أن ألبسها ، وعلمتني نمط الحياة الغريب على قروية بسيطة مثلي ، وصبرت علي وعلى أخطائي و هفواتي وتحملت عثراتي حتى استقام بي الحال.

ومرّت الأيام وتوالت الأسابيع وتأقلمت مع بيتي الجديد ، كنت أقضي شطراً من النهار في العمل الدؤوب  دون كلل أو ملل ، فتعجب سيدتي بي ، و تطري على ترتيبي وأمانتي وحسن طبيخي ، وتمدحني أمام ضيوفها ، وتنقدني بضع قروش من آن لآخر ، وتدعوني للخروج والتنزه وابتياع ما تهفو نفسي إليه ، لكنني كنت أُعرض و أرفض خوفاً من مغبة المصادفة وعبث الأقدار.

و بما أن الشقاء قد استأثر بي دون غيري والحياة لا تتركني أهنأ بعيشة إلا لتلطمني بغدرها على حين غرة فقد ماتت السيدة ، توفيت بفراشها ذات ليلة ربيعية دافئة ، ماتت هادئة مثلما عاشت و ووريت التراب بوجه ملائكي به مسحة من ضياء.

و بمجرد أن انفض الجمع وانتهت أيام الأخذ بالعزاء ، جاءني السيدان وقاما بطردي شر طردة ، فجرفتني تيارات الحياة معها من جديد و نفد ما خزنت من مال خلال أيام معدودات ، فراحت تلفظني شوارع المدينة و تتلقاني أخرى ، أضحى هدفي لقمة الكفاف ، رحت أسير بين الأزقة وأدور بين البيوت بحثاً عن عمل و مبيت ، فتُوصد الأبواب في وجهي ، وأحيانا تخترق أسماعي ألواناً من السُباب و فحش الكلام ، وأبغض ما مررت به أنّي أساوَم في عِرضي ، فإن أنا قبلتُ أبشَّر بالمال والزاد ، فتسري رعدة في بدني و تنتفخ أوداجي غضباً و قهراً فأمضي هاربة خائبة وأنزوي إما تحت جدار عتيق أو داخل ركن قصي بالمقبرة ، فألعن ذلي وأندب حظي وأجتر ذكريات حياتي القصيرة في بيت والدي ، وأمسيات السهر مع أخواتي فيستبد بي الحنين و يلوكني ندم مميت ، فما الذي بحق الله أقدمتُ عليه ، أفر من قبضة من يُقال له زوجي  لأقع في غياهب غابة وحوشها لا ترحم ولا ترأف ، غرروا بي و زينوها لي جنة لو بقيت وارتضيت بما قُسم لي لكنت بمنأى عن السعي وراء الرزق ، كنت سأتحمل أبا عدنان لسنين وأنجب له ما كان يبتغِيه ، ثم أسوّل له الزواج بأخرى فينسى أمري و ينأ عني ، هكذا فعلت الكثيرات من نسوة قريتي.

ثم ما ألبث أن أفيق على واقعي وأتذكر أنه يوم لا ينفع فيه الندم ، ببساطة لقد سبق السيف العذل ، فأنتشل نفسي من تحت حطام الذكرى ، أمسح دمعي وأنفض غبار الماضي عن ثوبي وأستند على بلاطة قبر السيدة لأغفو ، بعد أن أتلو فاتحة الكتاب وأسلّم على رفاقي الفانين الذين أحسدهم على غبطتهم في ملكوت الله.

* * *

-3-

مع نهاية الثلثُ الأخير لليلة باردة استيقظت من نومي مذعورة إثر أحد الكوابيس المريعة التي كانت تجتاح مناماتي في الأيام الأخيرة ، فإذا بجبيني ينضح عرقاً و برعدة شديدة تسري بأوصالي دب الوهن في مفاصلي فلم أقدر على الحراك ، أدركت أن بي حمى فتشبثتُ بلحافي الخفيف علّي أستجلب بعض الدفء ، سمعت صوت قرقرة في بطني وألم فظيع يضغط على رأسي ، شعرت وكأن الموت يدنو مني ، لكني تمسكت بغريزة البقاء و قررت التحامل على نفسي ، فجررت قدماي ناحية العمران عندما صدح صوت الآذان ، فاتجهت صوب الجامع وتهالكت بإحدى الزوايا القريبة حتى إذا ما فرغ الناس من صلاتهم تقدمت طلباً لمقابلة الإمام.

بصوت متعب و واهن قلت كلماتي:

– أسعدت صباحاً يا شيخنا.

حياني بعجب وتهذيب ثم قال:

– ما حاجتكِ يا أبنتي ؟.

– عابرة ضاقت بي سبل الحياة وأهلكتني الحاجة ، وقد استولى عليّ المرض وأكاد أموت جوعاً ، فهل من لقمة أقوّم بها عودي؟.

– أُجبت سؤلك يا ابنتي ، لكن أخبريني أولاً من أين أتيتِ و ما حكايتك وأين تقصدين؟.

أشفقتُ من الكذب في حضرة بيتٍ من بيوت اللّه ، فقلت:

– حكايتي طويلة يا شيخنا ، وإني لأؤثر كتمانها لغايةٍ في نفسي ، ولكن أعلم أنّي طاهرة عفيفة ، طيبة السريرة ، لم أعتدي على حد من حدود الله ، و ما شتاتي و فاقتي إلا نِتاج ظلم العباد.

كان لكلماتي الصادقة وقع عليه فقال:

-اتبعيني يا أبنتي.

مشيتُ وراءه تحمل رجلاي بدني حملاً ، حتى إذا ما وصلت عتبة باب داره كان قد غشي الظلام على عيني وأفلت مني زمام جسدي فهويت أرضاً.

مكثت أياماً عند الشيخ الجليل ، برأت من مرضي واستعدت بعضاً من قوتي ، كانت زوجته فيها نعم المؤنسة و المحسِنة ، وبما أني أعلم بساطة حالهم و ضيق دارهم ، طلبت منه أن يجد لي عملاً أعيل به نفسي و يغنيني ذل الحاجة و السؤال ، فوعدني خيراً.

وذات يوم جاءني قائلاً :

– أبشري يا أبنتي ، وجدت لك عملاً شريفاًعند دار كبير من كبار أهل البلد ، ذو عزة و وجاهة ، وأنا كفلتكِ أمامه لمَا رأيته من حسن تصرفكِ ودماثة خُلقك ، فأعطيني موثقاً من اللّه أن تكوني على قدر الأمانة.

– لك عهدي أمام اللّه يا شيخنا ، فما غايتي إلا كسب الرزق الحلال.

و هكذا وجدت نفسي فرداً من حاشية الباشا.

* * *

كان قصراً عظيماً و مهيباً ، كثير الغرف فخم الأثاث ، يدب فيه النشاط كقفير النحل ، قابلت سيدته وكانت أمرأة شديدة البأس بارعة الجمال ، فرددت أمامها قصتي المكذوبة ، نلت قبولها و ظفرت برضاها وأصغيت باهتمام لأوامرها ونواهيها ، كان عملي يقتصر على التنظيف ، إذ أن للمطبخ من يشرف على شؤونه ، ولي حجرة مشتركة مع خادمتين ، ومعاش هو حقي كل شهر ، اطمأنت نفسي و بُعث الأمل في قلبي فقد كانت تلوح لي بوادر حياة هنيئة.

وانقضى من الزمان خمس سنين ، كانت كفيلة بأن تنسيني منشئي وأصلي ، وكل ما فات من عمري ، و رغم قسوة الأعمال ، وعجرفة الأسياد و مناكدة الخدم ، لم يكدر علي عيشتي سوى شيء واحد لطالما أرق مضجعي وأسال الدمع من عيني ، تذكري أني لازلت على ذمة أبي عدنان.

أدركت ريعان الشباب ، فبرزت مفاتني وازداد حسني وغدوت على شيء من الجمال ، فاتجهت كل الأعين صوبي وصرت أرى نظرات مريبة تبثها لي عيون شبان العائلة كلما مررت أمامهم ، تحمل بين طياتها دعواتٍ مبطنة ونوايا خفية ، فأبدي لهم آيات التبجيل والاحترام ثم أنسحب بكل مقدمات العفة والاحتشام ، وكانت سيدتي و بذكائها تدرك كل ذلك من طيش الشباب وطبائع نفوسهم ، فتأمرني بالتزام المطبخ لدى وصولهم واعتزال الخدمة لدى اجتماعهم ، فأذعن لها بكل راحة و سرور، فليس بي قوة لنسج الحيل وابتداع الألاعيب لاجتنابهم ، و لكن تشاء الأقدار أن يخفق قلبي بعد موته و تنتعش روحي بعد جفاف ، وتغرقني أنهار الأحلام والأمنيات.

شاب بدا لي من خيرة الشباب ، برجولته وحسن طبعه وبوادر الطيبة على معالمه ، ولم أكن لأخطئ الحكم على إنسان ، فما مر بي صقلني وزادني حكمة و حنكة ، وأصبحت أفهم الناس من حركة حاجب أو طرفة عين ، فسكن قلبي و فرضت صورته نفسها على مخيلتي.

غريب أبن بواب القصر العجوز الذي أنهكه الكبر وجار على صحته الدهر ، خلف صنعة والده ، كنت أراه يومياً لدى خروجي قاصدة الدكان لابتياع ما يلزم ، فيحييني بأدب ولدى عودتي فيساعدني ويأخذ عني أحمالي ، مراعياً الذوق وحسن الكلام.

وما كان بيننا بداية مجرد تحايا وبضع كلمات أضحى نهايةً اختلاس للنظرات وتبادل للإبتسامات ، ثم تفاقم الحال بجلسات ونزهات ، باح لي فيها أخيراً بما يختلج قلبه من مشاعر نحوي ، وبخجل العذارى استحييت ، وللسعادة المنتظرة بكيت ، و في خضم كل ما فات تناسيت أني زوجة لرجل آخر !.

طلبني للزواج وقال أنه لا اعتراض لوالديه الطيبين على حالي ، فإن جهلوا أصلي فهم أيضاً قوم بسطاء يكفيهم زوجة رضية تشارك أبنهم العناء وتكافح معه مطبات الحياة ، انهمر من عيني دمع غزير و وعدته على أن ألقاه يوم راحتي كالعادة ، فلي معه كلام عن أحداث كثيرة وأسرار عديدة ، وإن هو أرادني زوجاً فلابد أن يعلم ما خفي عنه وعن أسياده.

ولقيته عند مجرى نهر صاف بضواحي المدينة ، فلما رآني ذهل لما أصبح عليه حالي من ضعف و شحوب وسألني لما أبدو مهمومة مكلومة وكأن نوائب الدهر حلت علي ؟ فلم أملك إلا أن أنخرط بنحيب مرير وأقر أني لم أنم ولم يدخل جوفي شيء من الزاد منذ افترقنا آخر مرة.

رق لحالي فمسح دمعي وأشربني جرعة ماء قائلاً:

-إذا كان سرك أنك اقترفتِ ما تخشين افتضاحه بعد الزواج ، فاعلمي أني ساترك ولن أضيمك بإذن الله.

هززت برأسي نافية وقد ازداد كربي وحزني.

صاح وقد ساءه ما رآه:

-أي سر تخفين إذن يا قمر؟.

فحكيت له حكايتي و قصصت عليه سري الذي ظل مطوياً في أعماق صدري منذ سنين أفلت ، فغر فاهه دهشة وضرب جبينه حيرة وهو يتساءل أي مأزق هذا الذي ابتلينا به !.

– إني أحلّك من أي وعد يا غريب ، فليس بوسعنا فعل شيء.

نظر إليّ بوجه آسفٍ على ما رأيت في حياتي وقال:

– إني لسائل شيخاً عما قريب ، فعلّه يجد لنا حلاً أو فتوى.

– و إن لم يجد ؟.

– ساعتها سنرى ما نحن فاعلون.

ثم تبسم في وجهي و ضم يديّ بين يديه وحدق مطولا ًفي صورتي ، فرأيتُ في نظراته انعكاس عينيّ الزرقاوين ، سرت شرارة في جسمي فاشتد وقع هواه على قلبي ، رميت كل شيء وراء ظهري ثم سلّمته أمري..

* * *

-4-

كان لا بد من تبين ما إن كان أبو عدنان لا زال حياً أو أن الرحمة فتحت أبوابها في وجهي وصعدت روحه إلى بارئها ، فسافر غريب يلتمس طريق القرية بعد أن لقنته أسمها و بعضاً من أوصافها علّه يأتي بالخبر اليقين ، وانبرت أيام وليالٍ انقطعت فيها أخباره واستحال إيجاد سبيل لوصاله ، فنال مني القلق كل منال وأخذت الأفكار السوداء تتطاحن داخل رأسي حتى إذا انتصف الشهر عاد لي سالماً غانما بملامح تنضح بهجة وانشراحاً ، فرُدت روحي إليّ ، و ما كان يعنيني ما صاده من أخبار دام أنه حي يُرزق.

– قيل أنه مات وارتحل منذ ردح من الزمن.

– وأهلي ؟.

– والدك عجوز هرم ، ولكن أخاك قد شب و أشتد عوده وأضحى رجلاً يُعتمد عليه.

تسلل الحنين لداخلي واعتصر الشوق قلبي عصراً وتمنيت فقط لو…

قطع علي غريب أفكاري:

-عدّتكِ أربعة أشهر وعشرا وبعدها سنتزوج.

ثم أمدني بكيس صغير من الكتان قائلاً أنه أمانة لزواجنا و مستقبلاً داعم وأمان ، وستتوفر لنا به حياة كريمة ، واشترط أن لا أفتحه ولا أرى دواخله حتى تنقضي العدة ويسمح لي هو بذلك ، فأعطيته على هذا وعدي وأنا غارقة بفرحتي ناسيةً أن الحياة خصّتني بعطاياها من النوازل والمصائب دوناً عن غيري.

* * *

بين السهول و الفيافي والقفار ارتحلت مع جماعة من الغجر بعد أن تركت المدينة والقصر و قبر غريب الذي لم يكن لي فيه قسمة ولا نصيب ، فمات عني وتركني لحزني وكمدي ، و بجنين في أحشائي ربطني به مع كيس من الكتان حول عنقي ، فما ذنبه و ذنبي ليتلقى رصاصة طائشة عوضاً عن الباشا ويدفع ضريبة الانخراط في ما يسمى بالسياسة ؟.

غريبةً بين أهلي ابتدأت حكايتي ، وغريبة مشتتة انتهت ، وها أنا ذا طعنت في السن وقد أبلى جسمي المرض و العجز، و من تحت يدي كنّتي أقتات على الفتات ، و ككل ليلة أدعو من قلبي وأتضرع للّه أن يلحقني بغريب وأبنه الذي عاش كغريب ، ويغفر الزّلة التي دفعت ثمنها حياةً بأكملها.

* * *

مع تنفس الصبح جادت العجوز قمر بأخر أنفاسها ، قابضة على كيسٍ صغيرٍ من الكتان ، قريرة العين مطمئنة البال أنها ستلقى غريباً وقد وفت بوعدها و صانت عهدها ، غير مدركة أنه بين طيات الصوف التي حُشيت في الكيس تقبع حلْيةً صغيرةً من الماس وُجدت بجيب جثة ملقاةٍ على ناصية الطريق منذ عقود مضت.

-تــمــت-

تاريخ النشر : 2018-12-17

وفاء

الجزائر
guest
50 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى