أدب الرعب والعام

الجزء الثاني – أتتركني للذاريات ؟

بقلم : إسرائيل السفياني – اليمن

بدأت نزعته الغريبة قبل أيام مع أننا تشاركنا هذا الجسد لسنوات طويلة دون أي مشاكل
بدأت نزعته الغريبة قبل أيام مع أننا تشاركنا هذا الجسد لسنوات طويلة دون أي مشاكل

في اليوم الثاني في الكلية لم يحضر أحمد الكلية وأغلق هاتفه تماماً ، لم يكن لديه صديق من الشباب حتى تستفسر منه غادة عن أحمد ، و في لحظة أدركت غادة كم هو متناقض أن يكون شاب مثل أحمد ذاع صيته في أرجاء الكلية وحيداً وغامضاً إلى هذه الدرجة حتى يصعب الوصول إليه ، دهشتها زادت عندما فكرت للحظة المعلومات التي تعرفها عنه قليلة جداً ، لا تعرف أين يسكن وهل عائلته هنا في المدينة وكم لديه أخوة أو أخوات ! للحظة شعرت أن أحمد أغرب الناس بالنسبة لها.

(رسالة نصية إلى هاتف غادة )

– كيف حالك يا أميرة ؟ اخبرني آدم بما حدث ، حسناً بالنسبة لسؤال الدكتور ، لدى الإنسان نزعة رهيبة للتملك حقاً ، وهي نزعة فطرية تماماً و زميلنا هادي مخطأ في مقاربته فأولئك الأشخاص الذين يؤثرون الآخرين على أنفسهم ولا يوجد لديهم حب ذات هم في الحقيقة أشد الأشخاص تملكاً ! لكنهم يتملكون بطريقة مختلفة فهم يتملكون مشاعر الرضا والفخر والسمو ، إنهم يحبون كونهم كذلك فهم يحصلون على شيء أسمى لتملكه ، هل تعرفين قصة غريبة لها صلة بهذا ؟ عندما توفي ألبرت أنيشتاين شرحه طبيب أمريكي شهير وقام هذا الطبيب خلسة بنزغ دماغ ألبرت إنيشتاين من رأسه واحتفظ به في مرطبان مملوء بالفورمالين المعد للاحتفاظ بالأجزاء البشرية ، لم يعرف أحد بالأمر وأنكشف لاحقاً وتبين أن لدى هذا الطبيب نزعة غريبة لتملك الأجزاء البشرية للناس مثل الأدمغة لأجراء دراسات عليها في منزله ، لاحقاً تصالح الطبيب مع أحفاد أنيشتاين وسلمهم الدماغ سليماً كما أخذه أول مرة ! ، عموما أنا آسف لأني لم أخبرك عن آدم ، أنه صديق قديم ولكني عليك أن تحذري منه فأنا لا أعرف عنه شيء كثيراً ، أظن أنه سايكوباتي مضطرب .

صُدمت غادة من الرسالة ، لم تفهم الشيء الكثير ولكن سألت نفسها كيف ومتى ؟ أحمد مصاب بفصام الشخصية أم ماذا ؟ لماذا لم يلحظ أحد ذلك منذ بداية العام الدراسي ولماذا اختارت هذه الشخصية الأخرى الظهور في هذا التوقيت تحديداً ؟ أم أنه يتلاعب بالجميع فقط لأجل أغراض نفسية ؟ ماذا تفعل يا أحمد ، صرخت غادة والدموع تغطي وجنتيها .

ردت على رسالته قائلة :
– ماذا تقول يا أحمد ؟ أرجوك لم أعد أحتمل المزاح هذا أكثر ! أريد أن ألتقيك .
بعد دقائق معدودة :
-عزيزتي لا شيء يدعو للقلق ، وافيني في مكتبة المدينة ، الرابعة عصراً.

“في المكتبة “.

انتظرت غادة ساعة بأكملها ولكن أحمد لم يأتي ، همت بمغادرة المكتبة قبل أن يصل لمسامعها صوته : أنتظري يا فاتنة .
التفت غادة إليه وبدأت عيناها تغرق بالدموع ، كانت الكدمات تغطي وجهه ويداه متخمتان بالجروح ، سألته مباشرة : ماذا يحصل بحق الاله يا احمد ؟.
– لنجلس يا فاتنة ، سأحدثك .

” في زاوية منعزلة من المكتبة “.

– حسناً ، هل تذكرين رغبة التملك تلك التي كانت محل نقاش في المحاضرة التي غبت فيها ؟ الأمر له صلة بما سأقوله الآن ، آدم يريد التملك على الجسد الذي نتشاركه معاً لوحده ، بدأت نزعته الغريبة قبل أيام مع أننا تشاركنا هذا الجسد لسنوات طويلة دون أي مشاكل ، هو يأخذ دورة بعد منتصف الليل إلى الصباح وأن باقي اليوم ، بدأ يتعلل بأن هذا الوقت غير مناسب له وأنه ينام معظمه لأني أستغل جسدنا نهاراً فلا يتبقى له شيء ، وكما تعلمين هذه حجج واهية والإنسان يخترع أسباب ليبرر طمعه .
( الدموع تنهمر من عيون غادة مجدداً ).
– ماذا تقول يا أحمد ؟ من هو آدم وعن ماذا تتحدث ؟ هل أنت مصاب بانفصام الشخصية أم ماذا يا ؟ الهي أشعر برغبة ملحة في النحيب ، لماذا يحدث هذا يا أحمد لماذا ؟ ( تتعالى أصوات غادة لتصبح نحيباً ).
– كفي عن هذا أرجوك ، أعدك أنني سأتمكن من آدم وأنفرد بالجسد وحدي وعندها لن نواجه أي مشكلة و نتزوج وننجب الأطفال ونفتتح معاً عيادة نفسية ! أرجوك لا تبكي هذا يؤلمني.

– لنذهب إلى طبيب نفساني يا أحمد ، أرجوك لا أريدك أن تؤذي نفسك أكثر .
– ماذا ! طبيب نفساني ؟ أنا لست مريض نفسياً ، أنا أعرف ما هو الفصام الشخصي و أعرف تماماً أني لست مصاباً به ، أنا وآدم شخصيتان منفصلتان جداً .
– إنه مس شيطاني ، إذا يا آلهي ما الذي يجري لماذا ، يا الهي ؟ .
– مس شيطاني (ضحكة صغيرة ) منذ متى بدأت تؤمنين بهذه الخرافات يا غادة ؟ أنا لست مصاباً بأي مس ولكن أعاني من شيء لن يفهمني فيه أحد ( يجري خارجاً من المكتبة وتحاول غادة تبعه ولكن دون جدوى فقد اختفى بلمح البصر ).

تنتشر الأخبار بسرعة في الكلية ، أحمد معتل نفسياً ومصاب بالفصام الشديد والجميع يتهامس سراً حوله وفتيات حاسدات يهمسن بصوت مرتفع أمام غادة :
– يا لها من مسكينة قصة حبها انتهت قبل أن تبدأ أصلاً !.
– لا عليك يا غادة ، أحمد شاب قوي وسيتجاوز هذا كله ، واثقة من هذا !.

– لا اعرف يا بثينة أنا لم أعد أرغب بإكمال دراستي هنا ، لا اعرف شيئا ًغير أنني حبيسة في ذلك الشاب ولا أعرف لماذا يحصل لي هذا ! كل هذه الأحلام بالزواج والأطفال أراها تتبخر أمامي وتتلاشى كالسراب .

تمر الأيام وأحمد غائب تماماً ولا أحد يعرف عنه شيء ، هاتفه مقفل وغادة تتجرع الأسى ويمزقها الخوف على أحمد ، و في ذات ليلة أضاء هاتفها برسالة :
-عليك أن تبتعدي عن أحمد إذا كنت تحبينه فعلاً وإلا فأنني سوف أقضي عليه ، كنا على ما يرام حتى تعرف عليك وبدأ يشعر بالأنانية وكان يتوسل إلى أن أمنحه ساعة فقط من وقتي حتى يكمل معك دردشة سخيفة ، أحذرك أني سوف ألحق به أذى لا يُطاق ، آدم.

تبدأ غادة بالبكاء الهستيري ويدخل والداها الغرفة ، تخبرهم بكل ما يجري فيغضب أباها بشدة ويطلب منها حذف رقم هذا المعتل النفسي فوراً ويلحق قائلاً:
– بدأت الآن أعرف سبب علاماتك المتدنية في الكلية .
تمر الليلة على غادة كعام طويل غارقة بين الدموع والأسى وفي وقت متأخر من الليل استجمعت شجاعتها واتصلت بأحمد!.
– ماذا تريدين ؟ ألم تفهمي محتوى الرسالة ؟.
– أرجوك يا آدم لا تؤذيه و سأفعل كل ما تطلبه ، أرجوك دعه يعد إلى دراسته ولا تدمر حياته !.
– حقاً ؟ تريدين مني تصديق هذا ؟ أنني أحميه من أمثالك الذين يتوقون لإدخاله إلى مصحة نفسية وغزر العقاقير الملونة في جسده ، إذا لم تقطعي تواصلك معه فأنني سوف أقتله وستتحملين وزر هذا ، لتسمعي صوته يا عاشقة (صوت صراخ أحمد يصدح من مكبر صوت جوال غادة ).
– (باكية بشدة ) أرجوك لا ، توقف عن تعذيب نفسك يا آدم ، أقصد كف عن تعذيب أحمد ( يقفل الهاتف ).
يمر أسبوع بأكمله ، يتصل احمد بغادة فتجيبه بلهفة:
-غادة ، هذا اللعين لا يكف عن إلحاق الأذى بجسدنا وكأنه ينتقم مني ، أنه يخطط لإيذائك يا عزيزتي ، أرجوك خذي حذرك منه ، أرجوك لا أحتمل أن يصيبك مكروه بسببي .

– ماذا تقول يا أحمد ، يا الهي كن في عوني لا أحتمل هذا.

عائدة من كليتها وعلى متن حافلة نقل تتفاجأ غادة بأحمد بجانبها ! تُصعق وتصرخ :
– يا الهي ، هذا يكفي ، أنك على وشك الموت ، ما كل هذه الجروح في يديك و وجهك يا احمد ؟.
– أنا .. احمد .. أنا استطعت أن اهزم آدم يا غادة ، أريدك أن تأتي معي الآن أريد أن أخبرك شيء ما .
بين الخوف والحزن تتجول غادة في تلك اللحظات ولكنها تشاهد بريقاً دافئ في عينيه ، أنه أحمد بكل تأكيد .

يخرج الأثنان ويتجه بها أحمد إلى منطقة لم تذهبها قبلا في المدينة ، يدخل بوابة عمارة مؤلفة من سبعة طوابق وعلى جوانبها تتراص أشجار خضراء بديعة ، كانت الساعة الثانية بعد منتصف الظهر والشمس في كبد السماء مع غيوم تنذر بمطر ليلاً ، تدخل غادة العمارة ممسكة بيد احمد وفي الطابق الثالث يدخلها احمد شقته الصغيرة والجميلة. 
-هل تعيش وحدك هنا ؟.
– أنا .. نعم .. أعيش هنا لوحدي .
– ماذا عن أهلك ؟.
– أهلي ؟ والداي رحلا وأنا كنت طفل وتولت خالتي تربيتي وها أنا الآن أعيش لوحدي .

– أحمد أشعر باني لا أعرف عنك شيئاً !.
– (قهقهة عالية ) هل سنظل نتحدث أمام باب الشقة أم ندخل الآن ؟.

دخل الأثنان معا الشقة ، بدأ أحمد يحكي لها كيف تمكن من النيل من آدم وكيف أنه كان يصرخ كأرنب ذبيح ، بكت غادة وحضنت أحمد الذي لم يتغير جمود وجهه ولو قليلاً ، تجول الأثنان في الشقة التي كانت مملوءة بكتب علم النفس وروايات أجنبية كثيرة .

ممسكاً برواية قال أحمد :
– هذه روايتي المفضلة !.
تمسك غادة الرواية كانت “ظلال الريح ” لكالرلوس زافون .

في الغرفة الأخرى كانت هناك الكثير من الأدوات الحادة ولواصق الجروح وكومة من الأشياء الغريبة.
– هذه غرفة آدم ، أليس كذلك ؟.
– نعم ، كان مولعاً بتقطيع أجزاء الحيوانات هنا ، كما قلت لك ، غادة متى سنتزوج ،؟ لدي مبلغ من المال وأخطط لشراء شقة منفصلة فهذه الشقة أدفع إيجارها وليست ملكي .
تلمع عيونها فرحاً وكأنها استفاقت من كابوس مرعب وعادت إليها حياتها مجدداً ثم تندفع في البكاء :
– لا اصدق يا احمد ، شعرت أنني فقدتك للابد .

يعود احمد إلى طبيعته وإلى دراسته ، لم يعد مستواه الدراسي كالسابق ونادراً ما يشارك في النقاشات ، يذهب إلى بيت غادة ويطلب يدها من أهلها ، تتم خطوبة الاثنان وسط فرحة كبيرة ويحدد يوم الثالث من مارس – بعد نصف شهر – يوماً للزفاف .

“ليلة الزفاف “

لم تخف على غادة نظرات الارتباك في عيني احمد ، سألته غادة بعد أن انتهت المراسم ودخل العريسان غرفتمها إذا ما كان هناك شيء يزعجه ؟.
– غادة .. أنا أنا .. أود أن أخبرك شيء.
– ماذا يا أحمد ؟.
– ما رأيك بي ؟.
– ماذا تقصد ؟ أنت تعرف سلفاً الإجابة يا احمق ! أنت كل هذه الدنيا بالنسبة لي.
– أقصد ما رايك بي خلال الفترة التي تلت القضاء على آدم ؟ هل تغير شيء ؟.
– أبداً يا عزيزي ، أحببتك أكثر ، لا أنكر أن مستواك الدراسي تراجع كثيراً وهذا أمر يزعجني ولكنه طبيعي بعد ما مررت به ، ثم لما تسأل هذه الأسئلة بأهم ليلة في حياتنا ؟.

وفجأة يندفع أحمد ممسكا بفاه غادة ومغلقا إياه بشريط لاصق ومكبلاً إياها بخيوط خباها تحت سترته ، كانت الصدمة عنيفة لغادة ولم يسعفها الوقت لتفهم ما حصل .

– أنا قتلت احمد الغبي ، أنا آدم يا غادة وأنا احبك أكثر منه وأرغب بإكمال حياتي معك ، ما رأيك ؟.
تندفع الدموع بغزارة من عيناها ولا تستطيع الصراخ ، يقترب منها ويحاول تقبيلها لكنها تصده ، يصفعها بقوة حتى يسيل الدم من فاهها ، يحاول مجدداً ولكنها تقاوم فيلكمها مرة تلو مرة ودون أن يسمع أحدا شيء ، فجأة يقوم من فوقها وهو يشد شعر راسه بقوة ويعض لسانه ويصفع نفسه بشكل رهيب.

تحولت ليلتهما الموعودة إلى كابوس مفزع ، يصدم رأسه بالجدار بقوة حتى يسيل الدم وبينما هو في نوبة صرع هذه تستطيع غادة فك القيود فلقد وضع القدر سكيناً حاداً فوق منضدة بجانبها غفل عنه آدم ، تقوم بسرعة وتوجه السكين إلى إليه مهددة إياه أن يتركها وشأنها .

تتوقف نوبة الصرع التي يعاني منها ويبدأ بالحديث:
-أنا احمد يا غادة أقسم لك ، اللعين حاول سلبي حياتي وهو الأن يتعرض لك
لم تعد غادة تدري ما تفعل وفجأة يستل السكين من يدها ويلكمها بقوة شديدة حتى يكسر أنفها ، تصرخ غادة طالبة النجدة ، يأخذ السكين و يرفعه عالياً ويوجهه لصدر غادة ، و قبل أن يتمكن من ذلك يرمي السكين من يده وتعود له نوبة الصرع مجدداً.

– غادة حبيبتي أرجوك شقي رأس هذا الجسد نصفين قبل أن يتمكن ثانية من العودة ، طاقتي تلاشت وإذا عاد دون أن تفعلي شيئاً سيقتلك و … (نوبة الصرع مجدداً )

تأخذ غادة السكين و شيء ما يتمزق بداخلها فاحمد لا زال حي ولكن فجأة يصرخ :
– تباً لك يا عاهرة ستموتين (مندفعاً بقوة تجاهها ).
تغرس غادة السكين في عنقه وينسكب الدم في الغرفة .

“في المحكمة “

– حكمت المحكمة ببراءة المتهمة غادة توفيق من جريمة القتل ضد زوجها القتيل أحمد نعيم وتعد ما فعلته دفاعاً شرعياً عن النفس ضد زوجها المعتل نفسياً وبشهادة الجميع ، رفعت الجلسة.

– غادة ، خذي دواءك يا بنيتي أرجوك .
– لا أريده يا أمي وليذهب الطبيب النفساني إلى الجحيم.

النهاية ….. 

 

تاريخ النشر : 2020-04-22

guest
8 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى