منوعات

رحلة في أعماق الكون

بقلم : البراء – مصر
للتواصل : [email protected]

سنحدثك في هذه الرحلة عن امور ربما لم تسمع عنها قط
سنحدثك في هذه الرحلة عن امور ربما لم تسمع عنها قط

حديثنا اليوم عن الكون. كلمة صغيرة تصف أشياء أكبر من إدراكنا، سنتكلم اليوم في أي شيء خاص بالكون.. أي حدث يستحق الإهتمام.. سننطلق في رحلة عبر الزمن وعبر المسافات لنعرف أماكن غريبة في كوننا المثير هذا.. أماكن لم نكن لنتخيل وجودها قط، كل شيء واضح؟
لنبدأ إذن..

الشيء الأكثر سواداً في الكون

محطتنا الأولي هي المكان الأكثر سوادا أو ظلاماً في الكون كما نعرفه..
بالطبع نحن نعرف الظلام.. جميعنا كنا نخاف منه ونحن أطفال.. لكننا كنا نخاف من ظلام غرفة.. ظلام بيت.. ظلام شارع بأكمله لو قطع تيار الكهرباء، الأمر مختلف للغاية هنا.. نحن نتحدث عن ظلام كوكب بأكمله.. نتحدث عن كوكب يُدعی.. TrES-2b
حتی لا نطيل الحديث في أشياء لن تهمنا قصة هذا الكوكب بإختصار هي أنه عبارة عن كتلة سوداء بحجم كوكب المشتری في الفضاء.

كي نفهم الفكرة أكثر يجب أن نعرف شيئاً بسيطاً، العلاقة بين الأشياء المضيئة والأشياء المظلمة.
كما ترون الشيء المضيء يصبح كذلك لأنه يعكس الضوء.. بالتالي الشيء الذي لا يعكس الضوء يمكن إعتباره مظلماً، ولأن الأمر بهذه البساطة فعلاً فاللون الأسود هو أقل الألوان عكساً للضوء.. أكثرها إمتصاصاً للضوء، لهذا هو مظلم.. وأسود بالطبع، والأبيض هو العكس.

الآن وبعد ان فهمنا هذه النقطة يمكننا أن نقول أن هذا الكوكب ببساطة يعكس أقل من واحد بالمائة من الضوء الذي يصله.. وهذه نسبة ضئيلة للغاية.. أعني ضئيلة فعلاً، لدرجة أنها جعلته خفياً تقريباً وسط المادة المظلمة في الفضاء.

blank
عبارة عن كتلة سوداء بحجم كوكب المشتری

السؤال الحقيقي لماذا هو كذلك؟ لماذا لا يعكس الضوء؟

العلماء يقولون أن هذا الكوكب يمتص الضوء ولا يعكسه كعادة الأجسام الطبيعية، ويرجع هذا في الأصل إلی أنه عبارة عن شيء مكون من غاز عالي الكثافة إلی الحد الذي يسمح له بأن يكون كوكباً لوحده، وبالطبع الفكرة هنا أن الغاز لا يعكس الضوء.. بل يمتصه.

الشئ المثير هنا هو أن هذا الكلام السابق ماهو إلا فرضية من العلماء.. أي أنهم لا يعلمون حقاً ما السبب لكون هذا الكوكب مظلمٌ لهذا الحد..
بعضهم أيضا يقول أنه مظلم بسبب قلة السحاب العاكس للضوء، علی عكس كوكب المشتری الذي يتمتع بالكثير منها.. ولهذا هو -المشتری- مضئ أكثر من غيره..
كما هو واضح لا أحد يعرف يقيناً لماذا لا يعكس هذا الكوكب الكثير من الضوء.. الجميع يضع فرضياته، عزيزي القارئ مرحباً بك في الكون.

بالطبع توجد معلومات أخری عن الكوكب ولكننا نتحدث عن مايهمنا فقط وهي أنه مظلم للغاية.. إذا أردت أن تعرف المزيد توجه للمصادر.

ها نحن ذا.. عرفنا عن الكوكب الأكثر ظلاماً في موسوعة البشر، نحن مستعدين لنتقدم أكثر في رحلتنا.

supervoid الفراغ الهائل

blank
لماذا هو موجود اصلا؟ .. لا احد يعرف! ..

نحن نعرف الكون، نجوم وكواكب وأقمار وووو..
الأسماء كثيرة ولاتنتهي، لنبسط الأمر ونقل أن الكون عبارة عن مادة وفراغ وطاقة، الطاقة هي الحرارة والأشعة وماشابه، المادة هي أي شيء له ذرات، أما الفراغ.. فهنا نتوقف قليلاً.
الفراغ هو ذلك الشيء الأسود الفارغ الجميل الذي نراه بين النجوم.. محيط الكون، المادة المظلمة، يعني إذا افترضنا أن الكون هو بحر فإن الفراغ هو المياه والأسماك هي الكواكب والنجوم وغيره.

أحياناً توجد أماكن هائلة المساحة لا تحتوي علی أي شيء، فقط فراغات.. لا نجوم لا كواكب لا شيء.. فقط فراغ مظلم كبير.. كبير للغاية، يسمونه “supervoid”.. أي الفراغ الهائل. لدينا فراغ بوتيس مثلاً.

فراغ بُؤوتيس Boötes void

blank
فراغ اخر محير في الكون ..

يقع هذا الفراغ علی بعد 330 مليون سنة ضوئية عنا، إذن ماهي الفكرة؟. ماهو المذهل في ذلك الفراغ؟

المذهل أن ذلك الفراغ كبير للغاية.. لا يحتوي علی المجرات التي من المفترض له أن يحتويها، بإختصار وجوده لغز كبير لم يجد له العلماء أي حلول، يبدو الأمر وكأن هناك أحدٌ ما قد محي جميع الموجودات في ذلك الفراغ.

يقول العلماء أنه لو كانت الأمور علی مايرام في ذلك الفراغ كنا سنری 2000 مجرة مكانه، نعم هناك 2000 مجرة مختفية من هناك، كي نستوعب الرقم جيداً دعونا نتخيل. 2000 مجرة والمجرة تحوي علی مليارات النجوم.. مليارات من الشموس الحارقة مختفية من ذلك المكان، هل وصلت المعلومة؟ هل هناك من يستشعر مدی غرابة ذلك الفراغ؟

يقول الفلكي المخضرم جريجوري سكوت آلديرينج أن مجرتنا.. مجرة درب التبانة لو تواجدت في منتصف ذلك الفراغ كان الأمر ليستغرقنا حتی الستينات لنكتشف أن هناك مجرات أخری، لكان إعتقادنا حينها هو أننا وحيدون، ننظر للسماء فلا نری شيئاً سوی السواد، مثير أليس كذلك؟

مثال آخر.. الفراغ الهائل الذي إكتشفه العلماء مؤخراً في هاواي..

بإستخدام تليسكوب “ps1” تمكنوا من إكتشاف فراغ هائل قطره هو.. هل أنتم مستعدون للرقم.. قطره هو 1.8 مليار سنة ضوئية!
لنأخذ الأمور ببساطة 1.8 مليار سنة هو قطر ذلك الفراغ ولكن هو ليس فارغٌ تماماً وكلياً، بين الحين والآخر يمكنك أن تجد مجرة هنا أو هناك..
لا تجعل الإحباط يتملكك فالعلماء الذين اكتشفوه يقولون أن هناك حوالي 10000 مجرة مختفية من ذلك الفراغ.
يقولون أن ذلك الفراغ ببساطة أكبر من يوجد، مما يعني أن وجوده بحد ذاته لغز لم يتم حله حتی الآن.

غداً نكتشف شيئاً جديداً علی غرار ماقاله جريجوري.. سيستغرقنا حتی العام 2050 مثلاً لنكتشف أن نظرتنا للكون كانت خاطئة طوال ذلك الوقت، من يعرف!

في وسط هذا الجو البارد نسبياً دعونا نتحدث قليلاً عن الحرارة! محطتنا التالية تنادي علينا من أطراف الكون.. فلنصغي لها جيداً.

الحرارة.. الإنفجار العظيم.. وأشياء أخری.

blank
الانفجار العظيم .. احد اعظم الغاز الكون

في البداية وبما أننا سنتحدث بعمومية عن الحرارة يجب أن نفصل بين عدة أشياء تتعلق بالحرارة، ثمة فرق بين أعلی درجة حرارة سُجلت في تاريخ الكون وبين أعلی درجة حرارة صنعها الإنسان وبين أعلی درجة حرارة موجودة حالياً، سنتطرق لكل واحدة علی حدی.

لنبدأ بأعلی درجة حرارة سُجلت في تاريخ الكون.. والتي يعتقد البعض أنها أعلی درجة حرارة ممكنة في الأساس؛ لأنه إذا وصلنا لها في مرحلةٍ ما فإن القوانين الفيزيائية جميعها تتحطم وتصبح الأمور غريبة فعلاً. بإختصار يرون أنها تعادل درجة الصفر المطلق.. لا يوجد درجة ممكنة أعلی منها.
وحسناً إذا لم تكن تعرف ماهو الصفر المطلق فلا بأس.. سنعرفه بعد قليل.

بعد الإنفجار العظيم

blank
تسبب الانفجار في انبعاث حرارة هائلة

أعلی درجة حرارة سُجلت في تاريخ الكون هي درجة حرارة الكون في أجزاء الثانية التي تلت الإنفجار العظيم، لست جيداً مع الأرقام ولكن بما أننا نتحدث عن درجات الحرارة فيجب علي ان أقول الرقم، هو رقم 1 وبجانبه علی اليمين ضع 32 صفراً بالتحديد.. مائة نونيليون كلفن -أراهن بأنك تقرأ كلمة نونيليون لأول مرة في حياتك الآن-
نعم في النهاية يتضح أن هناك أسماء أخری بعد التريليون، الجوجول مثلاً.. مائة صفراً.. حاول أن تتخيل، ورقم جراهام أيضاً.. حاول أن تفهم صيغة كتابته ثم اسألهم لماذا وُجد من الأساس، وإعتبرها معلومات جانبية لا علاقة لها بموضوعنا الأصلي.

نعود لموضوعنا الأصلي.. الكون بعد -عشرة آلاف نونيليون- جزء من الثانية من الإنفجار العظيم كانت درجة حرارته خيالية ووصلت تقريباً لمائة نونيليون كلفن..
وليس هذا فقط ماحدث بل سرعة تمدده أيضاً كانت خيالية، العلماء يقولون أن سرعة تمدده من جميع الجوانب كانت أسرع من الضوء نفسه.

الآن وبما أننا عرفنا أعلی درجة حرارة تم تسجيلها في تاريخ الكون يجب علينا أن ننظر في أعلی درجة نراها بأنفسنا، الإنفجار الكبير لم يره أحد، وبالتالي -وللأمانة العلمية- كل هذا الكلام السابق مجرد كلام نظريات.. ولكن قبل أن تغضب تذكر أنها نظريات مؤكدة بشكل كبير جداً.

دعك من هذا.. دعني أعوضك بأشياء لا جدال في واقعيتها، لنأخذ إستراحة قصيرة من الحرارة ولنتحدث قليلاً عن شيء من أغرب الأشياء الموجودة في الكون، إن لم يكن أغربها وأكثرها غموضاً بالفعل.

الكوايزارات quasars.. ماذا تعرف عنها؟

blank
صورة من وكالة ناسا يظهر فيها الكوايزار .. الاكثر لمعانا في الصورة ..

إذا كان المصطلح جديد كلياً عليك فدعني أقترب بك أكثر لنكتشف هذا الشيء العجيب.
الكوايزار هو إختصار لـ QUASi-stellAR radio source
أي حرفياً مصدر موجات النجم الزائف.. الذي نختصرها بالنجم الزائف.. أو شبيه النجم.
ماهي أشباه النجوم هذه؟

حسناً الأمر معقد للغاية.. ولكي تفهم مدی تعقيد الأمر فدعني أخبرك أن العلماء نفسهم لا يعرفون فعلاً ماهية هذه الكوايزارات.. هو جرمٌ سماوي مشع.. وماذا بعد؟. لا أحد يعرف!
لكن هاك بضع حقائق قد تساعدك علی فهم ماهية الكوايزار.. أو شبيه النجم.

– الكوايزارات تقع بعيداً في أطراف الكون.. ويمكن القول بأن بعضها يقع في حدود كوننا المنظور فعلاً.. أي أنها بعيدة جداً عنا، وحينما نستخدم كلمة بعيدة وكلمة جداً في الفضاء فإننا علی الأغلب نتحدث عن مئات الملايين من السنين الضوئية، وحالتنا هذه لا تختلف..
إن الكوايزارات تبعد عن الأرض بمقدار مهول لا يقل عن ربع مليار سنة ضوئية.. وبعضها يقع علی بعد 12 مليار سنة ضوئية.. وأحياناً نجد كوايزارات علی بعد 13 مليار سنة، نعم 13 مليار سنة.. ضوءها يصلنا من 13 مليار سنة.

إذن السؤال.. لماذا هي بعيدة للغاية.. هنا أعتقد أنه حان دور الحقيقة الثانية.

– الكوايزارات تحمل معدل إنزياح أحمر عالي جداً.. مارأيكم بهذا المصطلح العلمي المعقد؟
لابأس لنبسطها.. الكوايزارات تبتعد بسرعة مهولة عن كوكب الأرض، هي فقط تسير بسرعة كبيرة للغاية هناك في الفضاء، وبسبب هذا فهي بعيدة عنا كل هذا البعد الغير طبيعي.

وفي حين أن العلماء لا يعرفون فعلياً لماذا تبتعد الكوايزارات عنا بهذه السرعة المهولة.. أو لماذا تكون دائماً ذات إنزياح أحمر عالي جداً، فالعلماء يضعون فرضياتهم لتفسير هذه الظاهرة، أشياء عن قانون هابل وعدة أشياء أخری لا يتسع المجال لذكرها.

blank
صور للكوايزار بواسطة منظار هابل .. لاحظ شدة تألقها ..

– الكويزارات مضيئة للغاية.. مضيئة لدرجة أن ضوءها عبر كل هذه المسافة إلينا، عبر مليارات السنين الضوئية ليصل إلينا..
لازلت أشعر أنك لا تستوعب ما قلته عن أن الكوايزارات مضيئة للغاية.. دعني أوضح لك الأمور بطريقة أكثر جمالاً.

مجرتنا.. درب التبانة.. تحتوي علي 100 إلی 400 مليار نجم، ومنهم نجمنا الجميل.. الشمس، تخيل الأمر معي.. 200 مليار نجم.. كيف سيكون سطوع المجرة؟ ساطعة وبراقة للغاية.. أكثر مما يتخيله عقلنا الصغير أليس كذلك؟!
جيد للغاية، سأقول لك أن سطوع الكوايزار يفوق سطوع مجرتنا بأكملها.. بآلاف المرات، لا تصدقني صحيح؟
لنتحدث بالمنطق. هي تقع علی بعد مليارات السنين الضوئية.. إذن السؤال البديهي كيف سيصل ضوءها لنا من كل هذا البعد؟!
وهاهي الإجابة. الضوء الصادر منها أقوی بآلاف المرات من الضوء الصادر من مجرة درب التبانة التي تحوي 100 مليار نجم علی أقل تقدير، هو قوي وبراق كفاية كي نراه ونلاحظه -بالرغم من بعده-

بالإضافة لأنها تعد مصدر طاقة مثير جداً للإستغراب، تطلق الطاقة والإشعاعات في كل مكان وكأنها خلقت لأجل هذا!

كنا نتحدث عن الحرارة، درجة الحرارة بداخل قلب كوايزار إكتُشف حديثاً قد وصلت لفترة معينة إلی 40 تريليون كلڤن، مما يجعله أكثر الأجسام حرارة في الكون.
يقول العلماء ان درجات الحرارة بداخل الكوايزارات أكبر بكثير مما توقعوا أو قدروا، إذا صدقنا ما يقولونه فإن الأجسام الأكثر حرارة في الكون الحالي هي الكويزارات.

توجد معلومات أخری عن الكوایزارات مثل أنها تعد مصدر رهيب للأشعة الكهرومغناطيسية وغيره ولكن موضوعنا اليوم ليس عنها، من هذا المنطلق سأكتفي بهذا للقدر من المعلومات عن الكوايزارات لأنني لو تحدثت بالتفصيل سيطول الأمر أكثر مما قد تتخيلوا، كما أن فهم هذه الأشياء صعب وسيفقد من متعة الموضوع كثيراً، فقط لنعرف أنها أبعد الأجرام عنا.. وأكثرها سطوعاً وأشدها حرارة.

blank
هل الكوايزار هي ثقب أبيض ؟ ..

أما المعلومة الأخيرة التي سأتركها لكم هو فرضيات العلماء عن إقتران الكوايزارات بالثقوب السوداء، يقولون أنها مخرج الثقب الأسود، إذا كان هناك ثقب أسود يقع في منتصف مجرة أندروميدا فإن مايدخل هذا الثقب يخرج من كوايزار يقع في مكانٍ ما في الكون، إذ أنهم يفسرون مصدر الطاقة الغير طبيعي الذي تتمتع به هذه الكويزارات علی أنه شيء معاكس لما يحدث للثقب الأسود، الثقب الأسود يمتص الطاقة والضوء وكل شيء.. الكوايزار يعطي الطاقة والضوء وكل شيء، أي بإختصار ثقب أبيض..
والفرق أن الثقب الأبيض كان مجرد إفتراض.. نظرية وضعوها وهم غير متأكدين من أنها موجودة أم لا، إذ لم يسبق لأحدهم أن رأی ثقب أبيض من قبل، أما نحن فنعلم أن الكوايزارات موجود، رأيناها وصورناها ونحاول دراستها بدون جدوی، إذ تظل مجرد أجسام مشعة غامضة تحطم في خصائصها بعض قواعد الفيزياء وتجعل العلماء يعيدون التفكير فيما يظنوه عن كوننا العظيم.

إلی الفصل الأخير في باب درجات الحرارة العالية.

سيرن والمستعر الأعظم

blank
مشروع سيرن في سويسرا .. من اضخم المشاريع العلمية البشرية على الاطلاق

كنت أقول أنه وبينما تصل درجة حرارة -السوبرنوڤا supernova – أو المستعر الأعظم إلی 4 تريليون كلڤن في أجزاء معينة من الثانية -وهي ثاني أعلی درجة حرارة في الفضاء بعد الكويزارات- فإن البشر قد تمكنوا بأنفسهم من صنع درجة حرارة تفوق درجة حرارة المستعر الأعظم نفسها في أجزاء من الثانية أيضاً، قد يبدو الأمر خيالياً ولكنه حدث بالفعل.

في سيرن يوجد أكبر صرح بشري تم بناؤه علی الإطلاق.. أكبر مشروع علمي -أو حتی غير علمي- في تاريخ الكوكب، نتحدث عن مصادم الجزيئات الهيدروجيني..
هذا المصادم أو المفاعل يعد مقر تجربة مهيب للغاية يستخدمه العلماء بإجراء تجارب كانت فيما مضی مستحيلة الحدوث.

في إحدي تجاربهم تمكنوا رسمياً من قياس درجة حرارة عالية جداً لأجزاء صغيرة جداً من الثانية، درجة الحرارة وصلت في هذه التجربة إلی 5.5 تريليون كلڤن تقريباً، نعم ياسادة.. تمكن البشر في وقت من الأوقات من صنع درجة حرارة تفوق درجة حرارة المستعر الأعظم.. أو السوبر نوڤا.

blank
تصادم الذرات والتجارب تجري داخل هذه الانابيب التي تمتد لعدة كيلومترات على شكل دائري

من الجدير بالذكر أن هذا المفاعل يعد مصدر جدل كبير لأن الناس خائفين من أن تودي إحدی تجارب هذا المفاعل إلی تدمير كوكب الأرض في يوم من الأيام، أو مثلاً صنع ثقب أسود يبتلعنا جميعاً. العلماء الذين يعملون في سيرن نفوا هذا الأمر وقالوا أن حدوثه مستحيل لأن الطاقة الكافية لصنع ثقب أسود أو تدمير الكوكب أكبر بكثير مما يوجد علی كوكب الأرض أساساً.

ثمة مقال جميل عن المفاعل تم نشره سابقاً في كابوس.. تجدونه هنا:

علم ام دمار؟ ما هو CERN ؟ – كـــابـوس

الآن قد تحدثنا عن أعلی الأشياء حرارة، فلنلقي نظرة سريعة علی أقلها.

في البداية وقبل كل شيء يجب أن نعرف عن ثابت الصفر المطلق – the absolute zero

الصفر المطلق هو أقل درجة حرارة ممكنة.. مما يعني أنه درجة الحرارة لا يمكن أن تقل عن درجة حرارة الصفر المطلق، والتي هي 273 درجة سيليزية تحت الصفر «- 273 درجة سيليزية»

يقول العلماء أنه من المستحيل أصلاً الوصول إليها لأنه ما أن نصل إليها حتی تتوقف الذرات عن الحركة، لن يكون هناك طاقة عند الوصول لدرجة الصفر المطلق، بإختصار.. عند درجة الصفر المطلق تتوقف المادة عن كونها مادة.

بعد أن عرفنا هذا فلنتكلم عن الشيء الأقل حرارة أو الأكثر برودة في كوننا المنظور.. فلنقي نظرة علی سديم بومِرانج – Boomerang Nebula

فلنبدأ بمصطلح سديم.. ماهو السديم – nebula

blank
هكذا يبدو السديم .. كتلة متوهجة تشبه السحابة ..

السدم في المجمل البسيط هي عبارة عن أجرام سماوية غير منتظمة الشكل، ويرجع هذا إلی كونها في الأصل محملة بالغاز وبالغبار الكوني.. مما يجعلها متغيرة الشكل دوماً.
وهذا هو التعريف الأكثر بساطة للسديم.

أما سديم بومرانج سُمي بهذا الإسم لأنه شكله يُشبه او كان يشبه البومرانج.. إذا لم تكن تعرف ماهو البومرانج فهذه قضية أخری.
يقول العلماء أن درجة الحرارة بداخل هذا السديم هي في الواقع 272 درجة سيلزية تحت الصفر «-272 درجة سيليزية» أی أعلی بدرجة واحدة فقط عن الصفر المطلق!
يصعب تخيل برودة هذا السديم فعلاً.. إنه حقاً حقاً بارد. ذلك النوع من البرودة الذي يمكنه أن يحول الماء المغلي إلی ثلج في أقل من أجزاء من الثانية، هكذا ستصل الفكرة بشكل أفضل لكم.

لكن لماذا هو هكذا؟. لماذا هو بارد؟.

لأن السديم يبعث بالغازات الباردة في كل مكان.. وكلما انبعثت الغازات منه كلما زادت برودته، في الواقع الغاز ينبعث بسرعة مهولة من السديم، سرعته تقدر بـ 585 كم في الساعة.

إذا إقتربنا أكثر من الأمر سنعرف أن عملية البرودة تتكون في الأساس بسبب تباطئ الجزيئات، القانون ببساطة هو.. كلما تباطئت حركة جزيئات المادة كلما قلت درجة حرارة المادة. عند درجة الصفر المطلق تتوقف الجزيئات عن الحركة تماماً.. وهو أمر غير مقبول بالنسبة للعلماء أبداً، لهذا يقولون أن الوصول إليها يعد حلماً مستحيل الحدوث.

blank
صورة بالأشعة تحت الحمراء للسديم الحلزون

في سديم بومرانج الغاز يتوسع بسرعة كبيرة لدرجة أن الضغط بداخل السديم يقل، وحينما يقل الضغط تتباطئ حركة الجزيئات.. وإذا تباطئت حركة الجزيئات قلت درجة الحرارة كما قلنا سابقاً.

يشبه الأمر ما يحدث حينما تستخدم عبوات الرذاذ المضغوطة.. المنظفات الإلكترونية -الإسبراي- أو المبيدات الحشرية أو مزيل العرق وغيره، مانلاحظه دوماً أنه كلما خرج الرذاذ بشكل متواصل من العبوة كلما زادت برودة العبوة في أيدينا، يحدث هذا لأن الضغط بداخل العبوة يقل لذا تتباطئ الجزيئات في الداخل وتظهر البرودة.
يبعد سديم بومرانج عننا بمقدار 5000 سنة ضوئية ويعده العلماء أكثر الأماكن برودة في كوننا -المنظور علی الأقل-

الآن سأكف عن الحديث عن الحرارة تماماً، لكن قبل أن نطوي هذه الصفحة أريدك أن تتذكر أن درجة غليان الماء هي مائة درجة مئوية.. او 373 كلڤن، وأن تلك المرات التي أحرقك فيها صحن الطعام كانت درجة حرارة الصحن حينها لا تتعدی الألف درجة حتی.

حسناً والآن انتهينا من درجات الحرارة ومن الكوايزارات ومن سيرن، المحطة التالية ولخطورتها ستكون الأخيرة، نحن نتعرض للخداع.. ثمة شيء يصطادنا ببطئ.

the great attractor الجاذب العظيم

blank
شيء غامض يجذب الكون بأسره اليه

بعيداً في الفضاء.. ثمة شيء ما يجذبنا نحوه..

تمشي مع ابن أختك الصغير فيسألك فجأة.. ماهو الشيء الأقوي علی الإطلاق؟ . سؤال صعب.
الإجابة هي الجاذبية، الجاذبية هي المتحكم الأعظم في كل شيء.. حرفياً كل شيء، الزمن.. الضوء.. المادة.. الطاقة.
لا تصدق؟ أنظر للثقب الأسود الذي يسحب كل شيء نحوه لدرجة أنه يسحب الضوء نفسه.. الضوء الذي هو شيء غير مادي ولا يوجد شيء أسرع منه..
ومن شدة الثقب الأسود تحدث تشوهات في الزمن بداخله وعلی حدوده، إن الثقب الأسود هو المثال الأسمی لقوة الجاذبية.

حتی الشمس تجذب الضوء بكتلتها، تلك النجوم التي ظنناها بجانب الشمس اتضح أنها خلفها ولكن التشوهات التي أحدثتها جاذبية الشمس في ضوءها جعلتنا نظن أنها بجانبها.

سأختصر الأمر هنا، إكتشف مجموعة من العلماء في أواخر القرن الماضي أن هناك شيءٌ ما يجذبنا نحوه، شيء يؤثر علينا وعلی جميع المجرات الأخری ويجذبنا نحوه، في الواقع هو شيء يؤثر علی الكون بأكمله، نعم الكون كله.
هو شيء يسمونه بالجاذب العظيم، ماهو ذلك الشيء؟. نحن لا نعرف ماهو حقاً، والتفسير العلمي هو إما إنه شيء كتلته كبيرة لدرجة أن يجذب مجرات كاملة نحوه -وهو شيء من الصعب جداً التأويل بوجوده- وإما إنه شيء لا يعلم كنهه سوی الخالق سبحانه وتعالی، لماذا نقول هذا الكلام؟. ألا يمكننا فقط أن نراه بالتليسكوبات؟!
الإجابة هي لا.. نحن لا نستطيع، والكلام هنا عما يُسمی بمنطقة التفادي zone of
avoidance

blank
صورة لمجرتنا درب التبانة .. ما يقع خلف هذه الكتلة العظيمة من الضوء والغبار هو منطقة التفادي .. كتلة المجرة تحجب عنا ما يقع خلفها ولا تستطيع حتى اقوى التلسكوبات تجاوزها ..

منطقة التفادي ببساطة شديدة هي عبارة خط إستواء مجرتنا، وبطول هذا الخط نحن لا نستطيع أن نری ما وراءه أبداً، والأسباب علمية وكثيرة لن نتطرق لها، فقط لنعرف أن هناك أشياء لن نستطيع رؤيتها أبداً مالم ننتقل لمجرة أخری أو نغير من مكاننا بشكل جذري، وهو ما لن يحدث أبداً، ولسوء حظنا الجاذب العظيم هو إحدی هذه الأشياء.

الآن ذلك الجاذب العظيم يبعد عنا بمقدار 250 مليون سنة ضوئية ويقع ضمن العنقود المجری لكوكبة قنطورس الفلكية، وهي تقع خلف منطقة التفادي، وعليه فإن رؤيته -بالكامل- تعد أمراً مستحيلاً، ثمة سور مهترئ يفصل بيننا وبين الجاذب العظيم.

الشيء الأكيد هنا أن الجاذب العظيم هو في الواقع عبارة عن مكان في الكون، أي أننا لا نتحرك بعشوائية… نحن نتحرك في الفضاء بإتجاه مكان معين، ماهو هذا المكان وماهي تلك القوة الغامضة؟ نحن لا نعرف. أياً كان ما هو هناك فهو يختبئ خلف الستار، أياً كان كنهه فنحن لن نعرف أبداً في الغالب.

توجد معلومات أخری عن الجاذب العظيم لكنها أشياء علمية بحتة، معلومات هي في المجمل نظريات، نحن نبحث عن الفعل والنتيجة والمتعة في المعلومة سهلة الفهم، لا مجرد نظريات قد تكون أو قد لا تكون صحيحة.
دعونا فقط نعرف أن هناك ما يصطادنا ببطئ، ولا تقلقوا.. علی الأغلب نحن لن نعيش طويلاً حتی نری هذا يحدث، كما أنه ربما لن يحدث ولن نصل أبداً إلی الجاذب العظيم بسبب قانون هابل وتمدد الكون، شيء مثل أن المسافة الناتجة من تمدد الكون أكبر من المسافة التي تقل بيننا وبين الجاذب العظيم فبالتالي نحن لن نصل إلی هناك أبداً.
كما أنه توجد كوارث لا تُحصی ولا تعد ستحدث قبل أن نصل إلی ذاك المكان، موت الشمس.. إنهيار نواة الكوكب.. غزو الفضائيين ربما.

وكما الحال دائماً.. إذا أردت معرفة المزيد من التفاصيل والأشياء العلمية حول الجاذب العظيم توجه للمصادر العربية.. هي ترجمات للمصادر الأصلية.

blank
هذا الكون الواسع يثير الدهشة والحيرة لعظمته ..

في نهاية الرحلة يخطر في بالي شيء بديهي، نحن صغار.. صغار جداً في الواقع، كوكبنا العظيم هو ذرة رمل في صحراء لا نهاية لها، وهذه حقيقة لا خلاف عليها، لكن من المؤكد هو أننا البشر وجميع أشكال الحياة نمثل معجزة، نحن صغار وبدون أهمية ويمكن محونا في ثانية لكن وجودنا ذاته يتحدی كل قوانين الطبيعة، فينا أنطوی العالم الأكبر.
لهذا.. كلما شعرت أنك صغير تذكر فحسب أن جسدك هو قطعة فنية أفضل وأكثر تعقيداً من مجرد نجم أو كوكب، لو لم تكن لما تمكنت من إستخدام عقلك في فهم هذه المعلومات، ولا عينك في القراءة ولا جسدك في التفاعل، نحن نمثل ذروة ما وصل له الكون، النتيجة الأفضل.. المرحلة النهائية في كتاب المخلوقات، لا يوجد مرحلة تطور فيها الكون أكثر مرحلتنا.. مرحلة الحياة.
تذكر دائماً… الكون كبير ومذهل؟. نحن أيضاً مذهلين.

المصادر :

Will the Great Attractor Destroy Us?
Whats the Coldest Place in the Universe?
List of the most distant astronomical objects
Astronomers Find Quasar With Temperatures Hotter Than Thought Possible
Boötes void
Mysterious “supervoid” in space is largest object ever discovered, scientists claim
Quasar
كويزر
الجذاب العظيم ” عمد السماء “
الجاذب الأعظم (مدمر الكون)

تاريخ النشر : 2019-02-19

البراء

مصر - للتواصل: [email protected] \\ مدونة الكاتب https://baraashafee.blogspot.com/
guest
55 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى