ديان فوسي.. المرأة الغوريلا
![]() |
ضحت بروحها من اجل الحيوانات |
لمحة عن حياتها
![]() |
ديان فوسي في طفولتها |
ولدت دايان في 16 ديسمبر/ يناير سنة 1932 في سان فرانسيسكو و تحديداً في كاليفورنيا في أمريكا، أبوها هو جورج اي فوسي الذي يعمل وكيل تأمينات و أمها هي كاثرين فوسي التي تشتغل في عرض الأزياء. لم تكن طفولة دايان مشرقة أبداً، و هذا ما ولد مستقبلها الكئيب، ففي سنة 1938 (اي حين كان عمرها 6 سنوات فقط) تطلق والداها بعد عدة شجارات محتدمة، و كان لهذا الحدث المؤلم تأثيراً كبيرا في نفس دايان البريئة. ذهب والدها بعد الإنفصال و غادر الأسرة، و بقيت هي مع والدتها التي إرتبطت في نفس العام برجل أعمال يدعى ريتشارد برايس، و الذي كان له تأثير سلبي في حياة دايان. أولاً،حرمها من التواصل مع والدها، و لم تبدِ أمها اي اعتراض على ذلك. ثانياً، عاملها بطريقة فظة للغاية دون مبرر، حيث كان يحتقرها و يعاملها و كأنها عبء ثقيل على الأسرة. ثالثا، لم يكن يسمح لها بالجلوس على طاولة العشاء معه و مع أمها، بل كان يُرسل لها الطعام في غرفتها. كل هذه الطاقات السلبية اثرت بطريقة سوداوية في حياة دايان، فمع إفتقادها للحياة العاطفية و المتزنة أصبحت ثقتها بنفسها مختلة. لم تكن تحب أمها، لكنها لم تكن تكرهها بتلك الدرجة التي تكِنُّها لزوج أمها. و بالرغم من كل هذه التعاسة المحدقة بها فإنها وجدت بعض الثغرات في حياتها التي ينفذ منها نور الأمل ليتشكل و يتجسد في الحيوانات، تلك الكائنات الرائعة التي أحبتها و إرتبطت بها بطريقة جمة.
بدأت رحلتها نحو حب الحيوانات منذ اول سمكة ذهبية حصلت عليها ، حيث تعلقت بها للغاية و اعتنت بها كما تعتني الأم الرؤوم برضيعها. و بعد ذلك إهتمت بالأحصنة، و تفننت في التفاعل معها و امتطائها.
بعد ان أنهت دايان مرحلتها الثانوية من التعليم إستعدت للإلتحاق بالجامعة و ارادت التخصص في الطب البيطري. و لكن لاح لها زوج أمها بوجهه الكظيم محاولا ان يعرقلها و يقف في طريق طموحاتها و أحلامها، و أراد منها دراسة الإقتصاد فرضخت لأمره ظاهرياً فقط لكي تسكته، ثم إمتثلت لرغباتها الجامحة و لم تهتم لأوامره و أسدلت الستار عليه و على توجيهاته الباطلة، و لها كل الحق في ذلك فكيف تمتثل لأوامر من ازدراها و إحتقرها بوحشية دون سبب يُذكر؟ فما كان من هذا الأخير إلا ان هددها بوقف رعايتها ماديا ، لكنها رمت تهديداته و توعداته عرض الجدار و عملت بجهد جهيد لتحقيق مبتغاها في الإرتباط بالحيوانات التي وجدت في كنفهم الراحة و الثقة. و لتسديد مصاريف الدراسة عملت كعاملة في مختلف المصانع و الدكاكين و إستمرت في مسيرتها لتحقيق أهدافها، تتعثر و تسقط حينا ، لكنها لا تبقى عاجزة على الارض. عموما، لم تكن دايان تحب الحديث عن ماضيها الأسود، و لم تكن تثق في اي بشري طوال حياتها.
الغوريلات
![]() |
شُغفت بالغوريلات الجبلية |
عام 1967 سافرت دايان الى رواندا في افريقيا ، و هناك شُغفت بالغوريلات الجبلية ايما شغف، و أنشأت مركزا للأبحاث هناك يسمى بـ “كاريسوكي” لدراسة الغوريلات التي كانت تستوطن تلك المنطقة، و توافد على ذلك المركز الكثير من العلماء من أنحاء العالم.
حز في نفس دايان اعداد الغوريلات المحدود، حيث لم يكن يتجاوز بضع مئات، و قررت إنقاذها من الإنقراض و لذلك درستها دراسة مطولة و مكثفة و تفاعلت معها بطريقة مباشرة عبر تقليد عاداتها و أصواتها، فكانت تصدر أصواتا مفخمة كعلامة جلية للغوريلات بأنها لا تنوي اذيتها، و تتقدم زحفاً على بطنها لأن رفع القامة يمثل تهديداً و إعتداءً على الغوريلات ، واكتشفت ان هذه الحيوانات الضخمة والقوية ليست خطرة كما يصوره فيلم “كينغ كونغ”King Kong، و كان الغوريلا الأقرب إليها إسمه “ديجيت” حيث انه كان الألطف و الاكثر ودا معها، و كانت تتعرف إليه عبر علامة واضحة فيه، و هي إصبعه الأوسط المكسور.
الصيادون غير الشرعيون
![]() |
يتم قتل الغوريلات من اجل لحومها او تستعمل اجزاء من اجسادها كالايدي والرؤوس كتذكارات او وصفات في العلاج الشعبي الصيني او في ممارسة السحر |
كانت دايان تمقت الصيادين بشدة، و ازداد ذلك بعد ان تم قتل الغوريلا الأحب إليها “ديجيت” من قِبلهم عبر اصطياده و قطع رأسه. و بعد الحادثة المريرة التي خلفت غضباً عارماً في نفسها قامت بمكافحتهم بشدة، فقبضت على الكثير منهم و اذلتهم و اهانتهم و ادخلت بعضهم للسجن. و قبل ذلك كانت تستعمل وسائل متعددة في ابعاد هؤلاء الصيادين عن كوخها و غوريلاتها، منها انها كانت تجوب الغابات ببطء رهيب و هي ترتدي احد أقنعتها المخيفة لترعبهم فيولون على أعقابهم مذعورين.
المرض
![]() |
في سن مبكرة اصيبت بمشاكل صحية |
في سن مبكر،اصيبت دايان بمشاكل نفسية و رئوية ثم داء الإنسداد الرئوي المزمن لأنها كانت مدخنة شرهة، و بسبب ذلك أصبحت لا تقوى على الحراك جيداً فقَلَّت زياراتها لأحبابها الغوريلات وكانت تستخدم أسطوانات الأكسجين عندما ينقطع النفس عليها إثر نوبات السعال الحادة او القيام بمجهود مكثف.
الموت
![]() |
يشوب الغموض موتها .. على الارجح قتلت على يد الصياديين غير الشرعيين |
أُغتيلت دايان على يد بني جنسها في 27 ديسمبر 1985، و كانت محقة في عدم الإرتياح لهم، و لا تزال حادثة موتها غامضة و مفتوحة للمحققين و الشرطة منذ 30 سنة، فقد وُجدت دايان مقتولة في كوخها ، وكان واضحا انها قتلت بواسطة ضربات قوية بالفأس. ولم تُقتل بدافع السرقة، اذ ان القاتل لم ينهب شيئاً من ممتلكاتها الثمينة، كآلاف الدولارات و الشيكات السياحية و المجوهرات. و يُعتقد ان من قتلها هو احد الصيادين غير الشرعيين بعد ان أفسدت عليهم دايان الغنائم النفيسة التي يمكن لهم ان يحصلوا عليها من اصطيادهم للحيوانات النادرة بدافع الإنتقام.
الكتب و الأفلام
![]() |
تم انتاج فيلم عن حياتها من بطولة الممثلة سيغورني ويفر |
ألفت دايان كتاباً يسمى “غوريلات في الضباب” و هو مشهور و ذائع الصيت، لكن عنوانه لم يُعجب احداً. كما تم تأليف فيلم على اسم كتابها سنة 1988 و فيه تم عرض العديد من زوايا حياتها الشخصية و مسيرتها مع الحيوانات و تفاعلاتها معهم.
ختاماً
حُزَّت هذه القصة في نفسي، تماما كقصة ايد جين. فأنا لا أستغرب لرغباتها الغريبة، لأن الذين اشرفوا عليها و ربوها لم يكونوا في المستوى الذي يسمح لهم برعاية الأطفال، لكن لظروف الحياة الواقعية ايضا لمستها الخاصة. آسف على الإطالة وأتمنى ان ينال الموضوع إستحسانكم، و أردت ان اختم المقال بقول مأثور خلده التاريخ لدايان فوسي و هو:
((عندما نفهم الحياة بكامل أنواعها و مفاهيمها، يصبح لدينا إهتمام أقل للماضي و نظرة ابعد و انجح للمستقبل.)).
المصادر :
– Dian Fossey-Wikipedia
– Dian Fossey-Gorilla Fund
– Dian Fossey-Btitannica
– Dian Fossey-The Gorilla Organization
تاريخ النشر : 2019-05-02