سيمفونية فتاة يائسة
أترنح نحو الخارج وأجلس على عتبة مقابلة للباب الداخلي |
عنف قلم
أرى جسدي النحيل يقف على صندوق خشبي هش و مشنقة تتدلى من السقف أمام وجهي ، ثم يلوح أحد الرجال ويهم بغمر رأسي في كيس بلون الليل فأدفعه بعيداً وأختار أن أنظر ، أن أبصر الخيانة والنهاية ولا أرتعب…
ثم تلتف المشنقة كالأفعى بعنقي ويتهشم الصندوق فيقع جسدي ولا أقع ، فتخنقني أكثر فأكثر ويخنق عنقي ولا أخنق.. حتى يذوب عقلي وتشل حواسي ، فلا أذوب ولا أشل ثم أنهض من كابوسي المهزوم على واقع هو اللعنة و الذنب الذي لم أرتكبه…
أفرك عيناي بقوة وأحدق ، فأجد أني في الفصل أدرس عن هراء لغوي لعين جعل الضجر يتغلغل بعمق في عظامي
وكدت أبصق ملء فمي وأنا أتحسر على مستقبل يقوده جيل يلقن دوغمائية مثيرة للغثيان ، ويبرمج على التفكير النقلي كآلة مخبولة عاجزة عن التفكير.. وها هي الصفارة المفزعة ترن فتتسلل إلى أذني كالموسيقى ، إنه أجمل وقت في يومي الدراسي الممل ، ولأن في حوزتي ساعة فراغ قبل أن أعود إلى السجن أضطر للاعتكاف في ذاك الجحيم ..
فأترنح نحو الخارج وأجلس على عتبة مقابلة للباب الداخلي ، أدس الفن في أذني وأسحب دفتري الممزق الأسطوري لأخلق بعض العبارات والأرواح الشاردة والشياطين… وأنجرف كلياً مع خيالي فأفقد الإحساس بالمكان و الزمان متملصة من وطأة جسدي البشري ولعنة الأرض ، فلا أرى غير العتمة تمتزج بألوان قوس قزح بينما ينفجر الدم من حيث لا أدري ويعزف بيتهوفن في أذني بغيتار كهربائي صارخ.. بينما يتصاعد الصراخ بهستيريا فأهرول نحو المجهول ، لتلفني أجنحة الغربان المتفحمة وأحلق بينما تتحول يدي للهستيريا وتكتب بعنف ، ثم تلمسني إحداهن فأعود مجبرة لنفس الرقعة من الأرض…. وأجد أن جميع المخبولين يحدقون بي كما يحدق المخبولون تماماً ، أنظر إلى دفتري لأقرأ ما كتبت فأجد الورقة ممزقة على الأرض ، وغير قابلة للجمع… تحطمت أكثر مما ينبغي ولا علاج لها !
يبدو أني كاتبة مرعبة و قلمي مدبب أيضا .. من قال أن الكتابة ناعمة يا قوم ؟ إقطعوا رأسه ..
** ** **
عمق قاتلة
كدت أنهزم في مخاض الأيام فأفر من الرحم قبل الولادة ، وأقع من الرحم اللعين مائلة ينهش الفراغ أعماقي. لكن تأبي الروح أن تنهزم ، أن تزاح بلا حرب و رصاص و وردٍ غارق بعبق الدم
كنت محاربة غير قابلة للترويض ، ربما لذلك دائما أردد أني لا أهزم و لم أفعل ، لأني أدرك أن الهزيمة نابعة من الداخل. والأنا وحدها تقرُّها.. أما الآخر فلا نفوذ لديه وينتصر بمجرد أن يمس الأنا ويعبث بها .
أما أناي فقد كتب أعلاها “ممنوع اللمس” لأنها تحدث محرقة إن اقتربت منها شبراً ، أما إذا كنت انتحارياً فقل لربك أني أقول مرحباً..
**
نقشت أناملي كل هذا على إحدى الأوراق العارية ، و طوفان يرتج في فكري بهستيريا تسللت إلى جسدي البشري البغيض ، بينما تركزت عيناي في الجدار أمامي .. جدار يروي عمري الذي مر وأنا بين الجدران ، في الجدران وأمام الجدران. دفنت رأسي بين ذراعي لا خزياً بل لأتنفس و أنا من لا تتنفس .
جعلت أنفاسي تتسارع وكأنني أسحب أوكسجين العالم ولا أرتوي بل أختنق أكثر…. لا يمكن لحالي أن يسوء.
هذا تماماً ما قلته قبل أن يسوء ، فقد قفز ضجيج لا يطاق إلى أذني ، نظرت عبر النافذة ورأيت قطيعاً من الذكور المقرفين ، وبمجرد أن أبصرني أحدهم حتى أخرج لسانه وطفق يلعق الأفق من باب إغوائي وانضم له البقية ، في هذه الحالة كانت أمي ستطلب أن أخرس وأتجاهلهم وكالعادة لن أخرس ولن أتجاهلهم ، تحول كل شيء للأسود أمامي .
ركضت إلى المطبخ وجررت سطلاً من الكحول إلى النافذة ، لأسكبه على رؤوسهم و أشعل عود ثقاب ناظرة إلى وجوههم المرعوبة ، وقبل أن يستوعبوا الفكرة ابتسمت بمكر قاذفة عود الثقاب نحوهم… ثم لا أذكر جيداً ما وقع .
خلدت إلى النوم وأذكر الكثير والكثير من الصراخ.. ألم أقل أن من يقترب من الأنا خاصتي يحترق ؟ حسناً .. هل أنظر من النافذة ؟
تاريخ النشر : 2017-11-18