صراع عالمين (الوصول)
اندلع قتال طاحن استمر لأيام |
في القديم الغابر .. حين كانت الخوارق منتشرة في هذا العالم و الوحوش تسوده و تسرح في أرجائه ، ظهر ساحر ذو قوة مهابة يدعى ” ويزدوموتوس ” أخذ على عاتقه تخليص البشر من شرور تلك الكائنات ، فدعا الملوك و الحكام إلى الإتحاد لإبادة ما يمكن إبادته من هذه المخلوقات التي أقضت مضجع الجنس البشري لعصور ..
فعلا تم له ما أراد ، فاتحدت الممالك و أسس مجلس ” يوكيساس ” الذي أخذ على عاتقه مهمة قتال الوحوش و كسر شوكتها ، و قد نجح في مسعاه ، لكن ” ويزدوموتوس ” خشي من عودة الوحوش من جديد فألقى أقوى تعويذة لديه و سد المنافذ التي تربط بين عالم البشر و ” سيفثالا ” عالم الفوضى الذي تنتمي إليه هذه الوحوش ، و كان ذلك في قرية ” صابريكوسا ” التي شيدت في أقرب نقطة بين العالمين ، و لكن دفع ” ويزدوموتوس ” الثمن غاليا ، فلكي تنجح التعويذة كان يجب عليه أن يضحي بنفسه ، فبعد استكمال التعويذة أحاط به نور تعمى له الأبصار أحاله إلى رماد .
مضت مائتا سنة على تلك الحرب ، و نسيها أغلب الناس إلا أن قاطني ” سيفثالا ” عالم الفوضى لم ينسوها و لو للحظة واحدة رغم انشغالهم بقتال بعضهم البعض ، إذ انقسموا إلى شقين متنازعين ، الشق الأول تحت قيادة ” سانتوس – فارس النور – ” و الذي أراد عقد سلام أبدي مع البشر ، و الشق الثاني تحت إمرة ” داركنوس – ملك الظلمة – ” الذي أراد تدمير البشر و الانتقام منهم لما فعلوه قبل مائتي سنة .
و هكذا اشتعلت نيران الحرب بين الطرفين إلى ما لا نهاية ، و لكن ” داركنوس ” تمادى في أفعاله و انتهز فرصة غياب ” سانتوس ” ليهجم على قصره خلسة في ظلام الليل و يخطف زوجته ” أوليسا ” و ابنه الرضيع ، ثم تزوجها رغما عنها بعد سجنها في إحدى زنزانات قصره ، و ما إن عاد ” سانتوس ” بعد ثلاثة أشهر و علم بما جرى حتى استشاط غضبا و جن جنونه و زحف بكل قواه على قلعة ” داركنوس ” .
التقى الجيشان في سهل “غريكس” المقابل لها و قد اشتركت في هذه المعركة كل كائنات ” سيفثالا ” فانضم إلى ” داركنوس ” عمالقة النار من بركان ” فولكانوس ” و عفاريت الظلام من بني جنسه من كهوف ” ديمونوز ” و أيضا المتحجرون و كائنات ” ديرتوس ” الطينية من مستنقعات ” تيتاريس” ..
أما جيش ” سانتوس ” فقد تكون من ملوك الجليد من قمم جبال ” أستريدوم ” و حراس غابات ” أفيرا ” و أسياد الريح من مرتفعات ” ستورموز” الشاهقة و كذلك مقاتلو الشمس من بني جنس ” سانتوس ” ، و اندلع قتال طاحن استمر لأيام إلى أن التقى ” سانتوس ” في درعه الذهبي و هو يحلّق بجناحين ناصعي البياض بغريمه ” داركنوس ” في درع أسود برزت منه قرونه و جناحيه شديدي السواد .
دار بينهما في سماء ميدان المعركة قتال شرس دمر أثناءه سجن ” أوليسا ” ففرت هاربة بابنيها ” لايتنوس ” طفل ” سانتوس ” و ” ميستوس ” طفل ” داركنوس ” ، و بينما كانت تعبر أحد أنهار الحمم رآها بعض من عمالقة النار فقاتلتهم قتالاً شديداً إلى أن هُزمت ، لكن قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة تلت تعويذتين أولهما تعلقت بابنيها و سيكون لها بالغ الأثر على حياتهما مستقبلاً ، أما الثانية فقد فتحت بها بوابة إلى عالم البشر و أرسلت ابنيها عبرها إلى ذاك العالم ثم أغلقتها ، و كانت قدرتها تلك هي ما جعلها محط أطماع ” داركنوس ” الطامح إلى غزو عالم البشر .
و بعد انتهاء المعركة انجلى غبارها عن مصرع ” داركنوس ” على يد ” سانتوس ” الذي وجه إليه ضربة أطاحت برأسه ، لكن فرحته بالنصر لم تدم طويلاً إذ سرعان ما جاء جنوده بجثمان زوجته و خبر اختفاء ابنه ، فدمعت عيناه وخفت بريقه و تراخى جناحاه و سقط إلى الأرض مغشياً عليه ..
تعالى في عالم البشر بكاء الرضيعين ” ميستوس و لايتنوس ” فرآهما عفريت ظلام يدعى ” سيديس ” – و هو من القلة التي نجت من الحملة العسكرية لمجلس ” يوكيساس ” ، فتقدم سيديس بضع خطوات من ميستوس و حمله بين ذراعيه و سرعان ما أدرك أنه ابن زعيمه داركنوس ، لكنه ما أن بصر بلايتنوس حتى أدرك حقيقته و هم بقتله ، لكنه فوجئ بسهم فضي يخترق يده فصرخ صرخة اهتزت لها أركان المكان و التفت يمنة و يسرة لمعرفة مصدر السهم ، و ما إن رفع رأسه حتى رأى حورية غابة تدعى ” هانوغا ” و هي تستعد لإطلاق سهم ثان عليه ، فارتعدت فرائصه و في لمح البصر اختفى داخل غابة الموت كما كان يسميها سكان تلك المنطقة ، فقد كانت تعيش فيها الوحوش التي نجت من حملة مجلس يوكيساس .
أما هانوغا – الحورية – فقد أخذت لايتنوس إلى كهف في جبل بيدورا حيث كانت تعيش مع بقية حوريات الغابة .. و مرت السنوات و كبر الشقيقان و سلك كل منهما درباً مغايراً لدرب الآخر ، فميستوس – أنفاس الضباب – سار على منوال أبيه في كره البشر و الرغبة في تدميرهم ، أما لايتنوس – المجنح الذهبي – فقد كان مسالما و عازما على حماية البشر ..
و بعد مرور عشرين سنة على وصولهما إلى هذا العالم شن ميستوس هجوماً على أقرب قرية بشرية و هي قرية ” صابريكوسا ” ، و ذلك أثناء غياب لايتنوس فعاث فيها فساداً و قتل المئات و أسر آخرين ليتلذذ بقتلهم لاحقاً ، لكن لحسن حظ سكان صابريكوسا تصادف ذاك الهجوم مع مرور محاربين شرسين بها و هما أخوان يدعى الأول “زيروس” الفارس الأبيض ذو المهارة القتالية مرهوبة الجانب ، و قد كان فارساً في بلاط أحد ملوك العصر ..
أما الثاني فقد كان يدعى ” أغريغوس ” ساحق الجماجم و قد كان محارباً و صياداً ذائع الصيت تهابه كل الطرائد من حيوانات ووحوش ، و لما رأى الأخوان هجوم الوحوش اندفعا نحوها و أمعنا في قتلها حتى لاذت بالفرار لا تلوي على شيء ، أما ميستوس فقد ابتسم ابتسامة ذات مغزى ثم انسحب عائداً إلى غابة الموت ، فلحقا به الأخوان لاستعادة الأسرى ، و مرت ساعات طوال و أهل القرية ينتظرون عودتهما على أحر من الجمر ، و بينما هم كذلك إذ بضوء أزرق ساطع يغشى غابة الموت و تعالت معه صرخات الشقيقين ، فأدرك أهالي صابريكوسا أن الأخوين قد لقيا حتفهما و أجهشوا بالبكاء حزنا على ما جرى و خوفا مما سيأتي ..
لما عاد لايتنوس و أخبره أهل القرية بما جرى غضب و هم بالتوجه إلى أخيه لوضع نهاية له ، لكنه سرعان ما كظم غيظه وكان سبب تراجعه عن الهجوم تعويذة أمه التي ألقتها قبل عشرين سنة و التي تقضي بفتح بوابة ما بين العالمين إذا قتل أحدهما الأخر ، و رغم معرفة لايتنوس بقدرته على قتل أخيه و عجز الأخير عن ذلك إلا أنه استسلم للأمر الواقع حمايةً للبشر ، لكنه أدرك أن هناك أملاً قادماً .
يتبع ..
تاريخ النشر : 2016-06-16