أدب الرعب والعام
اللوذات
التفت إلى النجد فشاهد صاحب الدار مقتفياً أثره على ظهر حصانه شاهراً لسيفه المهند |
أطل الصباح بنوره ، تناول صاحب الدار فطوره ، بعد أن أرتدى ثيابه و في معطفه وضع محفظة نقوده ، طلب من زوجتاه إخراج الحصان من الإسطبل وشد سرجه ، رأى فيهن بعض التكاسل و في مشيهن بعض التمايل ، فقال : لقد أصبح فيكن لوذات ، عليكن الاستعجال وإحكام الشدات.
ركب حصانه وشد لجامه إلى السوق كان مقصده ومرامه ، ذهب بعد أن أوسع زوجاته شتم و وصمهن بالمهملات المقصرات المتكاسلات و أن أجسادهن مليئة باللوذات .
وقبل عودتهن إلى الداخل لمحن رجل غريب يقف من الباب غير بعيد.
كان قد سمع ما دار فخزنت في ذهنه و فكر و دبر في لحظته وحينه ، فبادرنه بالسؤال : من تكون وما عندك من الأسباب؟. وماذا تصنع بالحبل والألواح ؟.
قال : أجوب القُرى والبلدات ، أعالج الأوجاع والعلات ، و أما بخصوص الحبًل واللوحات
، أعالج بها اللوذات في النساء المتزوجات.
تبادلن فيما بينهن النظرات و تذكرن ما قاله لهن بعلهن أن فيهن لوذات ، فطلبن منه علاجهن وإزالة اللوذات من أجسادهن ليفزن برضى بعلهن.
حط لواحاته وحبله و أبدا استعداده.
فادخلهن الإسطبل الفساح و وضعهن الاثنتين بين الألواح متقابلات الوجوه والأقداح ، ثم شدهن بالحبل و وثق و إلى سقف الاسطبل رفعهن وعلق ، فحذرهن من أن تفكر إحداهن بأن تصيح و طلب من كلاهن تسليمه المفاتيح.
ففتح الصناديق والخزنات وحمل الدنانير والفضة والجنيهات ، ترك الأبواب مفتوحة والنساء في الإسطبل معلقة ، و رحل بما حمل من الدراهم والجواهر والدُرر ، من السوق ظهراً عاد تعبان ، وكل الطلبات محمولة على ظهر الحصان ، نادى على زوجاته كي تخرج لملاقاته ، كرر النداء و رفع الصوت فلا مجيب لمناداته.
نزل من حصانه و دخل عُقر داره ، فوجد زوجتاه مربوطتان بين الألواح معلقتان كأنهن سمكتان على الفرن تنضجان ، فسألهن : من شدكن هذه الشدات ؟ فأجبن بصوت واحد : أنهُ مساوي اللوذات.
بعد اليوم سترانا مستقيمات سويات الاجساد لا منثنيات و لا منحنيات.
أعطيناه مفاتيح الدار ، حتى تعود وتعطيه الإيجار ، ستراه في المجلس قاعد محمش العضلات و السواعد .ِ
نظر اليهن نظرة مغبون وداهمته الأوهام والظنون ، من صنيع هذا المعالج ومن يكون.
تركهن في وضعهن وهرع و إلى المجلس طلع ، فوجد الصناديق مفتحة والخزنات مقلعة ، سُرق كلما فيها.
صاح و لقميصه شط و ما كان على حصانه حط و إلى ظهره نط ، طرق مسرعاً طريق الطوارق متلهفاً مندفعاً لاحقا للسارق ، كان مساوي اللوذات قد وصل منتصف الوادي ، التفت إلى النجد فشاهد صاحب الدار مقتفياً أثره على ظهر حصانه شاهراً لسيفه المهند ، فوقف محتار فحمله ثقيل وأمامه نقيل ، وصاحب الدار يلاحقه لن يحيل ولن يميل.
فكال الوادي بعينيه وصب ، فلمح بتول في جربه من الجرب ، فغير وجهته واليه ذهب.
ألقى السلام و على مقربه منه استقام ، قد اثقل كاهله ما يحمل من المسروقات.
سأله البتول : لماذا أنت هارب ؟.
قال : أنظر إلى النجد ، اثرى الرجل الذي على الحصان يشيط و للطريق بعدي يخيط ؟.
يريد أن يقطع رأسي و يصنع منه موعى للسليط.
فالخرج على حصانه مليء بالرؤوس.
فهو يقطع كل ما يجد من الرؤوس أصلع .
أوقف البتول الأثوار و تبادل مع مساوي اللوذات الأفكار.
فرأس البتول أصلع والشمس عليه تلمع ، طلب من مساوي اللوذات أن يعيره شاله ليغطي به رأسه حتى يعبر مقطع الرؤوس و أهواله.
قال : لا فائدة ، سيطلب منك الكشف عن رأسك
كما فعل مع من سبقك.
قال: أنت شعر رأسك كثيف حسب ما أنا شايف.
فلماذا أنت هارب و خايف ؟.
الحل أن تحل أنت محلي ، تحرث بعد الأثوار بدلاً عني ، بينما أنا ألوذ بالفرار و أسلم رأسي.
أبدى موافقته ، ثم وضع ما كان يحمل على ترقوته ، و أشترط أن تكون الأثوار مكافأته ، مقابل إنقاذه لحياته.
تقدم فأمسك المحراث و بتل وغرد بحرارة ، بينما فر البتول بأطماره.
وصل صاحب الدار وحصانه يثير الغبار.
فسأل البتول :
هل رأيت شخص فر في هذه الطريق مر ؟.
إجابه باستحسان و أتاه بالبرهان.
نعم ، محمل وقد سقط منه هذان المفتاحان.
نظر فإذا بهن مفاتيح داره ، فزاد يقيناً بصدق أخباره.
قال : فمن أي طريق عبر كي أقصه بالأثر ؟.
قال : سلك النقيل المنحدر ، لن تسطيع اللحاق به لصعوبة النقيل و وعورة شعابه ، إن أردت القبض عليه بإحكام تركت الحصان ومشيت على الأقدام.
استحسن الرأي وجد بالسعي ، التفت البتول فرأه بعده بالحضور ، شعر بأن رأسه سيُقطع لا محاله.
فكر و قال : بما أنه يريد رأسي يستعمله للسليط موعى ، سأحدث فيه عيب أمر و أدهى.
أكسر رأسي فلا يصًر لا سليط و لا ماء .
دنى و أخذ من الأرض حجرتين و بيديه الاثنتين دق راسه من الجهتين ، و قال : لا لي ولا لك و لا للسليط.
ويستمر بثقب رأسه ليحدث فيه عيب فلا يصلح أن يكون موعى للسليط.
و كلما اقترب منه زاد في الدق وضرب رأسه بالأحجار أكثر فأكثر و ثقبه حتى أطبق عليه صاحب الدار ، فقص عليه ما جرى وصار ، استغرب صاحب الدار من هذه الأخبار ! فأمسك يديه وحال بينه وبين ضرب رأسه ، حتى استقرت أنفاسه ، فأخبره بما جرى و كان.
فقال : لقد نكبني و نكبك و نكب النسوان ، هيا نلحق الأثوار والحصان ،
فلما أطلا على الوادي كان مساوي اللوذات قد حمـل المسروقات على الحصان و ذاد الأثوار وسلك الطريق الأمان ، بينما عادا يقلبا الكفان ، فراس البتول مثقوبة من الدق بالأحجار ، و قدما صاحب الدار مشققة و زوجاته معلقه و أمواله مسروقه و أقفال بيته وصناديقه مكسرة ، وصل داره متغيرة أحواله ، فصوته خافت ولونه باهت ، فك لنسائه الرباط بحنان ، فظنين أنه نجح الامتحان ، وشفين من لوذت الذل والهوان ، فارتدين ثيابهن وخرجن فسألن بعلهن : أين الحصان ؟.
قال: أعطيت الحصان إيجار لمساوي اللوذات.
فلم يكفي ما كان في الصناديق والخزنات ، من الأن فصاعد لم يعد لديكن لوذات.
النهاية…….
الحكمة من القصة:
من لم يحفظ لسانه من الزلات لم ينجو من الويلات.
لا تظن أن الخلاء ملك لك وحدك ، من ذرى الحيلة جنى الفقر.
تحياتي لمن قرأ و شكري لمن علق وعرفاني لمن دقق ونشر ، ودمتم مسرورين مستورين ميسورين بإذن الله.
تاريخ النشر : 2020-08-12