أدب الرعب والعام

اللوذات

بقلم : عطعوط – اليمن

التفت إلى النجد فشاهد صاحب الدار مقتفياً أثره على ظهر حصانه شاهراً لسيفه المهند
التفت إلى النجد فشاهد صاحب الدار مقتفياً أثره على ظهر حصانه شاهراً لسيفه المهند

 
أطل الصباح بنوره ، تناول صاحب الدار فطوره ، بعد أن أرتدى ثيابه و في معطفه وضع محفظة نقوده ، طلب من زوجتاه إخراج الحصان من الإسطبل وشد سرجه ، رأى فيهن بعض التكاسل و في مشيهن بعض التمايل ، فقال : لقد أصبح فيكن لوذات ، عليكن الاستعجال وإحكام الشدات.

ركب حصانه وشد لجامه إلى السوق كان مقصده ومرامه ، ذهب بعد أن أوسع زوجاته شتم و وصمهن بالمهملات المقصرات المتكاسلات و أن أجسادهن مليئة باللوذات .
وقبل عودتهن إلى الداخل لمحن رجل غريب يقف من الباب غير بعيد.
كان قد سمع ما دار فخزنت في ذهنه و فكر و دبر في لحظته وحينه ، فبادرنه بالسؤال : من تكون وما عندك من الأسباب؟. وماذا تصنع بالحبل والألواح ؟.
قال : أجوب القُرى والبلدات ، أعالج الأوجاع والعلات ، و أما بخصوص الحبًل واللوحات
، أعالج بها اللوذات في النساء المتزوجات.

تبادلن فيما بينهن النظرات و تذكرن ما قاله لهن بعلهن أن فيهن لوذات ، فطلبن منه علاجهن وإزالة اللوذات من أجسادهن ليفزن برضى بعلهن.
حط لواحاته وحبله و أبدا استعداده.
فادخلهن الإسطبل الفساح و وضعهن الاثنتين بين الألواح متقابلات الوجوه والأقداح ، ثم شدهن بالحبل و وثق و إلى سقف الاسطبل رفعهن وعلق ، فحذرهن من أن تفكر إحداهن بأن تصيح و طلب من كلاهن تسليمه المفاتيح.

ففتح الصناديق والخزنات وحمل الدنانير والفضة والجنيهات ، ترك الأبواب مفتوحة والنساء في الإسطبل معلقة ، و رحل بما حمل من الدراهم والجواهر والدُرر ، من السوق ظهراً عاد تعبان ، وكل الطلبات محمولة على ظهر الحصان ، نادى على زوجاته كي تخرج لملاقاته ، كرر النداء و رفع الصوت فلا مجيب لمناداته.

نزل من حصانه و دخل عُقر داره ، فوجد زوجتاه مربوطتان بين الألواح معلقتان كأنهن سمكتان على الفرن تنضجان ، فسألهن : من شدكن هذه الشدات ؟ فأجبن بصوت واحد : أنهُ مساوي اللوذات.

بعد اليوم سترانا مستقيمات سويات الاجساد لا منثنيات و لا منحنيات.
أعطيناه مفاتيح الدار ، حتى تعود وتعطيه الإيجار ، ستراه في المجلس قاعد محمش العضلات و السواعد .ِ

نظر اليهن نظرة مغبون وداهمته الأوهام والظنون ، من صنيع هذا المعالج ومن يكون.
تركهن في وضعهن  وهرع و إلى المجلس طلع ، فوجد الصناديق مفتحة والخزنات مقلعة ، سُرق كلما فيها.

صاح و لقميصه شط  و ما كان على حصانه حط و إلى ظهره نط ، طرق مسرعاً طريق الطوارق متلهفاً مندفعاً لاحقا للسارق ، كان مساوي اللوذات قد وصل منتصف الوادي ، التفت إلى النجد فشاهد صاحب الدار مقتفياً أثره على ظهر حصانه شاهراً لسيفه المهند ، فوقف محتار فحمله ثقيل وأمامه نقيل ، وصاحب الدار يلاحقه لن يحيل ولن يميل.

فكال الوادي بعينيه وصب ، فلمح بتول في جربه من الجرب ، فغير وجهته واليه ذهب.
ألقى السلام و على مقربه منه استقام ، قد اثقل كاهله ما يحمل من المسروقات.
سأله البتول : لماذا أنت هارب ؟.

قال : أنظر إلى النجد ، اثرى الرجل الذي على الحصان يشيط و للطريق بعدي يخيط ؟.
يريد أن يقطع رأسي و يصنع منه موعى للسليط.
فالخرج على حصانه مليء بالرؤوس.
فهو يقطع كل ما يجد من الرؤوس أصلع .
أوقف البتول الأثوار و تبادل مع مساوي اللوذات الأفكار.
فرأس البتول أصلع والشمس عليه تلمع ، طلب من مساوي اللوذات أن يعيره شاله ليغطي به رأسه حتى يعبر مقطع الرؤوس و أهواله.
قال : لا فائدة ، سيطلب منك الكشف عن رأسك
كما فعل مع من سبقك.
قال: أنت شعر رأسك كثيف حسب ما أنا شايف.
فلماذا أنت هارب و خايف ؟.
الحل أن تحل أنت محلي ، تحرث بعد الأثوار بدلاً عني ، بينما أنا ألوذ بالفرار و أسلم رأسي.

أبدى موافقته ، ثم وضع ما كان يحمل على ترقوته ، و أشترط أن تكون الأثوار مكافأته ، مقابل إنقاذه لحياته.
تقدم فأمسك المحراث و بتل وغرد بحرارة ، بينما فر البتول بأطماره.
وصل صاحب الدار وحصانه يثير الغبار.
فسأل البتول :
هل رأيت شخص فر في هذه الطريق مر ؟.
إجابه باستحسان و أتاه بالبرهان.
نعم ،  محمل وقد سقط منه هذان المفتاحان.
نظر فإذا بهن مفاتيح داره ، فزاد يقيناً بصدق أخباره.
قال : فمن أي طريق عبر كي أقصه بالأثر ؟.
قال : سلك النقيل المنحدر ، لن تسطيع اللحاق به لصعوبة النقيل و وعورة شعابه ، إن أردت القبض عليه بإحكام تركت الحصان ومشيت على الأقدام.
استحسن  الرأي وجد بالسعي ، التفت البتول فرأه بعده بالحضور ، شعر بأن رأسه سيُقطع لا محاله.

فكر و قال : بما أنه يريد رأسي يستعمله  للسليط موعى ، سأحدث فيه عيب أمر و أدهى.
أكسر رأسي  فلا يصًر  لا سليط و لا ماء .

دنى و أخذ من الأرض حجرتين و بيديه الاثنتين دق راسه من الجهتين ، و قال : لا لي ولا لك و لا للسليط.
ويستمر بثقب رأسه ليحدث فيه عيب فلا يصلح أن يكون موعى للسليط.

و كلما اقترب منه زاد في الدق وضرب رأسه بالأحجار أكثر فأكثر و ثقبه حتى أطبق عليه صاحب الدار ، فقص عليه ما جرى وصار ، استغرب صاحب الدار من هذه الأخبار ! فأمسك يديه وحال بينه وبين ضرب رأسه ، حتى استقرت أنفاسه ، فأخبره بما جرى و كان.
فقال : لقد نكبني و نكبك و نكب النسوان ، هيا نلحق الأثوار والحصان ،

فلما أطلا على الوادي كان مساوي اللوذات قد حمـل المسروقات على الحصان و ذاد الأثوار وسلك الطريق الأمان ، بينما  عادا يقلبا الكفان ، فراس البتول مثقوبة من الدق بالأحجار ، و قدما صاحب الدار مشققة و زوجاته معلقه و أمواله مسروقه و أقفال بيته وصناديقه مكسرة ، وصل  داره متغيرة أحواله ، فصوته خافت ولونه باهت ، فك لنسائه الرباط بحنان ، فظنين أنه نجح الامتحان ، وشفين من لوذت الذل والهوان ، فارتدين ثيابهن وخرجن فسألن بعلهن : أين الحصان ؟.

قال: أعطيت الحصان إيجار لمساوي اللوذات.
فلم يكفي ما كان في الصناديق والخزنات ، من الأن فصاعد لم يعد لديكن لوذات.
النهاية…….
 
 
الحكمة من القصة:

من لم يحفظ لسانه من الزلات لم ينجو من الويلات.
لا تظن أن الخلاء ملك لك وحدك ، من ذرى الحيلة جنى الفقر.
تحياتي لمن قرأ و شكري لمن علق وعرفاني لمن دقق ونشر ، ودمتم مسرورين مستورين ميسورين بإذن الله.

تاريخ النشر : 2020-08-12

الفهد

اليمن . للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
11 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى