منوعات

دافيد رايمر: تجربة مجنونة أودت لمأساة

تخيل عزيزي القارئ أن الله خلقك بجنس معين، لكنك وقعت بيد أحد المجانين والذي قرر أن يتلاعب بحياتك و مستقبلك.. ويجعلك فأر تجارب لإرضاء فضوله وخياله وأبحاثه ونزواته المريضة. وتخيل أيضا أن كل هذا تم بموافقة أهلك! أجل أهلك الذين من المفروض أن يحموك ويعتنوا بك ليس لشيء سوى لانك مازلت رضيعا بلا حول ولا قوة.
قصة اليوم أو مأساة اليوم حدثت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. حيث عرف العالم وخاصة العالم الغربي انفتاحا وتحررا في كل المجالات، وانعدمت الضوابط الأخلاقية خاصة في بعض الأمور التي كانت قبل ذلك من المحرمات ويرفضها الناس والمجتمع مثل التحول الجنسي والمثلية.. والتي أصبحت خلال تلك الفترة شيئا عاديا ومقبولا، كما ساهمت بعض النظريات العلمية الجديدة والغريبة التي أجراها وروج لها بعض المجانين الذين اعتبروا أنفسهم أطباء وباحثين وعلماء في نشر هذه الأفكار الغريبة. واليوم ستتعرفون على إحدى النتائج الوخيمة لهذه النظريات المجنونة، وإليكم قصة دافيد رايمر.

خطأ طبي .. بداية المعاناة

ولد التوأمان براين وبروس رايمر عام 1965، في مدينة وينيبيغ في مقاطعة مانيتوبا بكندا لوالدين شابين. كان الطفلان براين وبروس طفلان طبيعيان وبصحة جيدة وقد تم تغيير اسم بروس الى اسم دافيد فيما بعد. في عمر الستة أشهر بدأ التوأمان دافيد وبراين يعانيان من صعوبة في عملية التبول، فتم عرضهما على الأطباء الذين قرروا أن يخضعوا الطفلين إلى عملية ختان لعلاجهما .

برايان ودافيد رايمر رضيعين
دافيد وبرايان رايمر رضيعين
إقرأ أيضا: ناتاشا كامبوش .. الطفولة المغتصبة

في عام 1966 تم إجراء عملية الختان للتوامين براين ودافيد وتم البدء بدافيد. وقد استعملت طريقة جديدة وهي الكي الكهربائي حيث يتم حرق جزء من الجسد لإزالته أو عزله. وتمت العملية على دافيد، لكنها لم تتم كما كان مخططا لها فقد احترق العضو التناسلي للطفل كليا تقريبا ولم يكن بالإمكان إصلاح الضرر أبدا .

فقرر الأطباء بعد ما حدث مع دافيد ألا يجروا الختان على شقيقه التوأم براين، والذي تحسنت حالته فيما بعد وأصبحت عملية التبول عادية وسليمة عنده. أما دافيد فقد قرر الأطباء أن حالته لن تسمح له بممارسة حياته الجنسية بشكل طبيعي وسيبقى هكذا طول حياته ولا يمكن علاجه أبدا.

رغم قلق الوالدين الشابين وحسرتهما على طفلهما دافيد وتقطع سبل علاجه إلا أنهما وبعد شهرين من الحادثة الأليمة، وبينما كانا يشاهدان برنامجا تلفزيونيا خلال السهرة.. تحدث طبيب يدعى جون موني خلال البرنامج عن نظريته الجديدة المتعلقة بتحديد الميول الجندرية (الجنسية) عند البشر. وقد سمي نظريته بنظرية حياد الجندر.. بحيث افترض أن الهوية الجندرية لا تولد مع الأطفال وليس لها علاقة مع الهرمونات أو الكروموسومات أو الجينات.. بل الهوية الجنسية تكتسب نتيجة التعلم الاجتماعي منذ الطفولة. أي أن جنس الطفل ليس فطريا بل مكتسبا، وأنه يمكن تغيير الجنس باستخدام تدخلات جراحية وتربية سلوكية مع الجنس المراد الحصول عليه. كما يمكن الاعتماد على العلاج بالهرمونات لإكمال عملية التحول من جنس إلى آخر وبمساعدة جراحية بزراعة أعضاء أو استئصال أعضاء أخرى.

الدكتور جون موني
الدكتور جون موني
إقرأ أيضا: متلازمة ستوكهولم: حينما تعشق الضحية جلادها

وكما تمت الإشارة سابقا فإن فترة الستينات والسبعينات عرفت بروز نظريات غريبة وأفكار شاذة. وقد كان موني وبعض الأطباء أمثاله من بين الأشخاص الذين جاؤوا بنظريات جديدة وأرادوا إثباتها وتأكيدها. وقد اعتقدوا أن الأطفال المولودين بخلل خلقي في المنطقة التناسلية يمكن تغيير جنسهم وأن التربية هي المسؤولة عن تحديد الجنس عند الانسان.

لقد عرف عن الطبيب جون موني أنه من دعاة المشاعية الجنسية والمثلية أيضا وحتى الجنس بدون حدود وظوابط. فبعد أن كانت مثل هذه المواضيع من المحرمات في العالم الغربي، أصبحت خلال تلك الفترة من أكثر المواضيع انتشارا مع ظهور المدافعين عنها وتشجيع العلماء المجانين أمثال جون موني.

دافيد رايمر.. فأر تجارب

بعد مشاهدة البرنامج الذي استضاف الطبيب جون موني قرر والدا دافيد رايمر اصطحابه إلى الولايات المتحدة عام 1967.. وذهبا الى ولاية بالتيمور حيث يوجد مستشفى جون هوبكنز وهناك قابلا الطبيب جون موني وتحدثا معه وعرضا عليه حالة ابنهما دافيد وماحدث له. لم يصدق الطبيب موني نفسه فهو الآن قد وجد عينة ممتازة لتجريب نظريته الغريبة عليها، فهو وزملائه كانوا يرغبون بإثبات نظريتهم حول كيفية تحديد وتغيير الجنس عن طريق السلوك والتربية والتدخلات الجراحية. وهنا وافق الطبيب جون موني على تبني حالة الطفل دافيد رايمر وشرح لوالديه مايجب فعله. ولان والدا دافيد كانا شابين قليلي الخبرة والتجربة في الحياة فقد وافقا على ذلك متأملين أن تتحسن حياة ابنهم ويعيش بشكل عادي.

blank
أكد الطبيب لوالدي دافيد أن الطفل يمكن تحويله إلى فتاة طبيعية!

بدأ الطبيب موني تجاربه السلوكية الغريبة والشاذة على دافيد، وأكد لوالديه أن الطفل يمكن تحويله إلى فتاة طبيعية.. وإن كانت غير قادرة على الإنجاب لكنها ستكون فتاة طبيعية. وبدأت سلسة من العمليات الجراحية القاسية طيلة سنوات طفولة دافيد، حيث أقنع موني والدا دافيد أن تركيب مهبل هو أفضل شيء يمكن فعله له.. وقد اقتنع والدا دافيد بإجراء جراحة التحول الجنسي.

إقرأ أيضا: صفرمراد نيازوف : الديكتاتور الأكثر جنونا بالعالم

تم زرع مهبل بدائي لدافيد وتمت إزالة الخصيتين، وبدأت تربيته على أساس أنه فتاة، كل ذلك بإشراف جون موني.. وذلك من أجل صنع جسم أنثوي بزراعة أعضاء تناسلية أنثوية لدافيد. كما تم حقنه بالهرمونات على مدى سنوات عديدة، وتم تحويل اسمه إلى بريندا. كما كان الطبيب المجنون يأتي بالتوأمين معا ويجبرهما على سلوكيات جنسية منها أن يظهرا دون ملابس أمامه ويزعم أن هذا سيجعلهما متحررين من العقد الجنسية.

عُقد ومآسٍ..

رغم العمليات الجراحية والتربية السلوكية لجعله فتاة، وكذلك الهرمونات التي كانت تقدم له إلا أن دافيد لم يتقبل أن يتحول إلى فتاة. فرغم مظاهر الأنوثة التي بدأت تظهر على جسده بسبب الهرمونات إلا أنه بقي ذكرا من الداخل ولم يتقبل يوما أنه فتاة أبدا رغم معاملته من قبل والديه على أنه فتاة ورغم تطويل شعره وإلباسه لباس الفتيات إلا أن دافيد لم يتقبل أبدا أنه كذلك.

تمت تربية دافيد رايمر على أساس أنه فتاة
لم يتقبل دافيد كونه فتاة

رغم المأساة التي يعيشها دافيد رايمر مع من حوله إلا أن مشاهدته للطبيب موني يتحدث عن حالته في التلفاز، ويعرض صورا لعملية التحول هو مازاد من غضب وكره دافيد لحالته ولمن حوله. فقد كان الطبيب موني دائما ما يظهر في التلفاز متحدثا عن نظريته ونجاحها في تغيير جنس دافيد إلى أنثى ويعرض صورا لدافيد وكيف حوله إلى بريندا.

ومازاد الطين بلة هو معاناة دافيد رايمر من تهكم وتنمر ومضايقات زملائه في المدرسة بسبب عرض صوره في التلفاز. كما عانى من إحساسه الداخلي بأنه ذكر وليس فتاة رغم تغير شكله إلى فتاة. كان دافيد يتصرف كولد حيث كان يضرب ويتهجم على كل من يتهكم عليه أو يسخر منه وأخيرا قرر ترك المدرسة لأنه لم يعد يتحمل سخرية زملائه منه.

ظن الكثيرون أن ديفيد سيتمكن من تحقيق نضوج جنسي وينجح كأنثى. وكان موني يعتبر دافيد رايمر فرصة ذهبية لاثبات نظريته المجنونة خاصة وأنهما توأم فشقيقه براين سيكون سندا لفرضيته المجنونة .

إقرأ أيضا: مواد مذهلة تم إكتشافها في الجسم البشري

عندما بلغ دافيد سن 13 قرر أنه لن يبقى بنتا وطيلة السنوات اللاحقة خضع لجراحات تخلص بها من ثدييه الاصطناعيين وزرع له الأطباء عضوا ذكريا.. وصار يأكل كثيرا ليصبح بدينا ويغطي معالم الأنوثة التي اكتسبها بسبب الهرمونات. وتلقى حقن هرمون الذكورة (التوستيسترون) وفي سنة 1990 تزوج فتاة تدعى جين، وتبنيا ثلاثة أطفال.

دافيد رايمر وزوجته جين

ورغم كل ذلك، لم يتعاف دايفيد رايمر أبدا من قسوة تجربته رغم استعادة حياته كذكر وزواجه، وظل التهكم من الغير متواصلا حتى بعد أن كبر وبدأ في العمل فقد ظل زملائه يسخرون منه لأن الطبيب جون موني ظل يتحدث عن حالة ديفيد وتجربته في التلفاز وفي أبحاثه وكتبه.

حتى شقيق دافيد براين لم يسلم من هذه التجربة المجنونة، فقد عانى من اضطرابات نفسية حادة جعلت منه مجرما وضيفا دائما على السجن فقد أثرت فيه تجربة شقيقه دافيد ومعاناته الدائمة بسبب التجربة المأساوية التي عانى منها.

وفي أحد الأيام من عام 2004، وبعد أن أصبح غير قادر على تحمل المزيد من المعاناة والضغوطات في حياته الزوجية وعمله.. قاد دافيد رايمر سيارته إلى ضواحي المدينة التي يعيش فيها، وأطلق النار على أسفل فكيه ومات وهو ابن 38 عاما.

وانتحر دافيد برصاصة في رأسه
أنهى حياته بطلقة في الرأس..

انتهت مأساة دافيد رايمر الذي لم يعش يوما واحدا كشخص طبيعي. بل كانت حياته معاناة وسخرية وألما بسبب نظريات شاذة وغريبة أراد اصحابها تأكيدها لإثبات تفكيرهم المريض دون مراعاة معاناة البشر وكأنهم فئران تجارب..

لقد أنتجت الكثير من الأفلام والوثائقيات عن تجربة دافيد رايمر المأساوية، ولعل أبرزها الوثائقي الذي أنتج عام 2004 ..Dr. Money And The Boy With No Penis ..

مارأيك عزيزي القارئ في المقالة؟ وما رأيك في عمليات التحول الجنسي؟

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
Wikipediaعربي بوستموقع دخلك بتعرف
guest
16 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى