تجارب ومواقف غريبة

غرائب من مدينتي

قبل فترة بسيطة عدت لمدينتي لعدة أسباب خاصة لكني لم أتوقع أن الذكريات ستكون إحداها.

لقد زرت أقاربي وزرت المدينة وتجولت بها، لقد تغيرت مدينتي كثيرا، أشعر أنها تبكي بصمت. ولعل الحاضر تغير لكن الماضي غير قابل للتغيير. فبدأنا بالحديث عن ماضي المدينة وعن أحداث جميلة وذكريات خلابة قضيناها وعشناها في طرقاتها وبين جدرانها، ومن كلمة لكلمة أخذنا الحديث عن بعض الأمور والحوادث الغريبة التي حدثت سابقاً، وليس لها أي تفسير منطقي إذا ما فكرنا فيها.

تلك الأمور أمور غريبة وعجيبة، بل وإن بعضها لا يصدقه عقل، ولولا أنها حدثت أمام عيني لما صدقتها. وقد رغبت بمشاركتها في موقع كابوس من باب الإفادة، وربما إيجاد جواب لبعضها.

1 – شجرة الزيتون

كان لدى جارنا رحمه الله شجرة زيتون كبيرة عمرها يزيد عن 200 سنة. لقد كانت تلك الشجرة في منزل العائلة منذ أيام جد جده ولطالما كانت تلك الشجرة مثمرة بزيتون من نخب أول.

عموماً فقد تزوج ابنه ورزق بطفلة، وكانت فرحته بها كبيرة.. فقرر أن يبني لها أرجوحة لتلعب بها حينما تكبر، ولم يجد مكاناً أفضل سوى حديقة المنزل لكنه كان مضطرا لإزالة شجرة الزيتون لإفساح مجال للأرجوحة.

إلا أن موسم قطاف الزيتون في مدينتي تبقى له بضعة أسابيع، وقرر الانتظار حتى تثمر الشجرة ليقطعها. وبالفعل، أتى الموسم لكن العجيب بالأمر أن الشجرة أنتجت زيتوناً حامضاً على غير عادتها. لقد كان سيء الطعم لدرجة أنه اضطر لبيعه لمعمل الأعلاف بدلا من أكله.

إقرأ أيضا: حكاية من مدينتي

حينما عرف والده بالأمر قد قال له أن شجرة الزيتون رغبت تذكيرك بفضلها علينا.. لقد أطعمتنا كل هذه السنين وقد رغبت بتذكيرنا بفضلها فأنتجت لنا ما لا يؤكل، لا تقطعها. وبالفعل بعد أن قام الشاب بالأخذ بنصيحة والده ولم يقطعها، وقد عاد إنتاجها طبيعيا بالعام التالي.

2 – شجرة التوت

كان في وسط مدينتي مسجد قديم للغاية، وأمام المسجد زرعت شجرة توت لتكون وقفا خيرياً للمسجد. تلك الشجرة عمرها أكثر من 90 عاما، وهي ضخمة جدا. وكان إمام المسجد يعتني بها، حيث كان يسقيها الماء واذا ما كانت بحاجة السماد أو دواء فكان يشتريه من تبرعات المسجد.

في كل موسم كان أهلنا يعطوننا السلال لنقطف من الشجرة ونأخذ منها حاجتنا. لقد كان طعم التوت الذي تنتجه لذيذا وأكاد أستطعمه على لساني رغم أنها لم تعد موجودة.

توفي شيخ المسجد قبل موسم التوت بعدة أسابيع، وحينما حل الموسم أتذكر أننا قمنا بقطف التوت الا أن طعمه قد تغير تماماً. لقد أصبح طعمه اشبه بطعم ماء وسكر وكأن الشجرة لم يعد لها نفس بالإنتاج.

التوت لم يكن هكذا يوما من الأيام، لطالما كان لذيذا وله طعم جميل. بعد وفاة إمام المسجد قام بعض الناس بالاعتناء بها، لم يحرموها الماء لكنها ومع ذلك ساء إنتاجها.

العجيب بالموضوع أنه وبالعام التاليعاد إنتاجها طبيعياً كما كان في السابق. وكأنها حزنت على وفاة الرجل الذي يرعاها في ذلك العام وأنتجت توتا لا يؤكل!

3 – قصة النخلة

في قصة مشابهة تماماً في مدينتي أيضا كان لدى إحدى العائلات نخلة مثمرة تنتج تمرا وفيرا في كل موسم. عموماً فإن أحد أفراد العائلة والذي يدعى ب “سهيل” كان يعتني بتلك النخلة أشد العناية.

سهيل الذي كان يعمل في مجال البناء لم يكن يعتني بالنخلة فحسب، بل كان متعلقا بها لدرجة أن أهله قالوا أنه حينما يصاب بالأرق يذهب ويسهر الليل بجانبها. وقد توفي في حادثة آليمة بعد موسم القطاف بعدة أيام.

حينما حل موسم قطاف التمور لم تقم العائلة بتوزيع التمر للجيران.. رغم أنه وفي الثقافة السورية لا بد لكل شخص أن يوزع جزءاً من محصوله لجيرانه وأحبائه حتى لو كان لديه شجرة واحدة.

إقرأ أيضا: مدينتي الغامضة

حينما تم سؤال العائلة لماذا لم يوزعوا التمر كما العادة قالوا أن النخلة لم تثمر أي شيء في هذا العام، رغم أنهم قاموا بتلقيحها والاعتناء بها إلا انها لم تثمر.. وكما الحال بشجرة التوت فقد عادت النخلة للانتاج في العام التالي بشكل طبيعي.. وكأنها كانت في فترة حداد على من يرعاها.

4 – صرخة النخلة

إن كانت القصة الأولى غير عجيبة، فإن الثانية أعجب من العجب نفسه. لا أستطيع نسيان هذه القصة وإخراجها من رأسي مهما حاولت، لأن هذه القصة لم أسمعها من الناس كسابقيها. في الواقع شهدت عليها بنفسي.

في مدينتنا الصغيرة كان يوجد بستان عام، ذلك البستان كان مزروعا ويوجد فيه مختلف الأشجار وكان بعض السكان يعتنون بها ويبيعون محصولها ويذهب ريعها للعوائل الفقيرة.

عموما من ضمن تلك الأشجار كان هناك بضعة نخلات، وكان هناك شيخ كبير بالسن يعتني بهن ويدعى بالعم “كنعان”. فكان يخرج كل صباح إلى البستان ويسقيها الماء، ورغم كبر سنه إلا أنه كان يتسلق في بعض الأحيان ليقوم بتلقيحها وتقليم السعف.

عموماً فإن العم كنعان تركته زوجته متوفية وقد دخل عامه الرابع والثمانين أو الخامس والثمانين.. لا أذكر تحديداً.

أما أبنائه فكانوا مستقرين خارج المدينة مع عوائلهم، وقد تعب كثيرا بآخر عمره ولم يعد يستطيع الاعتناء بالنخيل، فقرر الجلوس بمنزله وأخبر السكان بذلك. لكنه طلب أن يتم نقل نخلة واحدة إلى حديقة منزله، تلك النخلة قام بزراعتها بنفسه حينما كان طفلاً وظل يعتني بها حتى كبرت.. وقال أنه لا يستطيع العيش بدونها وأنه يحتاجها لتؤنسه بوحدته بمنزله الكبير الفارغ.

عموماً فإن السكان قاموا بتلبية طلبه وفعلا نقلوها من البستان إلى منزله.

خلال الثلاث سنوات اللاحقة اعتنى العم كنعان بالنخلة أشد العناية، كان يخرج من منزله نادراً فكنت أراه دائما يقف ويجلس عند باب منزله ويعرض على المارة شرب الشاي معه. كما كان الجيران يقومون بإرسال أطفالهم إلى منزله كل فترة لشراء الحاجيات له من السوق فنظرا لكبر سنه لم يكن يستطيع الذهاب للسوق.

إقرأ أيضا:

لكن العجيب بالأمر أنه في كل موسم كان العم كنعان يوزع التمر مجاناً على الناس، لقد كان هذا التمر من النخلة. وقد كان يقطفه بنفسه ويرفض المساعدة من أي أحد ولم يسمح لأي شخص أن يقطف النخلة.. لقد كان يقوم بنفسه بالاعتناء بها رغم كبر سنه.

وأتذكر أنه ذات مرة صرخ بوجه أحد الأطفال لأنه ركل كرة القدم على منزله وأصابت النخلة.

لقد عرض الناس عليه المساعدة مرارا وتكرارا إلا أنه يصر على أن يقطف التمر بنفسه، كانت النخلة تمنح التمر في كل موسم وكان العم كنعان يأخذ القليل منه ويوزع الباقي مجاناً وظل الحال لثلاث سنوات حتى تغير كل شيء.

كان عمري حينها 11 عاماً وكانت إجازة الصيف، كان الوقت بعد منتصف الليل وكان الجميع نائمين، لا يوجد إنارة بمنزل واحد ولا يوجد أحد بالشوارع وقد كان الهدوء يعم الجو.. ثم وإذ بصرخة امرأة مرعبة توقظ المدينة بأسرها.

استيقظ الجميع وخرجوا للشارع ليروا ماالذي يحدث؟ ومن أين أتت الصرخة؟ اشتعلت الإنارة بجميع المنازل وخرج الرجال ينظرون حولهم. جميع المنازل منارة، جميع الناس خارج منازلهم تتساءل عما يحدث إلا منزل العم كنعان كان بابه مغلقاً ولا يوجد أي إنارة في منزله.

وحينما ذهبوا إليه لم يفتح الباب، وبمجرد أن قاموا بخلع باب منزله رأوا النخلة ميتة بل وحال من يراها يعتقد أنها قد ماتت منذ أسابيع طويلة.

لقد كان السعف متيبساً بالأرض وكأن شيء ما حدث لها. منعونا حينها من الدخول للمنزل وذهب بعض الكبار لغرفة نومه ليجدوا العم كنعان قد فارق الحياة! العم كنعان كان وحيداً، زوجته متوفية وعائلته بالخارج.. فمن أين أتت صرخة المرأة؟

الغريب بالموضوع أن النخلة وجدت ميتة، رغم أن أحد الأشخاص أقسم أنه زار العم كنعان قبل ثلاثة أيام.. وكانت النخلة بخير فكيف ماتت وأصبحت بهذا الشكل خلال ثلاثة أيام فقط!

إقرأ أيضا: بعض غرائب سحر المسخ

هل يعقل أن الصرخة كانت من النخلة؟ وأنها قد ماتت حزنا على العم كنعان الذي زرعها بل ونقلها لمنزله بعد أن أصبح عاجزا عن الاع تناء بها في مكانها البعيد؟

5 – القط الغريب

إن إحدى أغرب القصص التي حدثت في مدينتي هي قصة تتعلق بقط. إن هذا القط لم يكن طبيعياً إطلاقاً حيث أن هناك عائلة ظلت تشتكي منه أنه يسرق اللحم من برادها. كما أنه يأكل ولا يشبع. ففي إحدى المرات قامت العائلة بشراء 7 كيلو من اللحم لأجل مناسبة عائلية، وبحسب كلامهم فإن القط قد استطاع فتح الثلاجة وأكل الكمية كاملة!

إن فتح القط للثلاجة لم يكن أمرا خارجاً عن المألوف، الكثير من القطط تتعلم كيف تفتح البرادات والأبواب.. لكن الخارج عن المألوف هو ما حدث بعد ذلك.

حيث قررت العائلة القيام بتركيب قفل خارجي للبراد حتى تتخلص من موضوع القط السارق، وقد أحضرت كمية أخرى للتجهيز للمناسبة. وفي الصباح وجدت القفل مكسوراً والقط عند البراد يأكل اللحم!

بعد المنظر الذي رآه لم يستطع الأب إمساك نفسه، فذهب لغرفته وأخرج مسدسه وبدأ بمطاردة القط وإطلاق النار عليه!

القط كان سريعاً وتمكن من الهرب دون أن يصاب بأذى، إلا أن صوت الإطلاق كان مسموعا وعرف الجميع بالقصة. ذلك القط استطاع كسر قفل البراد وسرقة اللحم بطريقة أو بأخرى!!

العجيب بالموضوع أن هذا القط لم يكن يزعج أحدا إلا تلك العائلة، بل وكان يعرف بالتحديد متى كانت العائلة تحضر كمية كبيرة من اللحم وكأنه يتجسس عليهم.

بعد هذا الموقف توقعت العائلة أن القط لن يتجرأ على السرقة مرة أخرى، الا أن الأمر تكرر مجدداً ولم تعرف العائلة مالحل! القط لم يخف من ضرب الرصاص عليه فكيف يتخلصون منه؟

وصلت القصة لمسامع شيخ المسجد فقال للرجل (الحمد لله أنك لم تقم بقتله وإلا انتقمت عائلته منك أشد الانتقام) ثم تابع قائلاً:

_ إن كنت ترغب بالتخلص من هذا القط فعليك وضع اللحم في غرفة، وبمجرد دخوله ليأكل ادخل معه وأغلق الباب، إياك وضربه أو قتله أو إلحاق الأذى به. قم بإنذاره أنك ستقتله إن سرق منكم مجدداً ثم أخرج من الغرفة.

الرجل لم يقتنع إطلاقاً بل قال للشيخ أن القط لم يخف من ضرب الرصاص وعاود السرقة فما نفع تحذير شفهي!

إقرأ أيضا: غرائب في قريتي

الا ان الشيخ أصر عليه أن يفعل المطلوب وأخبره أن هذه هي الطريقة الوحيدة للتخلص من إزعاج القط.

فعلا قام الرجل بفعل المطلوب ووضع اللحم في إحدى الغرف وأتى القط إليه.. فسارع بالدخول وأغلق الباب وأنذر القط أنه سيقتله إذا ما سرق منهم اللحم. وحينما خرج الرجل خرج القط ولم يسبق له أن عاود الدخول للمنزل مجدداً.

القط الذي لم يستوعب ضرب الرصاص استوعب بإنذار شفهي، فما قصته يا ترى؟

الأهم من ذلك أنه أكل 7 كيلوغرامات من اللحم، وهي كمية أكبر من وزنه رغم أنه يستحيل على أي مخلوق أكل كمية من الطعام أكثر من وزنه! فإما ان تكون العائلة تكذب أو أن هذا القط ليس بقط عادي.

لكن هذه العائلة معروفة، وما حاجتها بالكذب؟ ليس وكأن هذا القط يملك صاحبا وسيدفع صاحبه ثمن ما أكله فليس لهم أي دافع للكذب.

فكيف استطاع أكل هذه الكمية بوجبة واحدة ياترى؟ والأهم من كل ذلك كيف استطاع أن يفهم تحذيراً شفهيا رغم أنه لم يفهم بالرصاص؟

التجربة بقلم: آريو

المزيد من المواضيع المرعبة والمثيرة؟ أنقر هنا
guest
23 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى