مذابح و مجازر

مجزرة ميناء آرثر: أسوأ مجزرة بالتاريخ الأسترالي الحديث

مجازر القرن العشرين

إن العائلة هي واحد من أهم الأشياء التي يملكها الإنسان والتي لا يستغني عنها حتى لو استغنت عنه. وحينما يخسر الإنسان عائلته ويبقى آخر فرد فيها فلا بد له أن ينتقم لها خاصة إذا كان الجاني يقف أمام عينيه. فإذا فقد الإنسان عائلته فهو فقد الرغبة بالعيش، وإذا فقد الرغبة بالعيش فالرغبة الوحيدة التي تبقى له هي الإنتقام ممن سبب له الألم والذل.. خاصة إن لم يبدي الجاني أي رغبة بالاعتذار، بل وكان يقف أمام الضحية وجها لوجه يسخر منه ويفرك نصره بوجهه.. حينها فلا يبقى للحياة سبب إلا الانتقام، وسيكون الانتقام وحشياً حينما يكون الشخص مريضا نفسياً، حيث أن هذا الشخص لن ينتقم من الجناة فحسب، بل من المجتمع بأسره.. تماما كما حدث بمجزرة ميناء آرثر بأستراليا.

حيث إن هذه المجزرة هي أسوأ مجزرة حدثت بأستراليا منذ أن نالت استقلالها وخرج الإستعمار البريطاني منها. لكن دعونا أولا نتحدث عن مارتن براينت مرتكب مجزرة ميناء آرثر الفظيعة والتي غيّرت أستراليا بالكامل.

بدايات السفاح مارتن براينت

بالسابع من مايو من العام 1967 وبمستشفى الملكة ألكسندرا بجزيرة تاسمانيا حظي كل من موريس وكارلين بريانت بطفلهم والذي أطلقوا عليه الإسم مارتن وقد سعد الزوجين بطفلهم الأول.

إلا أن الفرحة لم تتم، ففي عمر الأربعة سنوات كانت الأم كارلين تجد ألعاب طفلها ممزقة ومقطعة ومرمية على الأرض مما أثار قلقها عليه.

ولم تكن الأم الوحيدة، لقد لاحظ الجيران أن الطفل مارتن يملك تصرفات مخيفة، أكثرها إخافة كان محاولة إغراق طفل آخر في النهر، حيث أنه كان يسبح مع أحد الأطفال وقام بسحب قناع التنفس عنه وكاد الطفل أن يغرق لولا أن الأهل سارعوا لإنقاذه.

كذلك كان يقطع الأشجار بالمنطقة وكان يعذب الحيوانات، أما بالمدرسة فكان يتعرض للتنمر كثيرا، ويدخل بعدة قتالات. كما لاحظ المعلمون أن مارتن لا يملك أي مشاعر، كما أنه يعيش بعالم منفصل عن الواقع.. بل ولاحظوا أنه يتحدث مع نفسه كثيرا بل ويضحك أحيانا، فقامت المدرسة بطرده مما دفع الأهل لأخذه لطبيب نفسي.

مارتن براينت.. سفاح مجزرة ميناء آرثر
مارتن براينت في العشرينات من عمره

بعد سنة تقريباً عاد مارتن للمدرسة بنصيحة الطبيب للأهل، إلا إن المدرسة وضعته بصف تعليم الاحتياجات الخاصة نظرا لحالته وماضيه.. وسرعان ما عاد لنفس الأسلوب المتدني وبدأ المشاكل وقتال باقي الطلبة خاصة الأصغر منه عمراً.. فكان يتنمر عليهم ويضربهم من غير سبب.

بعمر السادسة عشر ترك مارتن الدراسة بل ولم يستطع القراءة أو الكتابة، وحينما فحصه الطبيب قال أنه يعاني من عجز عقلي. وحقيقة أنه يتحدث مع نفسه كثيرا ربما تكون بداية الشيزوفرينيا. فنصح أهله بتركه في دار رعاية حكومية إلا أن الأب رفض ذلك.

إقرأ أيضا: مجزرة كانديلاريا : عندما يكون بؤسك ذنبا!!

وبعمر السادسة عشر قضى مارتن وقته بمنزل أهله.. وعلى عكس الكثير من الآباء الذين يقومون بضرب أطفالهم الذين يعانون من قصور عقلي، أو بأفضل الأحوال رميهم بدار رعاية حكومي.. فوالده كان رجلا فاضلاً، وكان مارتن يقضي يومه عند التلفاز، كما وفي بعض الأحيان يساعد والده بأعمال الحديقة من باب التسلية.

لقد كان والده يحبه كل الحب، ولم يسبق له أن ضربه أو صرخ بوجهه. وأقصى عقوبة له كانت أن يرفع صوته عليه.. بل ولعل هذا السبب الذي جعل صحة مارتن العقلية والنفسية تتحسن بالتدريج، وكل الفضل يعود لطيبة قلب والده، حتى أن الجيران شهدوا على هذه الرابطة القوية بينهما.

وعلى الرغم من أن العادة بأستراليا (وجميع دول الغرب) تقضي أن تطرد العائلة أطفالها بعمر 18 سنة ليجدوا وظيفة وحياة بعيدا عن المنزل، إلا أن والد مارتن لم يطرده، بل ولم يطلب منه أن يجد وظيفة.. وظل ينفق عليه. العمل الوحيد الذي سمح له بالعمل به كان عملا سهلا وبسيط وفيه تسلية لمارتن وهو قص العشب للجيران مقابل أجر بسيط. خاصة أن مارتن لم يستطع أن يعمل بوظيفة بدوام رسمي فكان هذا أمثل خيار له ليتسلى.

ويوما بعد يوم اتفق مارتن على قص حديقة سيدة ثرية تدعى “هيلين هارفي” تبلغ من العمر 54 عاما.

كانت هيلين تعيش مع والدتها البالغة من العمر 79 عاما.. وحينما رأت مارتن وعرفت بساطته قررت أن تطلب منه أن يعمل معهم بالمنزل عملا كاملا، فأصبح يطعم كلاب الحراسة وقططهم و يسقي الزهور وينام بمنزلهم.

مع الوقت أصبحت علاقة العجوز وأمها بمارتن قوية. ولاحقا، توفيت والدتها بعمر 79 عاما وبقيت هيلين مع مارتن وقد ربطت بين الإثنين علاقة قوية للغاية بين بعضهما. حيث أن هيلين الثرية أصبحت تغدق عليه بالمال لدرجة أنها اشترت ثلاثة عشرة سيارة مختلفة لأنها أعجبت مارتن. كما كانت تأخذه معها للتسوق بشكل يومي.. فكان الأثنان يتناولان الغداء بإحدى المطاعم الفخمة ثم كانا يتنزهان ويتسوقان.. لقد كانت تدفع كل شيء عنه، لقد أحبت الصبي لأنه كان بسيطا وشعرت كما لو أنه سيكون ضائعا بدونها وبدون أهله.

إقرأ أيضا: مذبحة يافا .. ابشع مجازر نابليون

إلا أنها كتبت بمذكراتها جملة مخيفة عن مارتن:

“أيها الرب احمي مارتن من أي تقلبات في حياته، إن هذا الصبي قال لي أنه يرغب بارتكاب مجزرة وقتل الناس. ستكون كارثة لو أن هذا الصبي غاب عن ناظري والديه”

لاحقاً قامت هيلين بشراء مزرعة حجمها 72 هكتارا وأخذت معها الصبي مارتن بموافقة من والده ليعمل فيها. لقد كان عمله بالصباح أن يجلس مع هيلين ويؤنسها بوحدتها.. أما في المساء فكان عمله حارسا ليليا، وقد منحته هيلين بندقية هوائية. حيث أنها خافت من أن تمنحه بندقية حقيقية حتى لا يؤذي الغير خاصة بعد أن قال لها أنه يرغب بقتل الناس.

قام مارتن حينها بإطلاق النار على مجموعة من السياح حينما توقفوا لشراء التفاح من المزرعة. كما أنه كان يطلق النار على أي كلب ينبح عليه وقتل عدة حيوانات بهذه الطريقة الوحشية مما جعل هيلين تأخذ البندقية منه.

في العشرين من أكتوبر للعام 1992 حدثت حادثة أليمة لكل من هيلين ومارتن على الطريق السريع. أودت الحادثة بحياة هيلين، أما مارتن فقد أسعف للمشفى بحالة حرجة وظل فيها 6 شهور.

قالت الشرطة أن مارتن هو المسؤول عن الحادثة.. خاصة أن هيلين سبق وأن حدثت جيرانها أن مارتن يعشق مد يديه على عجلة القيادة، ويحاول أخذها منها حتى حينما تكون السيارة تتحرك بسرعة عالية.. لكنهم لم يعتقلوه لعدم وجود دليل دامغ.

عموماً فقد كتبت هيلين بوصيتها ما يعادل 363 ألف دولار أمريكي لمارتن.. إضافة إلى عدة ممتلكات من بينها جزء من المزرعة، ونظرا لحالته العقلية فقد نُقلت الوصاية لوالده والذي أصبح ثرياً بفضل كرم السيدة هيلين.

إقرأ أيضا: مذبحة القلعة : أضخم علمية اغتيال سياسي في التاريخ المصري

خلال كل حياته كان موريس والد مارتن يحلم بامتلاك فندق عائلي على شاطئ الجزيرة، ولعل هذا الحلم قد مات بعد ولادة مارتن خاصة مع فواتير أدويته وعلاجاته إلا أنه يومها حصل على فرصة لبدء حلمه من جديد مع الثروة.

صدمة وانتقام..

في مدينتهم كان هناك الزوجان (ديفيد ونيولين) واللذان قررا ان يخربا خطة موريس والد مارتن وحلم حياته.. حيث أنهم علموا أن الأخير قد خطط لشراء شركة تدعى Seascape فقاموا بشرائها فورا.. بل وحينما أخبرهم صاحبها أنها محجوزة قرروا دفع ضعف الثمن الذي عرضه موريس.

موريس أصيب بخيبة أمل كبيرة حيث أن هذه الشركة هي الشركة الوحيدة التي قررت أن تبيع أرضها على الشاطئ.. فجزيرة تسمانيا جزيرة سياحية نشطة يأتيها مئات الألوف من السياح الآسيويين، ولا يوجد شخص يبيع أرضه فيها إلا لعدم التفرغ لها.

ميناء بورت آرثر
ميناء بورت آرثر حيث وقعت المجزرة

لذلك عرض على الزوجين أن يدفع لهم المال لقاء أرض خالية صغيرة لأجل بدء مشروعه.. حيث أن المسألة لديه ليست بالمال بل بحلم وطموح قديم جدا لدرجة أنه عرض عليهم شراء الأراضي بأضعاف سعرها الأصلي. وحينما رفضوا بيعه ولو مترا واحد عرف أن حلمه مات. أصيب باكتئاب حاد وأدمن الكحول…وبعد عدة شهور من المفاوضات الفاشلة معهم انتحر شنقاً.

انتحار والد مارتن أثر كثيرا فيه، فقد كان والده سنده بالحياة، وقد أحبه مارتن كل الحب.. واليوم قد رحل عن الحياة. وما أثار غضبه هو أن الزوجين أصبحا يمران من المزرعة كل يوم وكأنهما غير نادمين على فعلتهما. بل وحينما قاما بافتتاح الفندق العائلي وضعا الإعلانات حول المزرعة التي انتحر فيها والد مارتن.

ظل مارتن حينها ستة شهور يقاوم الغضب بنفسه، لقد أدمن الكحول وحاول قدر الإمكان نسيان والده الذي انتحر بسبب الزوجين، لكن الزوجين لم يتركاه وأصرا أن يفركا انتصارهما بوجهه وتذكيره بوالده.

مارتن براينت
صورة لمارتن قبل ثلاثة أيام من المجزرة

وعلى الرغم من أن موريس والد مارتن لم يسبق له أن آذاهما، إلا أنهما كانا مصرين على إيذائه. فبحسب بعض الشائعات المحلية كان الزوجان يقومان بالسخرية من انتحار والده، بل قاما أيضا بوضع تخفيضات على الفندق العائلي حتى يجلبا المزيد من الزوار ليغضبوا مارتن. والأخير لم يعد أخيرا يستطيع التحمل أكثر من ذلك، وقرر الانتقام لوالده.

بداية مجزرة ميناء آرثر

في عام 1996 وفي ربيع أبريل يوم الثامن والعشرين حزم مارتن بندقية AR-15 شبه الأوتوماتيكة من عيار 223. بحقيبة رياضية. كما أخذ معه بندقية L1A1 وهي بندقية قنص حربية. وأحضر عدة غالونات من الوقود ومن ثم ركب سيارته واتجه نحو الفندق الذي اشترته العائلة.

ركب سيارته بالساعة العاشرة، ومن ثم اتجه نحو الفندق المطل على الميناء، ووصل إليه بحدود الساعة 12:35 ودخل الفندق وقام بقتل الزوجين ديفيد ونيولين.

إقرأ أيضا: أسرة بونوا دو ليغونيس : عندما يتجرد الأب من الرحمة

سمع الناس حينها صوت إطلاق نار من الفندق، إلا انهم لم يهتموا فهذه المنطقة سياحية وإحدى الرياضات فيها هي صيد الأرانب فتوقعوا أن إطلاق النار قد تم من أحد الصيادين لذلك لم يأبهوا.

أتى بعدها زوجان ووجدا مارتن عند باب الفندق فظنوا أنه المالك فطلبوا منه أن يستأجروا. الأخير خاف أن يتم اكتشاف جثة ديفيد ونيولين فقال أنه لا يوجد غرفة ولا يمكنهم الدخول حيث أن حبيبته داخل الفندق فغادر الزوجان.

بالبداية لم يرغب مارتن بقتل أي أبرياء، لكن خطته تغيرت حينما عرف ان الزوجين امتلكا حصة من مقهى يدعى Broad Arrow والذي لم يبعد كثيراً عن الفندق. كما أن نزعته للقتل قد بدأت فقاد سيارته وبالساعة 1:10 تماما وصل لحاجز المنطقة ودفع تكلفة الدخول. حيث أنها منطقة تحتوي آثارا تاريخية وكان المقهى بجانبها، دخل المنطقة وركن سيارته ونزل للمقهى والحقيبة التي تحوي البندقية ومخازن الذخيرة على ظهره.

مقهى Broad Arrow
مقهى Broad Arrow

لقد كان جائعاً فقرر تناول الطعام قبل أن يبدأ مجزرة ميناء آرثر، فطلب ساندويتش من المقهى ثم أكله بالخارج نظرا للزحام الذي كان فيه.

بعد أن انتهى وشبع عاد للمقهى ووجد طاولة خالية فجلس عليها بكل هدوء وخلع حقيبته وفتحها ليخرج بندقية AR-15 ويوجهها نحو كل من “موه يي” و “نيج” و “سو” وهم سياح من ماليزيا وقد كانوا يجلسون بالطاولة خلفه. لقد كان هؤلاء هم أول ثلاثة ضحايا بمجزرة ميناء آرثر.

بعد ذلك أطلق النار على رجل يدعى “ميك سارجنت” وحبيبته “إليزابيث” التي كانت بجانبه. الطلقة لم تقتل ميك حيث أنها اخترقت فروة رأسه ورمته بالأرض فحسب، لكن الطلقة التي وجهت نحو إليزابيث قتلتها مباشرة.

كان هناك صانع نبيذ نيوزلندي هناك، والذي أتى ليساعد عمال المقهى كما اصطحب معه زوجته ووالدها وطفلهم البالغ من العمر 15 شهراً. وحينما بدأت المجزرة قام بإلقاء صحن على مارتن حتى يشتت انتباهه بينما والد زوجته قام بتثبيت ابنته وطفلها تحت الطاولة لحمايتهم. وحين هم مارتن بقتله قام رجل بالصراخ عليه من الخلف ليحاول تهدئته، فاستدار مارتن وقتله. ثم بدأ حينها بإطلاق النار على الجميع بشكل جنوني. لقد كان الزبائن منبطحين على الأرض النساء تصرخ والأطفال يبكون ومارتن يطلق النار عليهم واحدا تلو الآخر.

إقرأ أيضا: اندرو كيو ومجزرة باث

قام مارتن بالذهاب لآخر المقهى ليقتل من اختبأ تحت الطاولات، فكانت الفرصة الذهبية للخروج فخرج الزوجان “مارفن” و “ماري” خارج المقهى لكن مارتن انتبه عليهم فقام بقتلهم من خلال النافذة.

بعد ذلك ذهب ووقف عند باب المقهى ليمنع أي أحد من الهروب، وحينما وجد أن الجميع مرعوبون ولن يفكروا بالهرب، بدأ بالتقدم نحو قسم الهدايا والتذكارات.

هدايا مغلفة بالدماء..

أثناء تقدمه قام مارتن بتغيير مخزن الذخيرة، فسارع رجل يدعى “روبرت إليوت” بمهاجمة مارتن ومحاولة أخذ سلاحه.. إلا أن مارتن استطاع إبعاده ووضع مخزن جديد ثم أطلق عليه طلقة بالذراع وبالرأس فسقط الأخير أرضاً مضرجا بدمائه لكنه لم يمت.

ولعلك تعتقد أيها القارئ أن كل هذه الأحداث البطيئة حدثت خلال دقيقة او اثنتين؟ في الواقع أنه من الطلقة الأولى حتى اللحظة الحالية قد مر 15 ثانية فقط! لقد كان مارتن سريعاً رغم بطء عقله، لقد قتل 12 شخصا وجرح عشرة آخرين خلال 15 ثانية فقط لا غير.

بعد أن بدأت الدماء تسيل بالمقهى ذهب لقسم الهدايا حيث اختبأ الناس تحت الطاولات وخلف الأثاث. وتوجه إلى طاولة المحاسبة وقتل كل من “نيكول” و”إليزابيث” التي كانت تعملان بقسم الهدايا.

بعض الزوار ادعوا الموت، وبعضهم أغمي عليهم نتيجة الرعب لكنه مع ذلك اطلق عليهم النار.

حاول الزوجان “بيتر” و”كارولين” حينها الهرب منه فركضوا للباب الخلفي لقسم الهدايا ووجدوا أنه مغلق. وحينما انتبه لهم مارتن قام الزوج بيتر ببطح زوجته أرضا ونام فوقها لحمايتها، قام مارتن بإطلاق النار عليه وقتله لكن لم تصب أي رصاصة زوجته والتي أغمي عليها من الرعب.

سمع مارتن حينها حركة من المقهى، فسارع فورا إلى الباب المؤدي له.. وقاده حدسه نحو طاولة فقام بإطلاق النار عليها وقتل رجلان يختبئان تحتها.

عاد لقسم الهدايا ووجد صانع النبيذ فيه، كان صانع النبيذ يحاول جذب انتباهه حتى لا يذهب للطاولة التي اختبأت فيها زوجته مع طفلهم.

إقرأ أيضا: مجازر المجرمين : حينما يفقد المجرم صبره

فقام بالصراخ عليه وترجاه أن يتوقف، فقام مارتن بقتله بثلاث رصاصات إحداهن كانت بالرأس، ثم تابع بمتجر الهدايا وقتل كل من فيه. كان آخرهم سائحا آسيويا لم تستطع كاميرات المراقبة تحديد هويته. حيث وجه مارتن سلاحه نحوه إلا أن الذخيرة نفذت فما كان منه إلا أن هرع واختبأ تحت طاولة الحساب ووضع مخزنا جديدا.

قاتل بلا رحمة!

خرج مارتن حينها من المقهى بعد أن قتل عشرين شخصا وجرح 12 آخرين، ثم وصل لموقف السيارات حيث توقفت حافلات النقل السياحية ورأى إحداها. لكنها كانت مقفلة حيث أن الركاب انبطحوا داخلها خائفين ومرعوبين من أصوات إطلاق النار. حاول اقتحامها وفشل لكنه رأى السائق الذي كان قد اختبأ مع الركاب فقام بإطلاق النار عليه وجرح السائق ونزف حتى الموت.

قام سائقو الحافلات الأخرى بالخروج وإخراج السياح محاولين جلبهم لبر الأمان، لكن مارتن بدأ إطلاق النار عليهم وتمكن من جرح رجل وامرأة فقط.

وقام حينها بالتقدم للحافلة التالية وجرح امرأة تدعى جانيت، حيث خرجت من الحافلة وحاولت الهرب بعيدا عنه إلا أنها تعرضت لجرح وسقطت أرضا. نفذت ذخيرته ثانية فذهب حينها لسيارته ليحضر بندقية القنص الحربية وينهي حياتها.

حينما وصل للحافلة التي كانت تختبئ بها المرأة الجريحة وجد زوجها “نيفيل” يحاول مساعدتها.. وحينما اقترب مارتن هرب نيفيل، مارتن طارده حول الحافلات وأطلق عليه رصاصتين لكنها لم تصبه.

ومن غباء نيفيل أنه دخل إحدى الحافلات معتقدا أن مارتن لم ينتبه له، فدخل الأخير الحافلة ووجد نيفيل على الأرض منهكاً من التعب، فرفع بندقيته وقال له “لا أحد يهرب مني” وقام بإطلاق النار عليه.. لكن ونظرا لأنها بندقية ثقيلة الوزن فإنه لم يتمكن من إصابته برأسه بل برقبته.

خرج من الحافلة وذهب للسيارة ليخرج من منطقة المقهى، وقاد مسافة 600 متر ووجد امرأة معها طفلتان. لقد كانت هذه المرأة تدعى “ميكاك” ومعها طفلتيها “مادلين” ذات الثلاث سنوات و”ألانا” ذات الست سنوات.

نزلت ميكاك من السيارة وكانت على وشك دخول المقهى قبل الإطلاق بثوان معدودة، وحينما سمعت الإطلاق هربت مع طفلتيها ومن شدة الرعب لم تركب السيارة بل ركضت 600 متر. وحينما رأت سيارة مارتن قادمة من المقهى ظنت أنه يرغب بمساعدتها وتوقفت وبدأت تلوح له.

إقرأ أيضا: مذبحة نانجنغ .. إحدى أفظع مذابح القرن العشرين

نزل مارتن من السيارة ومعه بندقيته وأمرها أن تجثو على ركبتيها، عرفت المسكينة مصيرها فجثت وقام مارتن بإطلاق النار على خدها وأرداها قتيلة، ثم نظر للطفلتين التي بدأتا بالبكاء على أمهما وقتلهما كذلك.

blank
سيارة مارتن التي كان يتجول فيها وقت ارتكابه جرائم القتل

ركب سيارته واستمر بطريقه ورأى سيارة BMW مطلية بالذهب تملكها عائلة Salazman الثرية.. وكان يركبها أربعة أفراد بمن فيهم السائق الخاص.

فتوقف عندهم وخرج من سيارته وبدأ بالحديث معهم. عرفت العائلة أنه ينوي قتلهم.. فخرج السائق وحاول مهاجمة مارتن فقام الأخير بقتله سريعا. ثم أجهز على أفراد العائلة الثلاثة وأخرج جثثهم ونقل أسلحته وعلب البنزين لسيارتهم ثم أخذها. كما أنه رأى سيارة أخرى بالطريق فقام بإطلاق النار عليها.

قام حينها بالقيادة عائداً لفندق seascape حيث وجد سيارة تويوتا على الطريق فقام بتخطيها ثم توقف أمامها وخرج من السيارة ومعه بندقيته. كان بالسيارة كل من “غلين” وحبيبته “زوي” فخرج غلين من السيارة رافعا يديه وقام مارتن بتقيبده ثم رماه بالصندوق الخلفي لسيارة ال BMW التي سرقها. أثناء ذلك حاولت الفتاة “زوي” التي كانت تركب بجانب حبيبها أن تذهب لمقعد السائق لتهرب فقتلها بثلاث رصاصات.

عاد حينها إلى فندق seascape بعد أن أطلق النار على كل السيارات التي مرت من طريقه وجرح بعضهم.

وصل مارتن إلى الفندق، وأخرج غلين من صندوق السيارة وذهب به إلى الفندق. ربطه على درج العلية ثم أخرج غالونات البنزين وصبها بكل مكان بالفندق وقام بقتل غلين ثم أشعل النار وهرب.

فندق seascape.. حيث بدأت مجزرة ميناء آرثر
فندق seascape.. أشعل مارتن النار في الفندق وهرب

وانتهت المجزرة .. مارتن في قبضة العدالة

بعد أن تم إطفاء الحريق وجد رجال الشرطة جثة غلين عند سلم الطابق الثاني، كما وجدوا أيضا جثتي ديفيد و نيولين صاحبي الفندق. وحينما راجعوا كاميرات المراقبة بالمقهى وتحدثوا مع الشهود عرفوا هوية المجرم.

لم يحتاجوا الكثير من الوقت إلا وقد عثروا عليه واعتقلوه الأخير لم يقاوم الاعتقال بل ذهب معهم بكل بساطة وتم إرساله للتحقيق بيوم 29 أبريل بعد أقل من 24 ساعة من ارتكابه لمجزرة ميناء آرثر.

راح ضحية مجزرة ميناء آرثر خمسا وثلاثين قتيلا و23 جريح وصنفت أنها أسوأ مجزرة بالتاريخ الأسترالي.

31 من القتلى كانوا كبار السن وأربعة منهم كانوا أطفالا أصغرهم كانت مادلين ذات الثلاث سنوات، والذي قتل مارتن والدتها وشقيقتها ثم أجهز عليها.

blank
حزن وصدمة كبيران عاشه أهالي الضحايا..

كما أن الكثير من الجرحى أصيبوا بإعاقات دائمة، أحدهم كان نيفيل والذي أصيب بشلل رباعي نتيجة الطلقة برقبته.

تم التحقيق مع مارتن، وحينما لاحظ المحقق تصرفاته قام بإرساله للمشفى لعرض حالته، اكتشف الأطباء تاريخه الحافل بالأمراض كما اكتشفوا أن مارتن لديه 66 درجة ذكاء. أي أنه يملك 16 درجة فوق مستوى التخلف العقلي كما أنه قال لمحاميه “الجميع يكرهني، كل ما حاولت الاقتراب منهم يبتعدون عني”

إقرأ أيضا: سلسلة لذة القتل (3) .. لغز مذبحة عزبة شمس الدين (2)

عرض على عدة أطباء نفسيين وتابعوا حالته ثم أرسلوا استنتاجهم للمحكمة. والذي قال أن مارتن مريض نفسي وبطيء الفهم لكنه كان واعياً تماما بما يفعله.

مارتن خلال فترة محاكمته لم يبد أي ندم على فعلته. في الواقع ظل يكرر ذات السؤال على الحراس (كم شخصاً قتلت؟ أنا لم أعدهم فهلا أخبرتني كم قتلت؟) بل وكان فرحاً فخورا بفعلته.

قام القاضي حينها بمنع الراديو والجرائد من الوصول لزنزانته.. كما أنه هدد الحراس أنه سيعاقبهم إن أخبروه كم شخصا قتل بالمجزرة.

مارتن براينت
مارتن براينت في الخمسينات من عمره

لم تستطع الحكومة الأسترالية إعدامه نظرا لوضعه الصحي، لذلك حكم عليه بالسجن لمدة 1652 سنة بدون إطلاق سراح مشروط بقرار غير قابل للطعن بتهمة القتل العمد لـخمس وثلاثين شخص بينهم أربعة أطفال، ومحاولة قتل ثلاث وعشرين آخرين وتخريب الممتلكات.

وفي النهاية..

واليوم، وبعد 27 عاماً من مجزرة ميناء آرثر يقضي مارتن بقية حياته خلف القضبان. لقد تغير تماماً وساءت حالته، حيث انه أصبح بديناً وغاضباً، لكنه لا يزال غير نادم على فعلته، بل فخور بها رغم أنه تخطى 56 سنة.

بعد مجزرة ميناء آرثر الرهيبة أعلنت الحكومة الأسترالية عن تعديل كامل لقوانين الأسلحة حتى لا تقع قطعة سلاح بيد شخص مثل مارتن. وقام الأستراليون حينها بتسليم أسلحتهم طوعاً للحكومة وأصبح امتلاك سلاح أمرا شبه مستحيل بأستراليا.

blank
هيكل مقهى Broad Arrow في عام 2015، تم إنشاء حديقة تذكارية للضحايا هناك

ما رأيك عزيزي القارئ بقصة مارتن وبمجزرة ميناء آرثر التي عدت أسوأ مجزرة بالتاريخ الأسترالي منذ استقلال البلاد؟ هل تتوقع أن الحكومة الأسترالية تملك الحق لأخذ السلاح من مواطنيها بسبب جريمة ارتكبها مختل عقلي؟ لم أن لك رأيا آخر؟

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
Wikipedia - martin bryantWikipedia - port arthur massacreNews.com

آريو

-كاتب من سوريا - الكاتب الأفضل في كابوس لشهر اغسطس 2022
guest
63 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى