أدب الرعب والعام

ليلة لا تُنسى

بقلم : نوار – سوريا

ليلة لا تُنسى
أحب النساء خصوصاً الجميلات ، و عقلي يذهب مع الشقراوات

– أرجوك توقَّف .. توقَّف

و بصعوبةٍ بالغةٍ استطاع السائق السيطرة على مكابح القيادة و أوقف السيارة ، مدَّ رأسه من النافذة و ثبَّت نظره بي ، كان ينظر إليَّ كما لو أنّي قد هبطت من السماء ، أو أن الأرض انشقَّت و خرجت منها !! معه حق و لكن مهلاً .. 
لا تستعجلوا الأحداث و لا تجعلوا عقولكم تبدأ بالاستنتاج ، سأقصُّ عليكم كلَّ شيء .. كلَّ شيءٍ منذ البداية ، و تحديداً صباح ذلك اليوم الذي استيقظت فيه و كلِّي نشاط و نزلت أمارس رياضة الجري حول الحديقة القريبة من منزلي ، و بعدها توالت الأحداث ..

كان صباحاً مشرقاً من أيام شهر نيسان ، خرجت من منزلي و توجَّهت إلى الحديقة ، كان الشارع خالٍ تقريباً من المارة في هذه الساعة المبكرة من النهار ، وصلت إلى هناك و أخذت أجري ، و قبل أن أكمل حولها دورةً كاملة شعرت بمن يجري خلفي ، توقفت و التفت ورائي لأرى امرأة ممشوقة القوام ترتدي ملابس رياضية و قد رفعت شعرها إلى أعلى بشكلٍ عشوائي .. كانت هي الأخرى تمارس رياضة الجري .

في لحظات تأمّلي لها كانت قد وصلت إلي ، توقفت و سألتني بعد أن ألقت عليَّ تحيّة الصباح :
– لماذا توقفت ؟
قلت متلعثماً بعد أن بهرني جمالها :
– في الحقيقة تفاجأت من وجودك ، فلي مدّةٌ طويلةٌ آتي إلى هنا كل صباح و لا أرى أحداً يشاركني رياضتي 
– إذاً فستجدني يوميّاً هنا 
قالت ذلك و تابعت جريها فما كان مني إلا اللحاق بها 

جلسنا على أحد مقاعد الحديقة لنستريح قليلاً ، و في هذه الأثناء دار حوارٌ قصيرٌ بيننا ، عرفت من خلاله أن اسمها سيرين ، و قد قدمت حديثاً للسكن في هذه المنطقة بعد أن نالت الطلاق من زوجها .. ثمَّ نهضت مغادرةً بعد أن تواعدنا على اللقاء غداً في نفس المكان .

بقيت أفكِّر بسيرين و جمالها الأخَّاذ إلى أن وصلت للمنزل ، ولجت إلى الداخل و توجَّهت إلى الحمّام لأغتسل ، فنادتني زوجتي من المطبخ قائلةً :
– تيم .. لا تتأخر ، الفطور جاهز 

أجل .. أنا متزوج و أحب زوجتي كثيراً .. صدمتم أليس كذلك ؟ في الحقيقة ناديا زوجةٌ رائعة و لا يستطيع المرء إلَّا أن يحبها ، لكني أعترف بأني “نسونجي” و عيني زائغة ، أحب النساء خصوصاً الجميلات ، و عقلي يذهب مع الشقراوات ، و سيرين كانت امرأةً شقراء .. أكيد تقولون بقلوبكم كيف تحبُّ زوجتك و أنت تركض وراء النساء ؟ سأجيبكم .. نحن الرجال هكذا ، على الرغم من المكانة التي تحتلُّها زوجتي بقلبي فإن هناك متسعٌ لغيرها من النساء ، ثم أنَّ حبي الحقيقي لناديا ، و البقيَّة وجودهن للتسلية و تمضية الوقت ..

عند ذهابي لعملي استوقفتني زوجتي و أوصتني أن أرسل لها بعض الأغراض التي تحتاجها في طبخة اليوم ، نسيت أن أخبركم أن لدى ناديا قناة طبخٍ على اليوتيوب افتتحتها منذ مدَّة ، و تقريباً لا نأكل شيئاً إلا بعد أن تقوم بتصوير مراحل طبخه لمتابعي قناتها ، عملها هذا بصراحة أنساني أنها خرِّيجة علم نفس ، فهي منذ تزوجنا أصبح لها ميولٌ و اهتماماتٌ بعيدةٌ عن مجال اختصاصها ..

توجَّهت صباح اليوم التالي نحو الحديقة .. كان لذهابي هذه المرَّة طعمٌ آخر ، فسألتقي هناك بسيرين التي ما إن رأتني حتى اتجهت صوبي و على فمها ابتسامة أطارت عقلي !
بدأنا بالجري و أبطأت من سرعتي قليلاً و جعلتها تسبقني ببضع خطواتٍ حتى أستطيع مراقبة تقاطيع جسدها .. يا الله ! ماذا أصف لكم ! إنَّ لها جسداً مثاليَّاً ، ساقين ممشوقتين ، ردفين بارزين ، خصر نحيل ، صدر مشدود و منتصب ، و عنق طويلة .. كيف تخلَّى عنها زوجها ، بالتأكيد مجنون .. و بينما كنت أحدِّث نفسي التفتت إليَّ و قالت باستنكار :
– ما بك تيم لماذا أنت متقاعس عن الجري ؟!
أربكني سؤالها و زودت سرعتي لدرجةٍ مبالغٍ فيها حتى أني سبقتها بأميال !

توثقت علاقتنا في الأيام التالية .. تجرَّأت و سألتها عن سبب طلاقها فأخبرتني أن زوجها كان سكِّيراً و لطالما أهانها و ضربها ، فلم تحتمل الوضع و طلبت الانفصال .. ياه كم هو غبي ، كيف أضاع هذه الحوريِّة من بين يديه !! بصراحة لم تعد تكفيني الأوقات القليلة التي أراها فيها كلَّ صباح ، لذلك أعطيتها رقم هاتفي ، و كالعادة الحجَّة المعروفة لتبرير ذلك هي ادِّعائي بأني رجلٌ نبيل و هي امرأةٌ وحيدة و قد تحتاجني في أيِّ وقت .. و إن كانت من صنف النساء اللاتي يبحثن عن تسلية فستبادر بالاتصال بي بأقرب و قت ، و عندها سيكون الطريق أمامي ممهَّداً لنيل ما أريده منها .

لم يخب ظنِّي ، فقد راسلتني سيرين في نفس الليلة مدَّعيةً أنها تشعر بالضجر .. و بالطبع أنا ماهرٌ جداً بتسلية النساء اللواتي يشعرن بالضجر ، و هكذا أوليت ظهري لزوجتي النائمة في السرير و رحت أكلِّمها .. بقينا نتراسل حتى وقتٍ متأخِّرٍ من الليل ، بعدها اعتذرت عن ثرثرتها و قالت أنها لم تقصد إزعاجي فأجبتها متقناً دور الـ “جنتلمان” بأن لا مشكلة و هي مرحًّب بها في أي وقت .

استمرت محادثاتي مع سيرين ، أظهرت لي من خلالها أنها ارتاحت لي و اعتادت على وجودي في حياتها .. ثم تطوَّر الأمر و اعترفت بحبها لي فلم أعد أطيق صبراً .. أريد أن ألتقي بها بأسرع وقت ، ليس صباحاً في الحديقة بل في مكانٍ مغلقٍ بعيداً عن أعين البشر ، و لا داعي لأشرح لكم لماذا ، فبالتأكيد أنتم تعرفون لماذا…

كل هذه المشاعر التي كانت تعصف بي و زوجتي ناديا “خارج التغطية” .. فهي مشغولة بقناتها التي أخبرتني مؤخَّراً أنها تريد أن توسِّعها و تجعلها لا تقتصر على الطبخ فحسب ، بل ستشمل كل ما يهمُّ المرأة من فن وضع المكياج و الاهتمام بالبشرة إلى المحافظة على الرشاقة و غيرها من الأمور التي تلهث وراءها النساء و التي تعجبنا نتائجها نحن الرجال ! و بالطبع شجَّعتها على ذلك ، فقد كنت أريدها أن تظلَّ مشغولةً عنِّي خصوصاً في هذه الفترة .

التقيت بسيرين صباحاً في الحديقة كالمعتاد ، فوجدت مزاجها سيِّئ ، سألتها عن السبب بعد أن جلسنا على أحد المقاعد فألقت عليَّ خبراً كاد يوقف قلبي ، قالت أن أهلها يضغطون عليها و يريدونها أن تعود للسكن معهم ، و قالت أنهم يسكنون في قرية بعيدة .. صدمت بصراحة ، فلم أتخيَّل بأني سأفقدها بهذه السرعة !
أجبتها باندفاع و قد أمسكت بيديها :
– لكني أحبكِ .. و لن أسمح لك بالابتعاد 
أشاحت بوجهها عني و قالت :
– تيم لا تضحك على نفسك ، أنت رجلٌ متزوجٌ و لن تكون لي أبداً
صمتت قليلاً ثم نظرت إليَّ و أكملت :
– سأرحل بعد غد ، و لأنك الشيء الوحيد الجميل بحياتي قررت أن أقيم حفلة وداعٍ لك .. لك وحدك ، سنقضيها بعيداً عن أعين الناس و المتطفلين ، ما رأيك ؟

وافقت بكلِّ سرور طبعاً ، فبيني و بينكم هذا ما كنت أريده و أسعى إليه ..

جهزت نفسي للَّيلة الموعودة و تدبرت أمري من أجل ناديا ، فقد ادَّعيت بأنَّ أحد أصدقائي سيغادر البلاد لذلك أقمنا سهرة لوداعه مقتصرة على الرجال فقط .. حتى لا تسألني لمَ لا آخذها معي ، و أخذت احتياطاتي و قلت لها بأني قد أتأخَّر لذا لا تنتظرني .
اقتنعت ناديا و لم تعارض و هذا ما يجعلها تكبر في عيني ، فهي ليست من النساء اللحوحات و اللجوجات ، هي – و الحقُّ يقال – تقوم بكلِّ شيءٍ يسعدني ، قلت لكم سابقاً أنها زوجة رائعة ، لكن ماذا أفعل ؟ لا أستطيع أن أكون زوجاً مخلصاً .. لا أستطيع !

قدت سيارتي و أوقفتها أمام باب العمارة التي تسكن فيها سيرين ، نزلت إليَّ بعد أن كلَّمتها فطلبت مني أن أترك لها قيادة السيارة لأنها تحفظ الطريق جيداً .. قلت لها بعد أن تبادلنا الأماكن :
– ألم يكن من الأسهل أن نجعل سهرتنا عندكِ في المنزل ؟
فأجابت و هي تشغِّل محرِّك السيارة و تمضي بها :
– بالطبع لا ، فأنا أخشى أن يلمحك أحد الجيران و أنت داخل إلى شقتي ، ثم أنك أيضاً يجب أن تخشی زوجتك ، فمنزلك قريب من هنا 
– لكن أين يقع منزل خالك بالضبط ؟
– هو بعيد عن العمران ، خالي نشأ في قريةٍ هادئةٍ ، و عندما قدم للسكن في المدينة لم يكن معتاداً على زحمتها ، لذلك بنى منزله في مكانٍ منعزلٍ نوعاً ما ، و منذ فترة سافر و أعطاني مفاتيحه ، فقد كان على علمٍ بشجاراتي مع زوجي ، و أخبرني أنه باستطاعتي اللجوء إلى المنزل في حال ساءت الأوضاع بيننا 
– و لماذا لم تسكني فيه بعد أن نلتِ الطلاق ؟
– فكَّرت بالأمر ، لكنِّي وجدته واسع عليَّ و مكانه موحش ، لذلك فضَّلت أن أبحث عن شقةٍ صغيرةٍ داخل المدينة .

ساد الصمت بيننا بعد هذا الحوار ، كنا قد ابتعدنا كثيراً و أخذنا نسير في الطريق السريع الذي يؤدِّي للمطار ، و فجأة انحرفت سيرين بالسيارة عن الطريق العام و دخلت في آخر فرعي ، و بدأت تحيط بنا الأراضي الزراعية ، و بعد عدة دقائق لمحت بيتاً رابضاً بين أشجار عالية ، و كلما اقتربنا منه كلما بانت معالمه التي أوحت لي بأنه منزل يصلح لتمثيل أفلام الرعب .. لا أعرف ! هذا أول شيءٍ خطر ببالي ، فهو بالفعل منعزل و لا يوجد حوله سوى الأشجار و الصمت ..

تساءلت – بصوت شعرت بأنه خرج مرتفعاً أكثر من اللازم – بعد أن توقفنا أمامه بالضبط :
– بصراحة لا أعرف كيف كان يقضي خالك أوقاته هنا .. فإنَّ المكان موحش 
ضحكت سيرين وقالت :
– بالعكس ، خالي لديه عائلة كبيرة ، و بستاني و زوجته من أجل العناية بالمزرعة .. هذا فضلاً عن أنه كان يحب أن يقيم الولائم و السهرات ، أي أنَّ المكان كان ممتلئاً أغلب الأوقات و لم يكن موحشاً كما هو الآن .. 
صمتت قليلاً قبل أن تكمل قائلةً بابتسامة تحمل عدة معاني :
– ثم أننا قدمنا لنقضي فيه ليلةً واحدةً فقط .. ليلة لن تنساها أبداً 
ابتسمت لها أنا الآخر و هممت بقول شيءٍ ما ، لكنها سألتني فجأة سؤالاً وأدَ ابتسامتي :
– تيم ، ألا تشعر بالذنب تجاه زوجتك ؟
أجبت بضيق :
– و لماذا تجلبين سيرة زوجتي في هذه اللحظة ؟ لا ، لا أشعر بالذنب ، على الأقل لا أشعر به الآن .. فأنا الآن لا أريد التفكير بأحدٍ غيرك

قلت لها هذا الكلام و فتحت باب السيارة و خرجت منها ، فخرجت هي الأخرى و اتجهنا نحو الباب الرئيسي للمنزل ، دخلنا بهدوءٍ و قامت سيرين مباشرةً بتشغيل مفاتيح النور فعمَّ الضوء المكان .. ارتحت نوعاً ما ، فمن الجيد أنَّ المنزل فيه كهرباء .

أدرت النظر حولي فوجدت أمامي صالةً واسعةً تطلُّ عليها عدّة غرف ، و في جانبها الأيسر دَرَجٌ يفضي إلى الدور الثاني .. عدت إلى السيارة لأدخل الأغراض التي جلبناها من أجل الأمسية و في هذه الأثناء كانت سيرين تزيل عن الأرائك أغطيتها و تجهز المكان للجلوس .. 

جلست على الأريكة و نظرت إلى سيرين بهيامٍ و قلت لها :
– و أخيراً نحن معاً لوحدنا ..
ثم اقتربت منها محاولاً ضمَّها لكنها ابتعدت عني قائلةً :
– سأعد لنا العشاء أولاً .. انتظرني ، لن أتأخر 
و نهضت مبتعدةً و دخلت المطبخ .. رضخت للأمر الواقع و جلست أنتظرها ، و فجأة انقطعت الكهرباء فناديت بأعلى صوتي :
– سيرين لماذا انقطعت الكهرباء ؟! 
فجاءني صوتها من المطبخ :
– لا أعرف ، ربما عطل .. فأعطال الكهرباء في هذه المنطقة كثيرة .. لكن لا تقلق ستعود سريعاً 

سمعت صوت أقدامٍ خارجةٍ من المطبخ فقلت :
– سيرين تعالي و اجلسي قربي ، دعينا من الطعام الآن إلى أن يعود الضوء .
و فعلاً جاءت و جلست بجانبي ، و وضعت رأسها على صدري فأخذت ألعب بشعرها لكن لحظة .. شعر سيرين طويل و هذه التي بجانبي شعرها قصير ، أبعدتها عنِّي بفزعٍ و قلت :
– من أنتِ ؟
و في هذه اللحظة عاد التيار الكهربائي و رأيت أمامي ما جعل لساني ينعقد .. كانت تجلس بجانبي امرأة أخرى ! لم تكن سيرين ، اقتربت مني قائلةً :
– لماذا فزعت مني حبيبي تيم ؟
– و تعرفين اسمي أيضاً ؟!! من أنتِ ؟
– ما هذا السؤال .. أنا سيرين 
نهضت قائلاً بهلع :
– كلا لستِ سيرين .. ثم صرخت منادياً على سيرين لكن تلك المرأة قالت :
– لماذا تصرخ و أنا أمامك .. ماذا تريد هل أنت جائع ؟ سأذهب لأكمل إعداد الطعام .. 

ثم نهضت مبتعدةً و تركتني أتلفت حولي بخوف ، و في هذه اللحظة انقطع التيار الكهربائي ثانيةً و لم يستمر انقطاعه طويلاً ، و عندما عاد خرجت من المطبخ امرأة غريبة ، ليست سيرين و لا تلك الأخرى ، أخذت تقترب مني و هي تقول :
– ما بكَ تيم .. لماذا أرى نظرات الفزع بعينيك ؟
قلت و أنا أبتعد عنها :
– سيرين ، أين هي سيرين ؟ و من أنتِ ؟ 
– أنا سيرين .. ألم تعد تعرفني
أجبت صارخاً :
– مستحيل .. لستِ سيرين 

و في تلك اللحظة شعرت بمن يحوطني بذراعيه من الخلف و سمعت من يقول لي :
– لماذا تصرخ ؟ كنت في المطبخ أعد لنا الطعام ، ألم تستطع الصبر لبعض الوقت حتى أعود ؟
تنفَّست بارتياحٍ و قلت :
– سيرين و أخيراً هي أنتِ 
أجابت ضاحكة :
– بالطبع أنا .. و هل يوجد غيرنا في هذا المنزل ؟
– بل يوجد .. تلك المرأة الجالسة على الأريكة و أخرى دخلت المطبخ ألم تريها ؟!
– ما هذا الكلام تيم ، لا يوجد أحدٌ يجلس على الأريكة ، و لم يدخل أحد المطبخ !
– بل هي هناك ، ألا ترينها 
– لابد أنك متعبٌ عزيزي ، سأحضر لك كأس ماء 
لحقت بها قائلاً :
– لا تتركيني لوحدي 

عدنا إلى الصالة فلم أجد أحداً ، كما أني لم أجد أيُّ امرأةٍ في المطبخ ، فجلست و قلت :
– لا أعرف سيرين .. هناك شيءٌ غريبٌ يحصل ، لست مطمئناً أبداً ، هذا البيت مرعب و أرى فيه أشباحاً !
ناولتني كأس الماء و هي تقول :
– بالعكس هو بيت جميل ، لكنك على ما يبدو متعب و تتوهم بعض الأمور 
شربت الماء دفعةً واحدةً ، و في اللحظة الأخيرة شعرت بغرابة طعمه ، فاتَّجهت بنظري إلى سيرين قائلاً باستغراب :
– ماذا وضعتِ في الماء ؟!
لكنِّي لم أسمع الإجابة ، فقد شعرت بثقلٍ شديدٍ في رأسي و أخذت الدنيا من حولي تدور ، و آخر ما رأيته سيرين و هي تنظر لي و على فمها ارتسمت ابتسامة ماكرة جداً !!

فتحت عينيَّ و أنا لا أدرك أين أنا أو ما الذي حدث ، بقيت فترة حتى تذكَّرت كلَّ ما مر بي ، نعم .. لقد وضعت لي سيرين شيئاً في الماء جعلني أفقد الوعي !
حاولت النهوض لكن ما هذا ؟؟ أنا مقيَّد ، و ليس ذلك فحسب بل منزوع الثياب إلا من قطعة ثياب داخلية ! يا إلهي ، ما الذي يحدث ؟
صرخت منادياً على سيرين ، فجاءت إليَّ قائلةً باستهزاء :
– ماذا تريد أيها الطفل المدلل ؟
– سيرين ، لماذا تتحدثين معي بهذه الطريقة ، ثم ما هذا الذي قمتِ بفعله ؟ لماذا أنا مقيَّد ؟ ما الذي……
قاطعتني بإشارةٍ من يدها و هي تقول :
– اصمت أيها الخائن 

ثم خرجت من المطبخ امرأتان هما نفسهما من ظهرتا لي مدَّعيتان أنَّهما سيرين .. و رأيت نفسي محاطٌ بثلاث نساءٍ و نظرات الشرر و الحقد تقطر من أعينهن !!

اقتربت منِّي من بدت أنها القائد و شدتني من شعري قائلةً :
– إذاً كنت تمنِّي نفسك بقضاء ليلةٍ لا تنسى مع سيرين ..
ضحكت باستهزاء ثم أكملت :
– هي فعلاً ليلة لن تنسى ، لكن ليس كما رسمتها في ذهنك يا.. شهريار عصرك
سألتها و قد حاولت أن أبدو متماسكاً :
– من أنتن ؟
ابتعدت عني لتقف إلى جانب سيرين و المرأة الأخرى و أجابت :
– نحن منظمةٌ سرِّية تتكون من عشرات النساء المخدوعات من قبل أزواجهن ، مهمتنا الإيقاع بالرجال أمثالك .. الذين لا يخلصون لزوجاتهم و يظلون يلهثون وراء النساء 
– لماذا ؟ ما الغاية من وراء فعلكنَّ هذا ؟
– حتى ننتقم منكم و نعطيكم درساً يجعلكم تتوبون عن أفعالكم الدنيئة 
أكملت سيرين قائلة :
– نحن نصيرات الزوجات المستضعفات ، نحن بالمرصاد لكل زوجٍ خائنٍ لا تهمُّه مشاعر زوجته 
قلت لها محاولاً استدرار عطفها :
– إذاً فقد خدعتني طيلة هذه المدة سيرين !
أجابت باستهزاء :
– تتكلم عن الخداع ؟! ألم تخدع زوجتك الآن ؟ ألم تقل لي بأنها تظنك في سهرةٍ مع أصدقائك ؟ ألم تكن تخدعها دائماً لتحقق رغباتك ؟
تكلَّمت المرأة الثالثة بعد أن كانت صامتة طيلة الوقت :
– دعونا لا نضيِّع الوقت و لنبدأ بانتقامنا 

كاد قلبي ينخلع عند سماعي لهذه الجملة ، أيُّ انتقامٍ هذا الذي يتحدثن عنه ! 
ذهبت سيرين إلى المطبخ و جلبت منه سكِّيناً و اقتربت مني قائلةً بهمسٍ أقرب للفحيح :
– انتقامنا بسيط ، بسيط للغاية و سريع .. 
ثم قرَّبت السكِّين من وجهي و أكملت و هي تبتسم :
– عملية بسيطة نجعلك تفقد فيها رجولتك و تعتزل النساء.. 

لم أصدِّق ما أسمع ، بالتأكيد أنا محاطٌ بمجنونات ، يا إلهي ما هذه الورطة ! تخلَّيت عن هدوئي المصطنع و بدأت بالتوسل إليهن :
– أرجوكن دعنني أذهب ، و أعدكنَّ بأني لن أعيدها ، سأقدِّس زوجتي و لن أنظر إلى غيرها

أجابت قائدتهن :
– فات الأوان على التوبة .. هيا إلى انتقامنا 
أخذ العرق يتصبب مني ، و دقات قلبي كادت تخرجه من مكانه ، و لم ينقذني سوى صوت هاتفها فأشارت لهن بالتوقف و ابتعدت لترد ، عادت بعد دقائق و قالت موجِّهةً الكلام إلى سيرين :
– نحن مضطرتان على الذهاب لأمر ضروري ، ابقي أنتِ هنا لحراسته ، و إياك ثم إياكِ أن تدعيه يفلت من بين أيدينا 
ثم التفتت إليَّ قائلةً :
– سنعود لإكمال انتقامنا ، و اسمح لنا أن نستخدم سيارتك في مشوارنا هذا ..
ضحكت باستهزاء و مضت ذاهبةً مع رفيقتها ..

بقيت لوحدي مع سيرين التي جلست قبالتي على الأريكة ، مرت فترة صمت لا بأس بها بيننا ، ثم قطعتها أنا متسائلاً :
– هل فعلاً أنتِ مطلقة و زوجك كان سكِّيراً و يضربك ؟
نظرت لي بأسى و كأن هذا السؤال أيقظ جرحاً في قلبها :
– نعم أنا مطلقة ، لكن ليس لأن زوجي سكِّيراً ، بل لأني اكتشفت خيانته لي .. رأيتها بعينَي و لن أنسى ذلك المشهد ، كنت أحبه جداً و اتفقنا على البقاء معاً لبقية العمر ، لكنه لم يلتزم بذلك و تغير في معاملته معي ، و بالآخر خانني مع امرأةٍ أخرى ، و من وقتها و أنا أحقد على جميع الرجال .. وعندما علمت بأمر هذه المنظمة انضممت إليها دون تردد .

– هل لي بسؤالٍ آخر ؟
– تفضل
– كيف وصلتِ إلي ؟
– الأمر بسيط ، نحن نتصيَّد الرجال ، و من نعرف أنه متزوِّج نختبره ، فإن أظهر استعداداً لخيانة زوجته نسعى لتأديبه ، خصوصاً إن كان مثلك أنت ، فمنذ لقائي الأول بك عرفت أنك زير نساء . 

بينما كانت تتكلم خطر لي أن أحاول معها علَّها تدعني أهرب ، لكن قبل أن أتكلَّم و جدتها تمسك بالسكين و تقترب مني ، و بحركةٍ مباغتة قطعت الحبال التي كانت تقيِّدني و قالت بهدوء :
– اهرب قبل أن تعود صديقتاي 
لم أتحرك من مكاني بل بقيت أنظر إليها باندهاشٍ فصرخت :
– اهرب قبل أن أغيِّر رأيي
لكن بدل أن أهرب سألتها :
– لماذا ؟
أخفضت نظرها و كأنها لا تريد أن تلتقي عينيها بعينَي و قالت :
– تيم ، الإيقاع بك كان مخطط له منذ البداية و كانت مهمتي أن أجعلك تظن بأني أحبك .. لكني مع الأسف أحببتك رغماً عني و لا يطاوعني قلبي على أذيتك ، أكره أن أكون ضعيفة ..
– سيرين ..
– لا تضع الوقت بالكلام ، انهض و اهرب 
نهضت و أنا أستفسر عن ثيابي لكنها قالت :
– لا وقت ، اخرج هكذا ، كأني أسمع صوت سيارة ، ربما قد عادتا .. 
– لكن قد تعاقبين 
– لا عليك ، سأتدبر أمري .. هيا اذهب ، لكن تذكر بأنك قد تقع ثانية بأيدينا ، فنحن عددنا كبير جداً و لن تجد دائماً امرأةً حمقاء مثلي تنقذك ، لذا كن مخلصاً لزوجتك .

لم أصدق بأني نجوت من جنون أولئك النسوة ، خرجت من المنزل متوخِّياً الحذر ، و أخذت أحثُّ الخطى لأصل إلى الطريق العام علِّي أجد سيارةً تقلُّني إلى المنزل ، لكن عندما وصلت بدا الطريق خالياً تماماً فالوقت قد تأخر ، يا إلهي ماذا أفعل ؟ قد تعود تلك المرأتان بأية لحظة و يرينني .

أخذت أتضرع إلى الله أن يرسل لي من ينقذني ، و فجأة لمحت أضواء سيارةٍ قادمةٍ من بعيد ، ترددت قليلاً فهناك احتمال بأنها سيارتي و فيها تلك المجنونتان و من يدري قد لا تكونان وحدهما ، ألم تقل سيرين أن عددهن كبير ، لكن عندما اقتربت السيارة و رأيت لونها عرفت أنها ليست لي لذا و بدون أن أفكِّر بالعواقب رميت نفسي أمامها قائلاً بتوسل :

– أرجوك توقَّف .. توقَّف 

و بصعوبةٍ بالغة استطاع السائق السيطرة على مكابح القيادة و أوقف السيارة ، مدَّ رأسه من النافذة و ثبَّت نظره بي ، كان ينظر إليَّ كما لو أني قد هبطت من السماء ، أو أنَّ الأرض انشقَّت و خرجت منها !! معه حق ، فوجود رجلٍ عارٍ بطريقٍ مقفرة في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل أمرٌ يدعو للعجب ، لكني لم أدعه يسترسل باندهاشه بل بادرته بالقول :
– أرجوك ، خذني بطريقك .. لابد أن أعود للمنزل 
لكنه بقي يحملق فيَّ بغباء ، فكتمت غضبي و طمأنته :
– لا تقلق أنا إنسان و لست شبح ، و سأشرح لك ما حصل لي أثناء الطريق 
و أخيراً بدأ يستوعب الكلام و فتح لي باب السيارة قائلاً :
– تفضل 

اضطررت إلى تلفيق كذبةٍ أبرِّر فيها ظهوري أمامه بهذا الشكل ، فقد ادَّعيت بأنني تعرضت للسرقة من قبل ثلاثة رجال جشعين ، لم يكتفوا بالاستيلاء على سيارتي و كل ما أملك ، بل قاموا بأخذ ثيابي أيضاً ، و كدت أن أرتكب فيه جريمةً عندما سألني بخبث :
– فقط ؟ ألم يفعلوا شيئاً آخر… ؟
نهرته قائلاً :
– بالطبع لا 
لم يبدُ عليه الاقتناع لكن ذلك لا يهمني ، ما يهمني هو الوصول إلى منزلي .

لا أستطيع أن أصف لكم مدى إحراجي عندما فتحت لي ناديا الباب و رأتني بهذا المظهر ، لكن عندما قصصت عليها نفس الكذبة التي قلتها لسائق السيارة أصابها الهلع ، و حمدت الله على عودتي سالماً ، و قالت لي حتى لو لم نسترجع السيارة فذلك لا يهم .. فداك ألف سيارة 
ردة فعلها هذه أراحتني جداً ، فقد ظننت بأنها ستخضعني لاستجوابٍ لن ينتهي ، بالفعل ناديا زوجة لا تعوَّض و لن أخونها بعد اليوم ، فليلة الرعب التي قضيتها مع سيرين و عصابتها جعلتني أعيد حساباتي و أراقب تصرفاتي ، و أهم شيءٍ ألا أثق بالنساء خصوصاً الجميلات .. كلَّما فكَّرت بالذي كان سيحصل لي لو لم تضعف سيرين و تسمح لي بالهرب تصيبني القشعريرة و يدي تنزل بشكل تلقائي أسفل بطني للاطمئنان على أني مازلت رجلاً !

و الآن دعوني أطلُّ على ناديا و أرى ماذا أعدَّت لنا على الغداء فأنا جائعٌ جداً .

***  ***  ***
                  
– مرحباً ناديا ، كيف هو زوجك ؟
– أهلاً سيرين .. يبدو أن تلك الليلة لقَّنته درساً لن ينساه ، فهو لا يتوقف عن مغازلتي و كأننا في شهر العسل ، حقاً أنا ممتنة لمنظمتكنَّ الرائعة 
– كلامك أسعدني ، أخبرتك سابقاً أن النتائج تقريباً مضمونة ، و إن احتجتنا ثانيةً فنحن في الخدمة 
– …
– …

أجل ، أعلم أنكم صدمتم ، لكن ماذا تنتظرون منِّي أن أفعل ، سئمت من تصرفات زوجي ، ثلاثة سنين مرت على زواجنا و هو لم يتغيَّر ، حاولت بشتَّى الطرق أن أجعله لا يرى امرأةً سواي ، اهتممت بشكلي و بأناقتي ، كلُّ فترةٍ أغيِّر لون شعري ، حافظت على رشاقتي ، تعلمت طبخ جميع الأكلات التي يحبها ، بل أبدعت باختراع أصناف جديدة ، ألغيت نفسي و اهتماماتي من أجله و مع ذلك لم يتخلَّى عن حبه للنساء  ، كدت أصل لمرحلة اليأس إلى أن اكتشفت عن طريق الصدفة وجود منظمةٍ سرِّيةٍ مناصرة للزوجات المستضعفات ، مكونةٌ من نساءٍ عانين من الخيانة و الإهانة على أيدي أزواجهن ، و مستعدِّات للانتقام من الرجال بالطريقة التي تريدها زوجاتهم !

تواصلت مع هذه المنظمة و شرحت لهنَّ وضعي ، و أعطيتهنَّ معلوماتٍ عن زوجي ، فأرسلن سيرين للإيقاع به ، و جميع ما حدث معه أنا أعرفه ، فقد قمن بإطلاعي على السيناريو الذي وضعنه من أجل تأديبه ، لكني طلبت منهن عدم إيذائه جسدياً ، فقط إرهابٌ نفسي .. مع العلم أن هناك من الزوجات من طلبن انتقاماتٍ فظيعةٍ بحقِّ أزواجهن ، لكني أحب تيم و لا أريد أن يمسه مكروه .. 

لا أعتقد بأني أخطأت ، فأنا زوجةٌ غايتها الحفاظ على بيتها و استقرارها ، و الغاية تبرِّر الوسيلة .. بالمناسبة ، لقد أعدن سيارة زوجي ، فقد استيقظنا صباح اليوم التالي على تلك الليلة لنجد السيارة و فيها ثيابه و هاتفه أمام باب المنزل ، لم أدقِّق كثيراً في الموضوع ، فقط أبديت استغرابي من هذه العصابة التي تسرق في الليل و تعيد ما سرقته في النهار ! زوجي راق له أني لم أدقق بالأمر ، فهو يعلم من أعادها و يحسبني لا أعلم .. حتى أنه لم يطلعني على الورقة التي أُرفقت مع ثيابه ، لكني بالطبع أعرف ماذا تحوي .. هي عبارةٌ عن تهديدٍ له بأنه نجى هذه المرة لكن فليحذر من المرات القادمة . 

مسكين تيم ، يظنني غافلة عما حصل له ، لكن لا يهم .. ما يهمني هو أني استعدته ، و أنا الآن أجهِّز نفسي لأذهب معه إلى ماليزيا ، فإنَّ الشركة التي يعمل بها قرَّرت إرساله إلى هناك في رحلة عمل ، لكنه سيأخذني معه لنجعلها رحلة عملٍ و استجمام .
آه كم أنا سعيدة .. و إن كانت هناك زوجةٌ تعاني من زوجها فلتتواصل معي حتى أعطيها عنوان تلك المنظمة التي أعادت زوجي إلى جادة الصواب .

أما الآن عن إذنكم ، فحبيبي تيم يناديني ..

 

تاريخ النشر : 2017-07-18

نوار

سوريا
guest
57 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى