أدب الرعب والعام

عالم الروح

بقلم : تيمو – مصر
للتواصل : https://www.facebook.com/baheb.namera

عالم الروح
التقط الطالب أنفاسه الأخيرة ثم أُغْلِقَت عيناه و توفي أخيراً

 في وقت متأخر من أحد الليالي ، كان هناك شخص في طريقه إلى شارع المدينة المهجورة ، وصل إلى المبنى السكني ثم قام بالدخول ، اشتعلت الأرض و كأنها تريد أن تلقي نظرة على ذلك الشخص الغريب الذي يقاوم الدرج .. ، و فجأة  سَمِعَت أصوات ضجيج كما لو أن أحدهم يكسر الخشب ليحوله إلى شظايا  ، ثم  كانت هناك صرخات مرعبة و صوت نزاع مروع ، ثم ركضت إلى الهاتف و دعت الشرطة ، و عندما عادت  كان هناك صمت مخيف و بحذر  قامت صاحبة المكان بقطع طريقها إلى الدرج حتى رأت الباب المكسور ، كان الباب لشقة أحد مستأجريها و هو طالب جامعي يدعى “صلاح مشالي” ..

من خلال إمعانها النظر في المدخل ، رأت “صلاح” ملقى على الأرض و قد أصيب بجروح خطيرة و وجهه أصفر و صغير مثل الليمون ، ساعدته لكي ينهض على السرير و حاولت أن تجعله يستريح ، و لكن كان واضحاً أنه يموت .

“صلاح ، ماذا حدث ؟”  تبكى صاحبة المكان .

و “صلاح” يصدر أنيناً معذباً و قال : لقد بدأ كل شيء مع محاضرتي في الجامعة ، كان أسمه البروفيسور مصطفى ، كان رجلاً عجوزاً و شعره رمادي و كان يسير بعكاز(عصا) ، كان يجب أن يكون عمره سبعين عاماً إذا كان حياً ليومنا هذا ، كان يجري أبحاثاً على التنويم المغناطيسي و تطوعت لأكون واحداً من معاونيه ، و في إحدى الأمسيات دعاني إلى بيته ، لقد أراد مني مساعدته في تجربة إحدى المواد المنومة ، و أخبرني أنه يريد أن يغفّيني (نوم بسيط) ، شعرت بعصبية بعض الشيء لكني أثق به ، رغم كل شيء فهو يظل أستاذي

أخذ ساعة جيبه و أخذ يلوح بها أمام عيني ، لقد شاهدتها تتأرجح ذهاباً و إياباً و استمعت إلى صوت البروفيسور الهادئ ، لم أشعر بنفسي إلا و قد غفوت ، فجأة شعرت و كأنني كنت مفصولاً عن جسدي ، كنت روح حرة ، صرت طليقاً ، كنت أطفو أعلى و أعلى ، و عندما نظرت إلى أسفل ، في تلك اللحظة رأيت جسدي على الكرسي و الأستاذ “مصطفى” يقف بالقرب مني ، بدأت الغرفة تحوم حولي ثم تلاشت تماماً ، كنت أرحل إلى عالم جديد و أطفو في عالم غريب مليء بالضباب والظلال ، كنت أساق بقوة الرياح في مكان غير أرضي ملؤه الضباب و الظلام ،  لم يكن لدي أدنى فكرة عما يجري فلا أعلم أين كنت أو أين كنت ذاهباً !.

في النهاية أردت أن أعود إلى جسدي ، فعدت إلى الطريق الذي جئت منه و عندما عدت إلى الغرفة شعرت بالرعب للعثور على جسدي يتحرك من تلقاء نفسه ، لقد سرقه شخص ما ، و لم أعرف من كان السبب أو من كان الجاني ، كان جسد البروفيسور “مصطفى” مسترخياً على أحد الكراسي ، كان ميتاً و لم يستغرق الأمر مني وقتاً طويلاً لمعرفة ما حدث ، فعندما رحلت عن جسدي ، ترك بدنه وأخذ جثتي ، فجسده قديم و يعلم أنه سيموت قريباً لذلك سرق جسم شاب صحي ، جسدي!.

لقد شاهدت بلا حول ولا قوة كيف أرتدى البروفيسور “مصطفى” جسدي و أخذ يتجول به حتى أنه يحيا حياتي ، كنت محاصراً في هذا العالم الضبابي و المعتم ، لقد حكم علي بالفشل لأهيم على وجهي بلا هدف إلى الأبد و بدون جسد ، لم أكن سوى روح حرة ، كان مصيراً أسوأ من الموت ، أنا لا أعرف كم من الوقت كنت متريثاً في هذا العالم القاتم الكئيب ، ربما كان أشهراً أو ربما كان سنوات ، أخيراً شيء ما ضربني ، كان الأمر بسيطاً جداً و تساءلت كيف لم أفكر في ذلك من قبل ، بحثت و فتشت حتى طال الأمد ، إذ وجدت ما كنت أبحث عنه

المقبرة التي دفنت فيها جثة البروفيسور “مصطفى” ، طفوت إلى الأرض و دخلت التابوت حيث صار الجسد في حوزتي ، باقي الأمر لم يكن سهلاً و لكن تمكنت من شق طريقي للخروج من هذا القبر و سحب نفسي إلى السطح ، عندما وقفت و حاولت السير أدركت أن الكثير من الوقت قد ذهب و جثة البروفيسور “مصطفى” الآن جثة متعفنة ، مع كل خطوة أخطوها تتساقط قطع من لحمي واحدةً تلو الأخرى ، اضطررت إلى الاستمرار ، روحي تسيطر على شيء فظيع و واهن ، لكني أجبرت على المضي قدماً ، كنت في طريقي إلى المنزل  لأعود إلى شقتي في ذلك المبنى السكني

 صعدت السلالم ثم ركلت الباب مثل عصابات المافيا ، يمكنك أن تتخيل الرعب على وجه البروفيسور “مصطفى” ، أقصد وجهي! عندما استدار و رأى جثته المتعفنة تقف في المدخل ، لقد اتسعت عيناه ، و أنخفض فكه فترى فمه مفتوحاً من الدهشة و بدأ يرتجف و يهتز خوفاً ، ألقيت بنفسي عليه و أصابعي العظمية ملفوفة حول حلقه و تخنقه ، كنت أحاول خنق حياته معه ، لقد كان صراعاً رهيباً و في كل مرة أحكم قبضتي في وجهه  تبيت أجزاء من جسدي تسقط تباعاً ، كلما أحاول أن أدهس رأسه ، جسدي ينهار أكثر فأكثر ، كنت أسقط إلى قطع ، و لكن ظللت أضربه ..

في نهاية المطاف أنجزت ما كان علي فعله ، لقد ضربته ضرباً أفضى إلى موته ، روح البروفيسور “مصطفى” تركت الجسم الميت ، جسدي ، و تطفو في الهواء ، كنت قادراً على امتلاك جسدي مرة أخرى ، أنا مرة أخرى ، أنا مرة أخرى في جسدي ، يا للهول ما أروع ذلك الشعور الذي يأتيك عندما تعود !.

بعدئذٍ التقط الطالب أنفاسه الأخيرة ثم أُغْلِقَت عيناه و توفي أخيراً ، كانت هناك ابتسامةً هادئةً على وجهه ، لقد أنصتت صاحبة المكان إلى القصة بأكملها ، لكنها لم تصدق أي كلمة منها ، و مع ذلك عندما أشعلت الأضواء كانت مذعورة لأنها عثرت على جثة متعفنة لرجل هِرَم طاعن في السن ، كانت جثته أشلاءً مبعثرة على الأرضية.

تاريخ النشر : 2018-03-24

تيمو

مصر
guest
16 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى