أدب الرعب والعام

ملقاط

بقلم : عطعوط – اليمن
[email protected]

نشاء يتيم في بيئة ريفية
تعتمد في دخلها
على  المواشي والغلات الزراعية.
حرم من التعليم مثله مثل سائر أقرانه .
تراكمة الاعمال على عاتقه منذ طفولته .

ذاق الامرين من قسوة خالته
التي تزوج بها ابيه بعد وفاة امه .

تنهال عليه الاوامر والطلبات في كل الاوقات .
مصحوبة احيانآ بالتهديد والوعيد وإخرى بالضرب الشديد .
فكان لخالته النصيب الاوفر 
فطلباتها لا تعد ولا تحصر
وليس لها اول ولا آخر . 
تلقنه التعليمات قبل ان ينام
يا ملقاط: عليك ان  تستيقظ  سحر
كي تحلب الضان والبقر .
ومع شروق الصباح
إذهب لجمع الاحطاب من المروج والضياح .
لاتنسى جلب الماء
وفي الضحى اذهب بالشاة الى المرعي .
ثم عرج على المزرعة لتحضر علف البقرة .
وبعد الغداء عليك بمسقى الماء
كي لا يتلف الزرع من الضماء .
ثم تفقد الاغنام قبل حلول الظلام .
قم بغسل اواني الطعام قبل خلودك للمنام .
وان حدث وقصرت
فقد انذرت واعذرت .
اما والده فكل ما يريده منه
هو ان يطيع خالته في كل ما تأمره .
كي لا يحل عليه غضبه .
مل  ملقاط وكل
وجد ان هذا الحال لايحتمل .
تفطرت قدماه من الذهاب والاياب
وتمزقة ثيابه من حمل الاحطاب على ظهره .
لم يحصل على شكر اباه
ولم يسلم الضرب من خالته على قفاه .
كره اسمه ومن سماه .
حط يا ملقاط . شيل يا ملقاط . اذهب يا ملقاط . تعال ياملقاط . …
في ليلة من ليالي رمضان
جلس جوار ابيه في الديوان .
فسأل : يا أبي اخبرني ماهي ليلة القدر التي حدثنا بها الإمام بعد صلاة الفجر؟
رد: ليلة القدر تنزل في العشر الاواخر من رمضان التي نحن فيها الآن .
من رآها حلت عليه البركة واتته بما يطلبه .

– من اين تنزل يا ابي وماهو شكلها؟
رد: تهبط ليلا من السماء وميض ووهج يتلالاء .

– هل حدث وان رآها احد من اهل البلد .؟
رد: يقال ان رجل اخرج رأسه ذات مساء
من نافذة بيته ليلآ كي يرى .
وعندما شاهدها مارة
قال: يا ليلة القدر كبري رآسي .
فكبرحجم رآسه في الحال
وصار امر ادخاله من النافذة محال .
وبقي على حاله حتي اجتمع الناس
صباحآ حول داره .
ناظرين الي رآسه بعد ان صار منفوخ بحجم البالونة .
فلم يكن امامهم من خيار سوى هدم الجدار .
بعدها اثقل الرجل رآسه ولم يعد جسده يقوى على حمله .
مضى عام وهو باق لا يطيق ولا يطاق .
وفي اواخر رمضان
ترقب ليلة القدر فشاهدها في نفس المكان .
فقال: ياليلة القدر صغري رآسي .
فصار رآسه بحجم رآس الارنب البري .
قبيح المنظر من شاهده اشمئز ونفر .
لا تحط عليه عمامة ولايتسع فمه لبلع طعامه .
بقى يكابد الهول حتى حال عليه الحول .
لمح رياح للغبار تثير
فصاح دون تفكير .
يا ليلة القدر 
آعيدي رآسي القديم على بدني السليم .
فعاد اليه رآسه بعدها ثابر على التأني وترك التمني .

-هل هناك من رآها غيره يا ابي؟
رد :نعم يروى ان نهر الماء الجار الذي لا ينقطع ليل نهار .
شح في دهر من الدهور
فتقاطر الناس عليه وتزاحموا
كي ينهلوا . 
ومع السحر كان الجميع قد غادر
عدى عجوز بقي لدوره منتظر .
واضع غرب الماء تحت القطر .
فلمح وميض وسمع صرير وجحافل 
من فوقه في الهواء تمر .
فنادى : يا ليلة القدر اجعلي من هذه القطرات النادرة سيول متدفقة هادرة .
فكان نهر دافق .

ذهب ملقاط الى الفراش بعد ان غشاه النعاس .
فراودته الافكار فيما جرى وصار
ثم قرر ان يكن لليلة القدر في الانتظار .
لعلها تخلصه مما ظل ينغصه .
فداوم على المبيت في السطح
عله يرى الفتح .
وفي الثلث الاخير من الليل
صوب بصرة نحو القمر
غاص وتأمل
فإذ هو يشاهد جمل يهوي من السماء نحوه .
قال في نفسه ربما يكن هذا الجمل هو ليلة القدر
فصاح بعجل :
ياليلة القدر :
من قال ملقاط قال طاط 
ومن ثناها تبرز .

برق بارق فتطاير الشرر
فلم يعد للجمل بعدها آثر .
بات ليله في سبات .
وفي الصباح سمع الصياح .
إنها خالته كالعادة تيقظه من رقاده .
بمجر ان نادت يا ملقاط
ضرطت
كررت النداء فتبرزت .
تلفلفت خجلة
فولت مدبرة صوب زوجها كي تخبره .
: إصعد انت وأيقظه .
فتح الباب بغضب حاملآ في يده قطعة خشب .
وقف عند اقدامه فوغزه بظهره .
: إنهض يا ملقاط

قبل ان يكمل النداء ضرط
عاود النداء فتبرز  .

تراجع للوراء عائدآ من حيث اتى .
بعد ان وجل وخجل .

قالت: اصابني ما اصابك . هلم نظف ثيابك .

تبادلا الافكار محاولين تفسير ما جرى وصار .
فتحاشوا إزعاجه تاركين ملقاط يغط في رقاده .
فذهبت هي بالمواشي المرعى .
وباشر اباه الحراثة وسقي الماء .

صحى ملقاط في الضحى
لم تصدق عينيه ما ترى .
وجد جواره
الخبز والشاي وابريق الماء .
أكل وتهنأ ثم صال في الدار وجال .
عاد للمنام وبقي على هذا الحال .
ملك أمره وصار امير نفسه
لم يعد هناك من يزعجه .
ينادوه بالإشارة لحضور تناول طعامه .
افتقده الرعاة واهل الديرة .
فكان من سأل عن ملقاط ظرط .
كان له إبنة عم تدعى حمط
فارعة لبقة بارعة

لم يضاهيها في جمالها احد من البشر
فيمن تقدم او تآخر 
ورقاء عنقاء غيداء مكلثمة ململمة مشربة 
وضحى فلجى بلجى دعجى
مكتنزة
إن مشت اهتزت وتدلت
وإن وقفت تكورة وتجلت .
سألت  :
لماذا تقومين بالرعي انت يا عمتي اين ملقاط؟

فضرطت 
فعاودت عليها السؤال فتبرزت .
فتطايرت ثيابها كريش طائر .
بقت عارية
لم يستر جسدها سوى شعرها ساتر .
فكانت تلك الواقعة كبيرة من الكبائر .
ذاع صيت ملقاط بين العامة .
وتجنب الجميع ذكر إسمه .
رسى رأي ابيه وخالته على وجوب تغيير إسمه .
فأرسلوا الى صاحب الكتاب . فحضر .
فذبحوا له كبش أحمر .
وبعد ان اتم الطعام تقدموا له بطيب الكلام
طالبين تغيير إسم ابنهم بتودد وإسترحام ؟
رد: على الرحب والسعة
ثم باشر بفتح الكتاب ليرى طالعه.
قائلآ: عليكم ان تخبراني ماهو إسمه كي اقوم بتغييره ؟
تبادلا فيما بينهم النظرات الخاطفه
فلم يجرؤ  اي منهما على ذكر اسمه .
فقالا: دعك من اسمه فمن نطق به لحقته رمة .
رد: لابد من معرفته في كل الظروف كي اتمكن من مطابقة النجوم والحروف ؟
ردا: اسمه عتيد . اسم اداة تؤخذ بها الوقيد .
نظر اليهم متبلد لا يبدي ولا يعيد .
فأخذا بيده واوصلوه الى الديوان
فأشارا اليه بالبنان
وقالا: انه ذاك الموجود جوار الموقد . 
رد: ملقاط الوقيد .
وعلى الفور ضرط ضراط شديد .
تمالك نفسه فتلملم وتحرز .
وصاح ملقاط: فتبرز .
غادر الدار في حينه
تنبعث منه روائح نتنه . تاركآ الكتاب على عتبة الباب .

في احد الايام اشتاق ملقاط لرؤية حمط .
كان قد يئس من وصالها وقنط .
فطرق الباب طرق خائب
ردت حمط: بصوت شاحب .
من الطارق؟
: انا ملقاط . فسمعت ضراطه .
فتصنعت انها لم تسمع
فقالت: من انت؟
رد: افتحي انا ملقاط .
مباشرة فتحت الباب
فوجدت ملقاط وقد تبرز على الثياب .
فحطة يدها على انفها واسرعت في غلق بابها .

تندم وتحسر على ما بدر
وتبين له سؤء فعله بغيره من البشر
فقرر ان يعود الى سابق عهده .
انتظر ليلة القدر بفارغ صبره .
وعندما رآها عابرة
قال: يا ليلة القدر يامن لا يرد طلبك
من قال ملقاط تبسم ومن ثناها ضحك.

من وقتها تجول في المزارع والمراعي دون جدوى فلم يسمع له داعي .
ضاق به الحال فشد الرحال .
حط رحاله في ديرة اخواله .
من رحب بملقاط تبسم وتمتع ومن كرر ضحك وتكعكع .
ذكر اسمه راج وعاد الاندماج .
ذات يوم عاد برفقة خاله في زيارة خاطفة لآهله.
وعلى قارعة الطريق شاهد حمط
فتلعثم وتعثر وثبر .
نظر اليه خاله فقال: ثكلتك امك يا ملقاط ماذا حل بك؟
لاحظت حمط على وجه خاله الابتسام.
ثم قال: هيا ملقاط واصل المسير اتبع ذلك ضحك شديد .
عندها ايقنت حمط ذهاب ما كان يكتنف اسم ملقاط من لغط .

استمر جسد ملقاط  خلف خاله سائر في الخط
مع بقاء روحة ملتصقة بروح حمط .
قال: سنعرج لزيارة قبر امك يا ملقاط .
رد: نعم إسمها حمط .
: ماذا تقول هل نسيت إسم امك ياملقاط ؟
ماذا دهاك منذ رأيت الفتاة وانت في حال يرثاك .

– صحيح ما تقوله يا خال عين الصواب
إنها حمط ابنة عمي شهاب .
رآيتها بعد طول غياب .
فانتابني رجفان مصحوب بالخفقان
وقد اضحيت قاب قوسين او ادنى من الجنان .
متعثر القدمين خفيف الجسد
طائش العينين
لم ار سواها احد .
نظرتها دون ساتر فكانت احد الكبائر .

رد: توقف عما تقول
فقد اثرت فيا غرائز الفضول .
ان كنت فيها راغب ستراني الى اباها ذاهب بها لك خاطب .

– عليك يا خال بحث الخطى سنراه في المرعى .

سمعت حمط الهرج فامتطت السرج
وبلمح البصر غابت عن النظر .
وصلت الى ابيها على عجل فحكت له ماحصل .
ثم قالت: إعلم يا ابي
اني من ملقاط مرتابه وانا منه محتاطة .

قال:  يا ابنتي ان الخيرة ما اختارها الله وليس لنا من خيره سواه .

اجتمع ملقاط باهله بعد ان زار قبر امه .
فتحاشى الجميع ذكر اسمه
تجنبآ حدوث رمة حسب سابق عهده .
فكرر خاله نداه في كل امر حكاه
بحضر من سمع ورآه .
وكلما قال يا ملقاط تبسم امام الحضور
وان كرر ضحك بمرح وسرور .
فعمت البهجة وبسط البساط
بعد ان صاح الجميع يا ملقاط .
مبتسمين ضاحكين مسرورين .

قال ملقاط: ابي إستمع لخالي
اذهبا على الفور دون سخط إخطبا لي حمط .

رد شهاب في الوهلة واللحظة.
شرطي الوحيد
ان تلد البغلة .

قال: إشرط غيره عافاك الله وهداك .

– هذا شرطي لا غيره ولا سواه .

نظر ملقاط الى وجه خاله فرآه متبلد
فقال: ومتى عساها ان تلد ؟

يا ملقاط: هذا شرط يلزم من عدمه العدم .
فلم يحدث في دهر من الدهور ان ولدت بغلة على مر العصور . ولم ينتظر حدوثه في المستقبل المنظور .

ملقاط: اليست انثى كسائر الاناث تحمل من بعلها في سائر الاوقات؟

رد: ما قلته صحيح ولكن الامر يحتاج الى توضيح .
فالبغلة هجين ناتجة عن تزاوج بين حمار وانثى خيل
والبغلة لا تحمل من الخيل والحمار على حد سوى . هل فهمت القصد والفحوى ؟

نعم : ولكن يمكن لها ان تحمل من البغل على ما ارى؟
رد: كلا  فالبغل شأنه شأنها .

كانت حمط تسترق السمع خفيه
وبعد ان انصرف ملقاط وخاله
حضرت الى ابيها مسرعة متلهفة
تستوضح منه فحوى ما قاله .
رد: بعد ان رآيت منك الاعراض
اتيتهم بشرط تعجيز لا تنجيز .
لكن اخبريني سبب نفورك من ابن عمك؟
ردت: امره عجيب وماضيه مريب .

عاد ملقاط الى الديرة مغتاض
فترقب ليلة القدر على امتعاض
وعندما لمحها قال:
ياليلة القدر يا من داعيك مجاب
اجعلي بغلة عمي شهاب لا تنقطع عن الانجاب . 

اتي الصباح الى الموضع
فوجد البغلة تهمهم
وصغيرها يرضع .
باربعة وجوه من الجهات الاربع .
وجه خروف ووجه جمل ووجه قرد ووجه سبع مربع .
فهلل وكبر وانشرح واستبشر
وصاح ولاح حتى اجتمع حوله البشر .

اصيبت حمط بالذهول فما حدث غير معقول .
وكان اباها شهاب شارد الذهن فاقدا للصواب .
اعتراه الاحراج فرضخ
وبدأ التحضير للزواج . 
بعد حفلة الزواج مباشرة .
واتمام زفة العروس
اختفى رضيع البغلة متعدد الرؤس .

اقام ملقاط مع حمط في ديرة خاله فتغيرت احواله .
احتاج الى المال واطعام العيال .
عاد الى اباه عله يجد مبتغاه .

لمح خالته مع صاحب الكتاب في لهو وطرب
وبدون ان يلحظوه ذهب .
وصل الى المزرعة فشاهد اباه مع غزية
في اوضاع مزرية .
طفق عائدآ من حيث اتى
فوجد القدر يغلي تفوح منه روائح الانتعاش
بعد ان ذبحت خالته احد الكباش .
حاول معها بشتى العبر ان يحصل منها على احد الهبر .
فامسكت ذراعة وكاد ان ينكسر .
عاد اباه من الحقل
فامر ملقاط ان يسرع بالذهاب كي يعزم صاحب الكتاب
لتناول طعام فهو لديه من اعز الاصحاب .
فاخذ ملقاط بيده رغيف عيش رقيق
وشتته فتات على طول الطريق .
وعند وصوله عند صاحب الكتاب
قال: اتيت احذرك عليك الاختباء وسرعة الذهاب .
ابي يبحث عن سلاح لقتلك ايه الغزي
متهمآ اياك بعمل الفحشاء مع خالتي .

دار صاحب الكتاب وحار وتوارى عن الانظار .
عاد ملقاط واخبر والده بعدم تلبية صاحب الكتاب لطلبه إلا إذا ذهب اليه بنفسه .
ذهب اباه من نفس الطريق فكان اثناء الطريق ينحني لأخذ فتات الرغيف الصغار .
فظن صاحب الكتاب انه آتي لقتله وهو يتجهز بجمع الاحجار .
ففر واختفى آثره تاركآ داره .
انتظر ملقاط وخالته مجي اباه بضيفه إلا انه عاد بمفرده .
اكلوا نصف الكبش طوالي
واحتفظوا بالاخر لليوم التالي .

ذهب ملقاط صبحآ بغرز الاثوار
وعند وصوله اخبر اباه بغضب خالته الشديد .
لما بلغها من امر الغزية وما اتياه من اعمال مزرية .
ارتعب وارتهب وجمع لها كوم من الحطب كي يطفي عنها الغضب .
عاد ملقاط نحو الدار
فأخبر خالته بعزم والده على ضربها ضرب مبرح
بسبب ما ارتكبته مع صاحب الكتاب من امر فاضح .
فتركت البيت الى بيت اهلها ذهبت .
انفرد ملقاط فأكل اللحم واحتاط .
بقت في بيت اهلها صامته لم تخبرهم لماذا اتت .
وهي تخشى ان يبلغهم امرها المراب مع صاحب الكتاب .
بعد عدة شهور ذهب لمراجعتها بسرية
فهو يخشى ان تكون قد اخبرتهم بماحصل منه مع الغزية .
بقيا طيلة ثلاثة ايام
في أكل ومدام
فضاق بهم المقام
فطردوا شر طرده وعاد كلاهما الى سابق عهده .
فوجدوا  ملقاط قد ذبح الكبش الاخر
وباع الاثوار ورابع البقر .
وترك لهم الدار ونحو خاله فر .
عاد الى حمط بالجواهر والدرر وصافي العسل وسمن البقر .
خدم خاله في اخر ايامه
توفى تارك خلفه ثروة طائلة
كانت من نصيب ملقاط وحمط
فخاله لم يخلف قط .
فشيد القلاع وزرع الضياع
ورزق من الاولاد اسباع .
اضحى سلطان زمانه بعد ان كثر اعوانه .
فعاش برغد ومن لجاء اليه سعد
فكان له رغد عيش وحماية جيش .
انتهى ومن يحب النبي صلى…

***

القصة : مستوحاة من التراث الشعبي اليمني

الفهد

اليمن . للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى